تطغى عليك لفترة طويلة مشاعر الحزن الصافية. لا شيء آخر، لا خوف ولا غضب. غاب لقمان لكنه باقٍ حياً في نفس كل واحد منا، نحن من نريد تحرير لبنان من الاحتلالات.
فَقْد لقمان سليم خسارة شخصية لصديق عزيز. لكنه بالأساس خسارة وطنية لكل اللبنانيين الذين لا يزالون يدافعون عن حقهم ببلد ذو سيادة وعن حقهم بحرياتهم الشخصية والسياسية وحرية الرأي والضمير وعن حقهم ببلد حر ومستقل وسيد نفسه وحافظ لحدوده ومنتمي للأسرة الدولية وللأسرة العربية.
بعد فترة الحزن الصافي، لا أدري ما الذي يجتاحك؟ هل هو الغضب؟ أم العزيمة على المقاومة؟ لأننا نحن المقاومة الوطنية الشريفة الحقيقية وليس من يحمل كاتم صوت لإخراسنا.
لن نخافكم
لن نخضع لإرادة كواتم الصوت ولن نخاف. أولستم “حزب الله”؟ فإذا كان علينا أن نخاف، فسنخاف الله، ونطلب منه حمايتنا منكم ممن تصادرونه اسمه.
لن نخافكم. بل أنتم، بقتلكم للقمان سليم بكاتم الصوت، من تعلنون خوفكم من الكلمة ومن الأحرار. كاتم الصوت ممن لم يعد يملك صوتا يقنع به بيئته وسائر من يواليه. كاتم الصوت لقمع كل من يطالب بسيادة لبنان وحريته واستقلاله.
قبل ذلك تمرنوا علنا بإرهاب لقمان. هاجموا خيم الثورة واجتاحوا منزله في الضاحية ووضعوا التهديدات على حيطانه. لطالما علق المعلقون: كيف يحتملون وجوده بينهم بهذا الشكل! لأنهم يعرفون أنكم لا تحتملون من لا يذعن لسلاحكم.
على كل لقمان ليس مجرد صوت. لقمان ناشر وصاحب مشروع ومؤسس لعدة مؤسسات تعمل على تنقية الذاكرة الشفهية وعلى تصفية ذاكرتنا المشتركة مع السوريين والفلسطينيين. كي نراجع تاريخنا الدامي والحرب الأهلية وكي يعترف كل طرف بعذابات وجروح الآخر للتوصل الى المسامحة والسلام.
ومن هنا الأفلام التي حققها عن القتلة الذين اعتذروا عما قاموا به في الحرب وعن سجناء الرأي في سوريا… يعمل على ملفات الوثائق الضائعة التاريخية ويجمعها. يعمل على إنتاج فني وثقافي متنوع من معارض وكتب وأفلام ومؤتمرات وإصدارات متنوعة. عمل في جمعية هيا بنا التي اتخذتها جريدة الأخبار عنوانا لمقال تحريض ضده تحت عنوان “هيا بنا إلى تل أبيب”. يبرهن يوميا، أنهم يعنون انهم يريدون احتكار طريق تل أبيب.
خسارة لبنان كبيرة. ولكني آمل ألا يذهب دمه هباء على ما حصل مع دماء سلسلة اغتيالات شخصيات 14 آذار التي تبعت اغتيال الحريري الذي أخرج دمه السوري.
ما الذي استجدّ؟
وقبل أن نسأل أنفسنا: لماذا اغتيل؟
أريد أن أؤكد أن اغتياله يطال كل لبناني سيد حر يريد تحرير لبنان من الاحتلال الإيراني وليس المعارضين الشيعة وحدهم.
أما لماذا اغتياله في هذا الوقت بالذات؟
اعتادت بيئة حزب الله أن تقول لأمثالنا “مش قاريينكم“. يعني أن أمثال المعارضين كلقمان لا يشكلون ظاهرة تستحق الرد او الاهتمام. لكن يبدو من خطاب السيد نصر الله الأخير أنهم صاروا يستحقون الرد الآن. ويستحق الإعلام والإعلاميون التوبيخ. وإلا فإن “الأهالي” سيتكفلون بإحراق مؤسساتهم أمام أعين أجهزتنا الأمنية.
أمثال لقمان صاروا فجأة “مرئيين” الآن. فما الذي استجد؟
طبعاً منذ بداية الثورة خاف حزب الله، فرفع بوجهها أمينه العام لاءاته الثلاث الشهيرة. ثم تبعتها اعتداءات شبّيحة خندق الغميق على الثوار تحت شعار “شيعة، شيعة،..”. وفي نهاية العام 2019 تعرضت خيم الثوار للحرق. جاءت كورونا لصالحهم واستغلوها كما يجب.
