أتحفنا نصرالله بخطابه العاشورائي ولهجته الجنوبية العامية الخالصة، محتدة وبعيدة كل البعد عن التنميق والهدوء اللذين كان يتكلفهما. رد على المعترضين على تحكمه بشؤون لبنان واللبنانيين:
“هلق بِقِلَّك انت مين مكلّفك؟ حل عني انت اصلاً يعني إنسان؟ تقلي مين مكلَّفك يعني؟ انا الله مكلفني، انت من مين مكلَّف؟ انا الله مكلفني، نحن ناس الله مكلفنا”.
كاشفاً عن مدى احتقاره للبنانيين في مناسبة عاشوراء، الذكرى الإنسانية بامتياز. فقدرة هذا المحور على ازدواجية الخطاب والمعايير تحت شعار “التقية” لا تضاهى.
تناغم مع جهنم الرئيس الذي قال:” يللي مش عاجبه يفلّ”، والتحق بخطاب نوابه وجمهوره المبتذل، الذي كان يتنصل من فجاجته، مخالفاً نصيحته لهم “بعدم استفزاز” الأطراف اللبنانية من خارج البيئة الحاضنة: بما يعني اشتموهم سراً وعن طرق ذبابكم الإلكتروني بأسماء مستعارة، فهم ليسوا بشراً.
طوّب شيعته عام 2006 “كأشرف الناس”، وكانوا يواجهون معارضيهم بـ “مش قاريينكم”. الآن احتكروا صفة البشر.
شططه يكاد أن يتجاوز شطط هتلر.. فهذا الأخير لم يكن مكلفاً من الله، ولا هو مقدّس كنصرالله ووليّه الفقيه. قد يتجاوز هنا أيضاً شطط رجال الدين المسيحيين الذين باعوا أراضي في الجنة، للغشماء من المؤمنين، وينافسهم على نيابتهم عن الله. الله منحاز لنصرالله حصراً ولرغباته وغضبه وحقده! نصرالله ينازع موسى واليهود على احتكارهم لله تعالى. أولئك شعبه المختار؟ هو وكيله المختار!
ازدواجية الخطاب واستخدام سياسة النفس الطويل والقبول ظاهرياً بما ينوون نسفه من أساسه، هي وسيلتهم للسيطرة على غرار المثل القائل: يتمسكنون كي يتمكنوا. فمن الحرص على اللبنانيين وأمنهم وغذائهم ومستقبلهم وخصوصاً “كرامتهم”، اعترف أخيراً أنه لا يعترف لهم بأي كرامة أو بصفتهم كبشر.
هل يُنتظر خلاف ذلك، من مجموعة تعتقد أن من حقها أسلمة العالم ومسخه على شاكلتها؟ تريد تصدير ثورتها التي لم تجلب سوى الانقسامات للبلدان التي “احتلتها بالواسطة” باستغلالها الخلافات الداخلية، لتأجيج العنف والصراع المذهبي. كبدّت كل أرض وطأتها الخسائر والدمار ولم تجلب سوى الفقر والجوع والذل، وتحت شعارات الإيمان والتقوى والعزة والكرامة ونصرة الضعيف. اضطهدوا الأقليات والنساء اللواتي غلفوهن بأكياس سوداء ومنعوا عنهن هواء الحرية!
تصوروا منظر كرة أرضية يحكمها أمثال خامنئي ونصرالله، نصفها أشباح سوداء متحركة ممنوعة من الصرف؟
رغم ذلك يظل السؤال: ما الذي يقلق نصرالله الآن كي يعجز عن كبح غضبه فيخرج عن طوره؟
ما الذي يقلقه ومسيّراته تكشف له ستر المحجوب (تسابق التلسكوب جيمس ويب) وتصور نشاطات العدو! هزئ بعضهم من أن غوغل كان بإمكانه توفير جهودهم وتعلمهم بأسماء السفن ومصدرها ونوع نشطتها!
ـ هل يريد بخطابه أن يرفع معنويات جمهوره المتضضعة ويعبئه لاحتفاليته بأربعين من عمر الحزب الإلهي؟
ـ أم أن خسارته حصرية التحكم بالسياسات اللبنانية، بعد مفاجآت الانتخابات، على خيبتها، صعبت عليه فرض الرئيس العتيد الذي سيضمن له نفس ولاء وخضوع سيد العهد الذي سيودعنا قريباً؟
ـ أم السبب تراجع وتقهقر شعبيته عند كافة الطوائف، والتململ الملموس عند الطائفة الشيعية التي تعاني من القهر والعوز كباقي اللبنانيين؟
ـ أم يقلقه ما يلمسه من تحركات سياسية دولية وإقليمية تنبئ باعادة تركيب للخارطة السياسية في المنطقة مع تبديل خطوط التماس القديمة، في ظل حرب أوكرانيا وأولوية تأمين النفط ومصادر الطاقة؟ ما ينقل أولوية الصراع مع إسرائيل إلى الخلف!
