وسّعت بعض التطبيقات مثل “كلوب هاوس” و”إينستغرام” بشكل كبير من قدرة الناس على تبادل الأفكار وحتى انتقاد النظام، لكن في الوقت نفسه قامت السلطات بتعطيل هذه المنصات واستمالتها وإسكاتها كما تشاء.
لطالما أوقف النظام الإيراني إمكانية وصول المواطنين إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصةً “فيسبوك” و”تويتر” و”تلغرام”. ومع ذلك، ففي كثير من الأحيان تم تجنب تطبيقين بارزين من هذا القمع هما: “كلوب هاوس” و”إينستغرام”. فلماذا سُمح لهذين التطبيقين بمواصلة العمل الذي أدى إلى الاحتجاجات الجماهيرية المستمرة – وأحياناً أثناء قيامها؟ وكيف يستفيد منهما المتظاهرون والإيرانيون الآخرون؟
“إينستغرام”: أداة للاقتصاد والدعاية والاستخبارات
واجه تطبيق “إينستغرام” تعطيلات أقل بكثير من التطبيقات الأخرى، ويعود ذلك جزئياً إلى أنه أصبح مكاناً جذاباً لأنواع مختلفة من الإعلانات، وبالتالي أدى دوراً مهماً في تعزيز الأعمال التجارية الصغيرة في إيران. ووفقاً لـ”مركز أبحاث بيتا“، ازداد استخدام الإيرانيين لـ”إينستغرام” من 24 مليون مستخدم في عام 2017 إلى 48 مليوناً في عام 2021. وعلى مدار العامين الماضيين بشكل خاص، انتقل المشاهير والمؤثرون الإيرانيون بسرعة إلى هذه الخدمة، مما أدى إلى توليد أعداد كبيرة من المتابعين.
وأصبح التأثير الاقتصادي لتطبيق “إينستغرام” أكثر أهمية وسط الأزمة المالية الناتجة عن وباء “كوفيد-19”. وخلال الحملة الانتخابية في عام 2021، دعم الرئيس إبراهيم رئيسي على وجه التحديد حرية الوصول إلى “إينستغرام” لأسباب اقتصادية، وغالباً ما ذكر قصصاً طريفة حول استخدام بناته لهذا التطبيق في عمليات الشراء. كما أن الآثار المترتبة على الإيرادات الحكومية كبيرة هي الأخرى: ففي عام 2020، فرض “المجلس” ضريبة جديدة على حسابات “إينستغرام” التي تضم أكثر من نصف مليون متابع.
ومع ذلك، فإن تسامح النظام تجاه تطبيق “إينستغرام” يتجاوز الاقتصاد، فقد استخدمت السلطات أيضاً هذا التطبيق لأغراض الدعاية الإلكترونية، ومراقبة حسابات المؤثرين بشكل منهجي، واستغلالها في كثير من الحالات. على سبيل المثال، أجبرت وكالات الأمن والاستخبارات بعض المشاهير على نشر رسائل النظام المصممة خصيصاً للتأثير على الأجيال الشابة بشأن القضايا الملحة، لا سيما في الحالات التي تُعتبر فيها وسائل الإعلام الحكومية غير فعالة لتحقيق ذلك الغرض. وتُعتبر حسابات بعض ممثلي الأفلام المشهورين مثل داريوش أرجمند وبرفيز باراستوي من بين الحسابات المعروفة بأداء هذا الدور، سواء طوعاً أو كُرهاً.
وعلى نطاق أوسع، فإن ترك تطبيق “إينستغرام” مفتوحاً يمكّن النظام من جمع معلومات عن المواطنين العاديين والنشطاء والاتجاهات الشعبية في الرأي العام. ولا يمكن على الأرجح الحصول بأي طريقة بديلة على كمية البيانات التي تجمعها أجهزة الاستخبارات والأمن من تطبيق “إينستغرام” وعلى ونوعيتها.