ثم جاء انفجار 4 آب الذي عرّض حزب الله للمساءلة العلنية الواضحة من أعداد متزايدة من اللبنانيين. وكان ملفتا أن المشانق علقت في مظاهرات ما بعد الانفجار للسياسيين اللبنانيين وبينهم أمين عام حزب الله. ما عنى أن التابوهات التي كانت تحيط بهالة السيد بدأت تتساقط. هذا في الداخل اللبناني. لكن لبنان ليس ساحة داخلية مغلقة ومنقطعة عن الخارج، بل هو صندوق بريد لإرسال الرسائل.
هذا الاغتيال حصل في لحظة تبدل الإدارة الأميركية وفي لحظة وضعها لسياساتها العامة، وعزمها على حل المشاكل دبلوماسيا. وبعد أن كانت متحمسة للعودة إلى الاتفاق النووي دون شروط، بدا أنها تتريث الآن. فاقتضى الأمر تنبيهها أنها إذا كانت تهتم بلبنان من زاوية مصالحها فللآمر الناهي عنوان واضح. وإلا فإن آلة القتل ستستعيد نشاطها وتستكمل مهام السيطرة على لبنان.
وجاء هذا الاغتيال في اللحظة التي تتعرض فيها إيران للاعتداءات المؤلمة المتكررة وهي عاجزة عن الرد. جاء الاغتيال في اللحظة التي ترتفع فيها أصوات الشيعة في العراق، الذين يقتلون من ميليشياتها أيضا، على المطالبة “إيران برا، برا“.
جاء في الوقت الذي قصفت فيها مع حزبها بمئات الغارات التي ربما تعدت الألفين، في سوريا، من الطائرات الإسرائيلية، بغطاء من حليفتها الروسية. وفي الوقت الذي بدأت تتسرب فيه المعلومات عن اجتماعات سرية بين أزلام الأسد مع الإسرائيليين برعاية روسية، بهدف إخراج إيران من سوريا.
وجاء في الوقت الذي يقوم فيه ماكرون بمبادرة، يلاقيه فيها الأميركي، لتجديد وساطته. ماكرون الذي لا يزال يحتفظ بخطوط اتصال مع الإيرانيين حفظا لمصالحه، ويعتبر أن العقوبات غير ذات فائدة ويرغب بالتعامل مع نفس الطبقة السياسية ولا ندري بأي شروط مستجدة.
وجاء في الوقت الذي ينفتح فيه العرب على إسرائيل ويعقدون الاتفاقات معها لمواجهة إيران، وفي الوقت الذي بدأت فيه الأصوات تسمع، ولو بخجل، في بيئة الحزب وإيران: إلى أين تأخذوننا؟ وعليه يكون اغتيال لقمان سليم يحمل رزمة رسائل للداخل وللخارج.
أعتب على من يسأل: هل أنتم الشيعة مستهدفون كمعارضين؟
طبعا مستهدفون، لكن يا سادة قبلنا: لبنان هو المستهدف، والأحرار جميعهم مستهدفون.
نحن شعب أعزل
وأعتب على من يسألني: ستهاجرين؟ تتخذين تدابير حماية؟ تدابير أمنية؟ فأسألهم: لماذا؟ وما رأيكم؟ هل سترسل لنا السفارات، التي نحن عملاءها، رجال أمن لحمايتنا؟ أو ستهتم أجهزتنا الأمنية بسلامتنا؟
إذا كان هناك من شيعة سفارة، فهم شيعة سفارة إيران. السفارات الغربية تقيم علاقات علنية مع اللبنانيين وليس في سراديبها. ولا تقتل معارضيها أمام أبوابها علنا، ودون رفة جفن من السلطات اللبنانية. رحم الله هاشم السلمان.
أنا، وجميع المعارضين من جميع الطوائف، نحن لبنانيون ونرفع الصوت للطلب من مؤسساتنا الرسمية حمايتنا. وهذا يبدأ بالتحقيق بمقتل لقمان سليم. وسننتظر لنر.
والمطلوب من جميع القوى السيادية، من شبابية تنتمي إلى 17 أكتوبر ومن سياسيين تقليديين ومن مستقلين وأحزاب ونواب أمة، من جميع الطوائف التجمع وأن يعلنوا بالصوت العالي: إيران برا، برا.
وإلا فنحن شعب أعزل يقبل أن يقتل كل من يرفع صوته للتخلص من عبوديته. ونطلب حماية من الأمم المتحدة ومن المؤسسات الدولية والدول للضغط على طلب تحقيق شفاف ومحاكمة لكل ما يحصل على الأراضي اللبنانية منذ 4 آب، وكيف وصلنا الى 4 آب.
ونطالب إدارة السيد بايدن والسيد ماكرون، مساعدة اللبنانيين على المجيء بحكومة تعمل فقط على تطبيق الدستور والطائف والقرارات الدولية، فعلا لا قولا، ونكون لهم من الشاكرين. وإلا فاليعلنوا أنهم يريدوننا رهائن صندوق الرسائل.