ـ ربما أربكته نتائج التغيرات الاقليمية التي تبرّد الساحة الجنوبية فاحتار في كيفية الرد واستعادة دوره الطاغي في كل الملفات! من هنا افتعال قضية المطران الحاج وملفات العمالة – البريء منها ميشال سماحة وأمثاله – جنباً إلى جنب مع التهديد بواسطة المسيرات؛ بحيث بتنا لانعرف هل هو خلف الدولة في ملف الترسيم أو أمامها أو فوقها؟ وهل هو مع الخط 23 او 29 ؟ وبالمناسبة هل سيرد على قنبلة محمد عبيد وحق لبنان فيما يتعدى الخط 29 الذي أقره اتفاق 17 أيار؟
ـ وهل يطمئن حقاً لاضطراره توكيل نبيه بري في هذا الملف؟ أم أنه حذر لإمكانية تهميش دور الحزب عند نجاح الترسيم واسترجاع المراجع الرسمية بعض نفوذها؟ ومن هنا تذكيرنا دائما بآلاف الصواريخ المطمورة بانتظار أوامر إيران؟
ـ أم يا ترى مصدر القلق مراقبته ما يجري في العراق بين المجموعتين الشيعيتين، والذي تطلق عليه أقلام الممانعة “فتنة” العراق، التي قد تؤدي الى احتراب شيعي – شيعي، لن يصب في مصلحة إيران في نهاية المطاف ويهدد بإضعاف نفوذها وأذية مصالحها؟
ألا يعيد هذا إلى الأذهان “حرب الأخوة” بين أمل وحزب الله في الثمانينيات والتي لم يوقفها سوى فرض الوحدة القسرية، بأوامر من الخميني ورعاية نظام الأسد، على الطرفين المتصارعين؟
ومن المعلوم أن شيعة لبنان يدينون تقليدياً بولائهم لمرجعية النجف، وأنهم يعارضون بمعظمهم مبدأ ولاية الفقيه الذي فرض عليهم. وفي حال استفحل الصراع في العراق بين الشيعة العرب الموالين للنجف وشيعة الولي الفقيه الموالين لإيران وللحرس الثوري، فإن ذلك سينسحب على شيعة لبنان بما لا يطمئن لا الحزب ولا مرجعيته الإيرانية.
في ظل هذا الوضع عموماً، ستسعى إيران إلى تقوية دائرة نفوذها في لبنان للتأكيد على أهميتها وتأمين مصالحها.
فما هو برنامج حزب الله وإيران للبنانيين؟ إعلان الحرب على إسرائيل؟ هل يمكن للبناني عموماً والشيعي خصوصاً، ان يتحمس لهكذا خطة فيما التطبيع على قدم وساق؟
ان خطة إيران للحفاظ على نظامها وبقائه، عبر استخدام البلدان العربية المحتلة وقوداً، لن تفضي سوى إلى فشل مشروعها ككل.
تتداول وسائط الإعلام مؤخرا فيديو للاقتصادي ورجل الأعمال العالمي شارل غاف، مختصر لمقالة له حول انعدام الاهلية L’ineptocratie، مفاده أن هناك نظاما جديدا برز أمام أعيننا المنبهرة، هو “انعدام الأهلية”. وتعريفها أنها منظومة system يستلم الحكم فيها عديمو الكفاءة والمنتخبون من الناس الأقل قدرة على كسب معيشتهم. بينما يجد الناس المنتجون أنفسهم مسلوبين من نتيجة جهودهم في الإنتاج، ويعيلون بالمحصلة عديمو القدرة على إنتاج اي شيء. ونحن في هذا الوضع منذ 25 عاما او 30 عاما، لدينا منتخبون عديمو الكفاءة.
إذا كان هذا هو مختصر الوضع في العالم، فماذا نقول عن وضعنا في لبنان؟ ولمن نشكو سلطة، محمية من الحزب الإلهي لصاحبه محتقر اللبنانيين المستعد لتقديمهم قرابين لحماية نظام إيران؟
وهل هناك سلطة أقل كفاءة وأكثر وقاحة وتبجحاً وكذباً (وعلى عينك يا تاجر) من تلك التي تحكمنا وتصادر حقوقنا وثرواتنا وحياتنا؟ سلطة منتخبة من المتعصبين الموتورين ومن جيوش الموظفين “المدحوشين” في الإدارة، حضوراً وغياباً، ومعهم الأموات وزبائن “النوفو ريش” من فجعاني السلطة والثروة والذين أعربوا عن تنافسهم مع رئيس مجلس النواب والآخرين، في سباق تحصيل الثروة! و”ما حدا أذكى ولا أشطر من حدا”!
الحكم في لبنان نموذج حصري لمقولة شارل غاف: حكام منعدمو الأهلية.
اللبناني العامل لم يعد يجد ما يعيل به نفسه ولا عائلته. بينما تطفح بهم المطاعم والفنادق الفاخرة في لبنان ومختلف أنحاء الكرة، ويستعرضون أموالنا حقائب وساعات وسيارات وقصورا وأعراسا بكل فجور. وآخر منجزاتهم محاولة التخلص من الشاهد على انفجار 4 آب، وكأن ذلك سينسينا جريمتهم.
أما خطاب نصرالله الإلهي، لنا نحن “عبيده من البهائم”، فيستند إلى مجتمعه المقدس المتفاخر بامتلاكه الدولارات الأميركية الخضراء، المشفوطة من جيوبنا.
ولا يجب أن ننسى أن أميركا عدوة وأن الحصار أميركي والتجويع أميركي وأن ايران ستتبرع بالنفط من أجل الكهرباء، كما سبق وتبرعت بالمازوت المدفوع الثمن والذي ابتلعته الصواريخ!
ويا أميركا وقّعنا لك على بياض، واجبك الآن تأمين الترسيم كي نشفط الغاز ونكرس بطولتنا، وإلا فالموت للشعب “الحقير”!
monafayad@hotmail.com
معاه حق