بالطبع، عندما يحظر النظام تماماً إمكانية الوصول إلى الإنترنت في منطقة معينة، يتعذر الوصول إلى تطبيق “إينستغرام” تماماً مثل أي تطبيق آخر. وبالمقارنة مع فترات الاضطراب السابقة، كانت هذه الانقطاعات أكثر تكراراً خلال الاحتجاجات الحالية. ووفقاً لما ذكرته صحيفة “واشنطن بوست” في 5 تشرين الأول/ أكتوبر، أصبح انقطاع الإنترنت حدثاً يومياً بعد تصاعد عنف النظام ضد المتظاهرين في 21 أيلول/سبتمبر، وجاء في الخبر: “تُظهر أنماط حركة الإنترنت الطبيعة الدورية التي تتسم بها حالات التعطل، بدءاً من عصر كل يوم في حوالي الساعة الرابعة بالتوقيت المحلي، الذي هو نهاية يوم العمل الإيراني عندما تبدأ معظم الاحتجاجات، وعودتها إلى المستويات الطبيعية بعد منتصف الليل”.
وفي السادس من تشرين الأول/أكتوبر، ردت وزارة الخزانة الأمريكية على هذا القمع بإصدارها عقوبات ضد سبعة من كبار مسؤولي السياسة والأمن الإيرانيين، بمن فيهم وزير الداخلية أحمد وحيدي وقادة بارزون في «الحرس الثوري الإسلامي» والمقر الرئيسي للقوات الأمنية لـ “ثار الله” التابع له، وهو فرع مكلف بمهام الأمن الداخلي في العاصمة. ووفقاً للإعلان الأمريكي، “تدين الولايات المتحدة قطع الحكومة الإيرانية للإنترنت واستمرار قمعها العنيف للاحتجاج السلمي، وعدم ترددها في استهداف أولئك الذين يوجهون تنفيذ مثل هذه الإجراءات ويدعمونها”. وتأتي هذه الخطوة في أعقاب إصدار الوزارة في 23 أيلول/سبتمبر “الرخصة العامة الإيرانية D-2″، التي تسمح بـ”تصدير أدوات إضافية” لمساعدة الإيرانيين على الوصول إلى الإنترنت.
تطبيق “كلوب هاوس”: سيف ذو حدين؟
بعد إطلاق “كلوب هاوس” في آذار/مارس 2020، أصبح التطبيق وسيلة استثنائية للإيرانيين لتبادل الآراء حول الشؤون العامة والمواضيع السياسية الحالية. ومنذ بداياته كخدمة مخصصة للمدعوّين فقط، أصبح “كلوب هاوس” يستضيف “محادثات صوتية غير رسمية” في “غرف” مفتوحة لآلاف المستخدمين. وسرعان ما جذب مزيداً من الاهتمام وسط عمليات الإغلاق الناتجة عن جائحة “كوفيد-19” في أنحاء العالم، حيث بحث المستخدمون عن طرق جديدة للتواصل الاجتماعي من مسافة بعيدة. وفي إيران، اعتبره عدة مستخدمين أيضاً فرصة لممارسة حرية التعبير المحدودة بعيداً عن الرقابة الحكومية. ومع وجود شخصيات سياسية مؤثرة مثل وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، أصبح التطبيق منتدى رئيسياً للنقاش الحر للمواضيع المحظورة والجدل المحتدم بين المدارس الفكرية المتعارضة تماماً. حتى أنه تم تسليط الضوء على هذه التبادلات على منصات التواصل الاجتماعي الأخرى وصفحات الصحف الكبرى حيث بدأ المزيد من الشخصيات العامة يشاركون في التطبيق.
