“قرب الحدود مع إسرائيل”، كما تقول “رويترز”، يفاخر المواطن قاسم الشريم بنجاحه في إطعام عائلته من زراعة الأرض! مسكين، قاسم الشريم! لا يفكّر بمستقبل أولاده!
بدل “الشمام”، إزرع “صواريخ”! لا تحرث الأرض، أحفر “نفق” تحت الحدود! شارك في عملية إعتداء على “اليونفيل”.. بدل الكدّ والجهد، أرسل إبنك لدراسة “العِلم” في “قم”! يصبح إبنك شيخا “قد الدني”! يصدر “فتاوى”، يَلكُن بـ”العجمي”! يقبّل يد القائد “خامنئي”! تنفتح الدنيا أمامه، يدخل في جنّة “أشرف الناس” ويفتحها الله عليه بسيارة 4×4 “مفيّمة”! وراتب.. بالدولار! بالدولار، يا بني آدم!
الله يسامحه قاسم الشريم! شمّام وباذنجان، وورق عنب!
الشفاف
*
من مايا جبيلي وعزيز طاهر
حولا (لبنان) (رويترز) – جثم قاسم الشريم على الأرض يفحص محصوله من القمح في قرية نائية بجنوب لبنان، حيث يشعر عامل البناء الذي تحول إلى مزارع بأنه محمي باكتفائه الذاتي رغم ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى عنان السماء وسط أزمة قمح عالمية والانهيار الاقتصادي في لبنان.
ومثل العديد من الأسر في لبنان المبتلى بالأزمات، تحول الشريم إلى الزراعة بعد تراجع سعر الليرة اللبنانية في 2019 مما تسبب في نقص أعمال البناء كما ارتفعت تكلفة المواد الغذائية التي يحتاج لشرائها.
وقال الشريم (42 عاما) لرويترز في منزله بقرية حولا في قضاء مرجعيون بالقرب من الحدود مع إسرائيل “ضعنا بهيدي الفترة، بالأوّل بدايتها، معش قدرنا نشتغل شو عملنا؟ قَلَبنا على مجال الزراعة”.
ويقول برنامج الأغذية العالمي إن أسعار المواد الغذائية قفزت إلى 11 مثلا منذ بداية الأزمة في لبنان. وزادت السلطات اللبنانية تدريجيا سقف السعر الرسمي لرغيف الخبز وتنامى الخوف من نقص القمح منذ غزو روسيا لأوكرانيا وهو ما عطل شحنات الحبوب.
لكن آثار هذه الأزمة بدت بعيدة جدا في بيت الشريم المتواضع، حيث تتوهج شرائح الشمام المزروع في حديقته والموضوع على الطاولة تحت شمس الأصيل بينما يمتلئ المطبخ بأرغفة الخبز التي خبزتها زوجته خديجة من قمح مزروع في أرضهما.
وتحولت الباحة الأمامية للمنزل إلى متجر حيث تمتلئ أكشاك خشبية صنعتها خديجة بثمار البطيخ الكبيرة وقوارير ورق العنب.
ويقول الشريم “الاكتفاء الذاتي ببلش من البيت. انا كنت اشتري كل شي من السوبر ماركت أو الدكاكين أو كدا. هلّأ اليوم أنا كل شي خضرة عندي موجود”.
لا عودة للخلف
على مدى السنوات الثلاث الماضية، زرعت أسرة الشريم كل شيء من القمح إلى العدس والباذنجان والفلفل الحار.
وتقع قطعة الأرض على ارتفاع منخفض عن سطح البحر، حيث تتوافر المياه ويجري تدويرها بانتظام لتجديد العناصر الغذائية في التربة مع زيادة عدد المحاصيل إلى أقصى حد.
لكن الشريم لم يكن في الأصل مزارعا، بل تعلم كيف يبني الصوبات الزراعية من مقاطع فيديو على يوتيوب وجمع النصائح والتوصيات من مزارعين آخرين.
واعتمدت خديجة (39 عاما) كذلك على التكنولوجيا في إدارة المتجر. وترسل أسعار منتجاتها يوميا لنساء حولا على مجموعة على تطبيق واتساب في التاسعة صباحا وهم يردون برسائل يطلبون فيها ما يريدون.
وقالت خديجة “أنا مسمّييني مختارة الضيعة هون، أعرف كل الضيعة”.
والاستقرار بالنسبة لها لا يتمثل فقط في الزراعة، فهي تشجع عملائها على إحضار حقائب من القماش لتقليل استخدام أكياس البلاستيك وتبحث عن أساليب جديدة لحفظ الخضروات على يوتيوب.
وأضافت خديجة “كل ما عم تسوء الأزمة، اخترع شي جديد. مثلا الباذنجان المكدوس كان يبقى عندي عملته مربى، ما بتصدّقي كيف العالم تقل لي شو مربّى باذنجان؟ لم ألحّق عليهم، أصلا لم أتذوقها في البيت لأن بعتهم كلهم على الفور”.
ومع ذلك لم ينج مشروع أسرة الشريم تماما من آثار الأزمة اللبنانية.
ويحصل منزلهما على الكهرباء التي توفرها الدولة لمدة ساعة واحدة فقط كل يوم ويحصل على أربع ساعات أخرى من مولد خاص وهو ما يحد من حجم المياه التي يتمكنان من ضخها في الحديقة.
وكانت الأمطار غزيرة في الشتاء الماضي لكن الشريم يخشى من شتاء أكثر جفافا قد يدمر محاصيل العام المقبل.
وقلل الاثنان من استخدام الفيتامينات والمبيدات لاعتبارات تتعلق بالتكلفة. وكان المزارعون قبل الأزمة كثيرا ما يشحنون منتجاتهم إلى بيروت حيث تباع بأسعار أعلى.
وقال الشريم “الآن اليوم ما في، حتى انت اذا بدك تنزلي، إذا بدي نزّل أنا على حسبة بيروت وعندي آلية، طبعا بالنقل مكلفة وما بدي أقول لك الأعطال التي بتصير بالسيارة بس محروقات مكلفة يعني بتكلفني قد موسم”.
ويعمل الجرار الزراعي الذي يستخدمه لحرث الأرض بوقود الديزل ويقول إنه يحصي “كل ثانية” يشغله فيها بسبب ارتفاع سعر الوقود.
لكن الشريم يتجاهل كل هذه المشاكل.
وقال “لا، أنا ما عاد رح ارجع على شغلي القديم، ما عاد ارجع لوراء. أنا بدي كمّل. الزراعة لها مستقبل”.