بدأت الهند مؤخرا ممارستها الديمقراطية الأكثر متابعة على مستوى العالم بعد الانتخابات الأمريكية والتي تفتخر بها هذه البلاد وتستحق عليها بجدارة وصف “كبرى ديمقراطيات العالم”.
وكما جرت العادة، وبسبب مساحة البلاد الشاسعة (3287 مليون كلم مربع) والعدد الضخم لمن يحق لهم الإقتراع الحر المباشر لإختيار برلمان جديد تنبثق منه حكومة جديدة لإدارة البلاد خلال السنوات الخمس المقبلة (أكثر من 900 مليون مقترع من الجنسين)، وعدد المراكز الانتخابية الهائل (نحو مليون مركز)، وعدد ماكينات التصويت الإلكترونية المهول (نحو 2.33 مليون ماكينة)، ثم بسبب دخول ما لا يقل عن 83 مليون ناخب جديد ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و 19 سنة معترك التصويت لأول مرة، فإن إنتخابات هذا العام وهي السابعة عشرة منذ إستقلال البلاد عن بريطانيا تتم على سبع مراحل ما بين 11 أبريل و 19 مايو، وتتميز بآلية إختيار الناخب ليس لرمز مرشحه وإنما صورته أيضا، مما يحول دون الغش والتزوير.
كل المؤشرات حتى وقت قريب كانت تفيد بأن رئيس الوزراء الحالي “ناريندرا مودي”، الذي قاد حزب بهاراتيا جاناتا وحلفائه من الأحزاب القومية إلى نصر كاسح في إنتخابات 2014 البرلمانية بحصولهم مجتمعين على 497 مقعدا من مقاعد مجلس النواب (لوك سبها) البالغ عددها 545 مقعدا، تاركا لحزب المؤتمر العريق 44 مقعدا فقط بعد أن كان له 206 مقاعد، في طريقهم لتحقيق إنتصار مدو آخر. وبعبارة أخرى كانت التوقعات تشير إلى أن مودي هو الخيار المفضل لمئات الملايين من الهنود، تأسيسا على وعوده بنقل الهند إلى مصاف الأمم الكبرى وتجسير الهوة بين الفقراء والأغنياء وتحويل البلاد من مجرد مُصّدر مهم للبرمجيات والكماليات إلى دولة صناعية وتكنولوجية.
غير أن الذي حدث هو أن مودي، بقدر ما حقق من إنجازات داخلية مشهودة واختراقات سياسية خارجية ناجحة فإنه وقع ضحية لبيروقراطية بلاده المنيعة وأوجه الفساد المتفشي وضخامة التحديات التي واجهته، الأمر الذي حال دون تحقيق كامل وعوده. وهو ما أدى إلى خسارة حزبه لنتائج الانتخابات الفرعية التي جرت في ديسمبر الماضي، وهو أيضا ما جعل المراقبون يتنبأون له الفوز هذه المرة أيضا لكن بأغلبية بسيطة وليست كاسحة، خصوصا وأن منافسه الشاب “راهول غاندي” سليل الأسرة النهرو/غاندي وزعيم حزب المؤتمر يريد الإنتقام من الضربة الساحقة والهزيمة المرة غير المسبوقة التي تعرض لها في الانتخابات السابقة عبر حملات وجولات واسعة في طول البلاد وعرضها بمؤازرة شقيقته برنايكا ووالدتهما سونيا غاندي، وعبر التقرب من الأقليات، وعبر إطلاق التحذيرات من خطورة التوجه القومي لـ “بهاراتيا جاناتا” على صورة الهند العلمانية وديمقراطيتها.
في هذه الأثناء يحاول هنود المهجر، ولاسيما في بريطانيا والولايات المتحدة، إستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة للتأثير في نتائج الإنتخابات من خلال توجيه أقاربهم في الداخل وتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم وتبيان الخيار الأفضل للهند ومستقبلها، خصوصا وأن هنود المهجر لا يحق لهم التصويت إلكترونيا أو من خلال سفارات وقنصليات بلادهم في أماكن إقامتهم. إذ يشترط القانون الهندي أن يسجلوا أسماءهم في قوائم المقترعين ويدلوا بأصواتهم في دوائرهم بالحضور الشخصي.
ومما يذكر، أن مودي الذي باتت خططه الاقتصادية الطموحة تواجه معضلة بدليل إنخفاض نمو الناتج المحلي في الربع الأخير من العام الماضي إلى 6.6% بعد أن كان في الربعين السابقين 7.1% وقبلهما 8.2%، أصدر قبيل إنطلاق السباق الإنتخابي رسميا م”انفيستو” تضمن 75 وعدا إنتخابيا وصفها منافسه غاندي بأنها تنم عن قصر نظر وغرور.
من هذه الوعود: إنفاق 360 مليار دولار لتنمية الأرياف، مضاعفة دخول المزارعين بحلول 2022، منح راتب تقاعدي للفلاحين ممن تجاوز سن الستين، تسوية قضية الكثيرين من الهندوس والمسلمين والسيخ الذين نزحوا من باكستان بعد تقسيم الهند البريطانية بمنحهم الجنسية الهندية، تخفيض الضرائب على السلع والخدمات، العمل على جعل الاقتصاد يصل في عام 2022 إلى 5 تريليون دولار وفي عام 2032 إلى 10 تريليونات، تفعيل القانون 35A لإعطاء ولاية جامو وكشمير حقها في أنْ يكون لها دستورها المنفصل وعلمها الخاص وأن تدير كافة أمورها بنفسها عدا الشؤون الدفاعية والسياسات الخارجية، علاوة على محاربة الإرهاب وتعزيز الأمن الداخلي.
وتلعب اللجنة العامة المشرفة على الإنتخابات (10 ملايين موظف) دورا حيويا في ضبط الأمور وتحقيق العدالة والمساواة لجهة الدعاية والتأثير على المقترعين ولجهة عدم الخروج على المألوف في إستخدام الألفاظ والشعارات. من ذلك أنها أرجأت عرض فيلم سينمائي يحكي قصة حياة مودي منذ أنْ كان بائعا للشاي على أرصفة محطات القطار إلى أن وصل إلى السلطة، معتبرة عرض الفيلم دعاية لرئيس الوزراء في وسط الانتخابات. وقد قبل مودي حكم اللجنة ولم يعترض قائلا إن لا علاقة له بالفيلم وأن إنتاجه تمّ دون علمه من قبل مناصريه.
Elmadani@batelco.com.bh
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين