من المؤسف اننا استطعنا خلال السنوات الماضية تدمير كياننا بطريقة فعّالة لم يكن ليقدر اعداؤنا على تحقيق النتيجة نفسها. ففسادنا هو اشدّ وطأة من كل اعدائنا مجتمعين. أعداء لبنان ما عليهم الّا ان يشجعوا أكبر عدد من الفاسدين للوصول الى السلطة.
والسؤال، كيف نتوقع ان نحارب الفساد من دون شفافية مطلقة؟
ولماذا لا يوجد حماس عند كثير من الأحزاب والافرقاء، لفرض قانون الشفافية المطلقة الذي اقترحته، أو مناقشته (قانون الحق في الوصول الى المعلومات الموجود حالياً هو قانون ساقط يوهم بالشفافية)، ويأتي البعض على ذكر قانون الشفافية ولكن من دون متابعة جدّية وحقيقية.
الا يحق لي أن أشكّك في صدقية هؤلاء. انّ هذا التجاهل لمطلب الشفافية يعني انّهم يتقصّدون عدم اقرارها، لأنّ لديهم ما يخفونه ولا يريدون كشف الحقائق كاملة امام الشعب اللبناني.
اكرّر مجدّداً، انّ الشفافية هي السلاح الأكثر فعالية لمحاربة الفساد، فهو العلاج المباشر لمشكلتنا. فالطبيب حين يعالج المريض يصف العلاج المناسب بناء على الفحوص الدقيقة والمعمّقة، وحينها يكون العلاج أفضل وأسرع وأفعل.
بالإضافة الى منافع الشفافية في محاربة الفساد، فهي ايضاً تساهم في توضيح كيف تجري معاملات الدولة الادارية، وفي النتيجة يتمّ كشف مكامن التعقيد والعرقلة والهدر وقلّة الفعالية، والمدة التي تتطلبها كل مرحلة. لقد تكلمت مراراً عن ضرورة اعادة هندسة الاجراءات الادارية لتحسين تنافسية لبنان، الشفافية تسهّل هذا المطلب وسنتمكن من قطع شوط كبير لتحسين الإجراءات.
نحن بحاجة ماسّة الى وزارة للشفافية، يكون دورها مراقبة تطبيق القانون وفرض تطبيق الشفافية على الوزارات، كما ادخال الوسائل التكنولوجية اللازمة للدخول في عصر البيانات المفتوحة، والاهم، ان يكون للوزارة صلاحيات مهمة وموازنة محدّدة، لكي لا نكرّر تجربة وزارة الدولة لمكافحة الفساد، التي تمّ تسمية وزيرها من دون منحه صلاحياّت او موازنة، او حتى تجربة وزارة الدولة لشؤون التنمية الادارية، والتي لا تملك اي سلطة او صلاحية للتدخّل في عمل وزارة او ادارة ودورها استشاري لا أكثر.
انني ادعو رئيس الحكومة المكلّف، الى ان يدرس القانون ويجعله أولوية في بيانه الوزاري. واقول له في صراحة، اذا استطاعت حكومتك ان تحقق هذا المطلب الاساسي في فرض الشفافية المطلقة، تكون قد انجزت انجازاً مهماً، وستكون لك مساهمة كبرى في إنقاذ لبنان من براثن الفساد. واذا بنيت البيان الوزاري على هدف اقرار قانون الشفافية المطلقة وتطبيقه، سيؤيّدك كل الأوادم في لبنان، وان تكون وزارة الشفافية هي الوزارة السيادية الاهم، وتكون اليد اليمنى للوصول الى الشفافية المطلقة في كل مفاصل الدولة.
كما من الضروري ان يكون التصويت على البيان الوزاري في مجلس النواب علنياً وشفافاً، أي ان يعرف كل نائب كيف صوّت بالإسم، ليكتشف اللبناني من يريد الشفافية المطلقة ومن يرفضها، ومن يريد ان يساعد البلد في الخروج من أزمته ومن يعرقل.