وحالياً، لا تحظر الحكومة غرف “كلوب هاوس”، وبإمكان الإيرانيين داخل البلاد وخارجها أن يلتقوا بحرية مع بعضهم البعض لتبادل الأفكار أو البيانات أو الترفيه – على الأقل عند تشغيل خدمة الإنترنت. وعلى عكس “إينستغرام”، فإن هذا التطبيق هو أقل قيمة من الناحية الاقتصادية. وقد أصبح بالأحرى بديلاً افتراضياً عن المجال العام التقليدي، الذي احتكره النظام الشمولي إلى حد كبير أو ألغاه على مر السنين من خلال فرض الامتثال وتقييد التواصل (على سبيل المثال، من خلال الرقابة الصارمة على الصحافة).
وعلى وجه الخصوص، كان تطبيق “كلوب هاوس” بمثابة ترياق قوي للاستبداد الديني لجيل الشباب، الذي غالباً ما يشار إليه في الأدب السياسي الإيراني باسم “جيل الألفية الثانية”. ويتميز العديد من أفراد هذا الجيل المتمرد برؤيتهم غير الأيديولوجية للتاريخ الإيراني بشكل غير نمطي، فضلاً عن تطلعاتهم القوية إلى الاستقلال الذاتي والرفض الواسع النطاق للسلطات التقليدية التي تسعى إلى إجبارهم على الالتزام في المنزل أو في المدرسة أو في الشوارع. وقد دفعتهم طرق التفكير البديلة هذه إلى تبني منصات تواصل جديدة وأكثر توافقاً. فرفضاً للتوجيه المركزي بشأن هوياتهم وأنشطتهم الاجتماعية، أصبح العديد من الإيرانيين الشباب يفضلون “كلوب هاوس”، الذي يَسهل فعلياً الوصول إليه والحفاظ على خصوصيته عبر هواتفهم، بينما لا يزال يسمح بقدر من المشاركة الديمقراطية في المجال العام الافتراضي. وتُعَدّ المزايا الصوتية التي يوفّرها هذا التطبيق جزءاً من عوامل الجذب، وكذلك عدم وجود قيود على المدة التي يمكن أن تستمر فيها الفعاليات المستضافة وعدد الأشخاص الذين يمكنهم المشاركة.
وارتقى تطبيق “كلوب هاوس” إلى وضعه الحالي باعتباره المنصة الاجتماعية الأكثر تسييساً في إيران بعد أن بدأت الشخصيات العامة الكبرى في استخدامه للتواصل مع الجماهير بطريقة غير مسبوقة. ويزخر التطبيق الآن بالنوادي الشعبية حيث ينضم آلاف الأعضاء إلى غرف مخصصة لمناقشة التطورات الإخبارية اليومية والقضايا التي تثير اهتماماً عاماً كبيراً، مع استمرار بعض المنتديات لمدة تصل إلى عشر ساعات. ويشارك بعض المستخدمين آراءهم خلال هذه الاجتماعات، بينما يحضرها آخرون كثيرون فقط لسماع آراء الخبراء والشخصيات العامة.
علاوةً على ذلك، توفر غرف “كلوب هاوس” جسراً لا مثيل له بين الإيرانيين داخل الجمهورية الإسلامية والمغتربين. فلعقود من الزمن، فصل النظام هذا المجتمع الأخير وعاداه بشكل منهجي، مما صعّب عليه التفاعل مع أبناء بلده في الوطن الأم بشأن القضايا الاجتماعية والسياسية. ولطالما أدت ثنائية النظام الملفقة بين “الداخل والخارج” إلى انقسام الناس وإضعاف التضامن الاجتماعي اللازم لإحراز تقدم منسق نحو التحول الديمقراطي.
وبالتالي، على الرغم من إظهار التسامح النسبي تجاه تطبيق “كلوب هاوس”، تدرك سلطات النظام جيداً أنه يمثّل تحدياً أمنياً محتملاً، وقد تصرفت على هذا الأساس في بعض الأحيان. ففي تموز/يوليو، على سبيل المثال، اعتقلت نائب وزير الداخلية السابق مصطفى تاج زاده – الناقد الأكثر صراحة للمرشد الأعلى علي خامنئي في المعسكر الإصلاحي – بتهمة “التآمر للعمل ضد أمن البلاد”. وجاءت هذه الخطوة بعد ظهور تاج زاده في أكثر غرف “كلوب هاوس” شعبية في البلاد لعدة أشهر، حيث انتقد النظام بصراحة ودعا إلى الإصلاح وتكلم ضد دعاة الإطاحة بالعنف.
وإلى جانب قمع بعض المستخدمين ومراقبة تطبيق “كلوب هاوس” كمصدر فريد للمعلومات حول ما يفكر فيه الناس والشخصيات العامة البارزة، نشر النظام أيضاً قواته السيبرانية لتحديد شكل الخطاب على التطبيق. ويشمل ذلك الجهود المبذولة لتوجيه المناقشات بعيداً عن مواضيع معينة، وتخويف الجمهور، وتمثيل صوت الحكومة. وبالإضافة إلى ذلك، أنشأ النظام غرفاً خاصة به حيث يتم الترويج للّغة البذيئة والشغب، في محاولة لتلويث الجو السياسي وتقسيم أبناء الشعب. وفي الواقع، يثير الخلاف بشأن الخطاب المعتمَد في “كلوب هاوس” تساؤلات جدية حول كيفية إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق غايات سياسية في إيران، فضلاً عن مدى وعي الناس بشأن الآليات المتقنة والفعالة التي يستخدمها النظام للتلاعب بهم وتضليلهم في أوقات الأزمات.
من المثير للاهتمام أن الصحافة التقليدية الإيرانية التي تخضع لرقابة شديدة كانت تتابع عن كثب بعض الغرف السياسية والاجتماعية في تطبيق “كلوب هاوس” وغالباً ما تقدّم تقارير عن المناقشات المهمة التي تدور هناك. كما أطلقت بعض وسائل الإعلام الفارسية داخل البلاد وخارجها أندية خاصة بها، عبر استخدام التطبيق لتقوية تأثيرها أو توسيع نطاق جمهورها. ويعكس هذا الانتشار للمجتمعات على تطبيق “كلوب هاوس” قطبية المجتمع الإيراني وتعدديته إلى درجة نادراً ما تكون ظاهرة في وسائل الإعلام الرئيسية. وحتى رجال الدين أصبحوا ناشطين على التطبيق، لا سيما جيل الشباب من طلاب الحوزة.
ومع ذلك، يجب أن يظل المراقبون حريصين على تجنب سوء الفهم الناقد الخاطئ بشأن تطبيقَي “كلوب هاوس” و”إينستغرام” وغيرهما من منصات وسائل التواصل الاجتماعي – أي إمكانية حلولها مطلقاً محل المجال العام الحقيقي، مما يعني الأماكن المادية حيث يمكن للمواطنين التجمع والتواصل بأمان حول أي قضية متعلقة بحياتهم ومجتمعهم. وتوفر التطبيقات طريقة فعالة للأشخاص الضعفاء لرفع أصواتهم والتخلص من “الرتابة” الأيديولوجية التي يفرضها نظام شمولي مثل الجمهورية الإسلامية. كما تشكل هذه التطبيقات أداة فعالة للتواصل وتنظيم الحركات المدنية والسياسية. ولكن في نهاية المطاف، يبقى المجال العام الحقيقي ضرورياً لتحديد ما إذا كان اندفاع الناس نحو التحول الديمقراطي يمكن أن يستمر ويتطور. وبهذا المعنى، قد لا يزال أمام الإيرانيين طريق طويل قبل أن يتمكنوا من التخلص من الاحتكار الذي يمارسه نظامهم الشمولي.
مهدي خلجي هو “زميل ليبيتسكي فاميلي” في معهد واشنطن. ويود أن يشكر مؤيد باراداران على مساهماته في هذا المرصد السياسي.