بعد سنة ونصف من « النداء » التالي، الموجّه لـ « مار مارون » شخصياً، الذي نُشِرَ لأول مرة في السبت 7 شباط (فبراير) 2015 (نقلناه عن ملحق النهار)، تم إنتخاب الزِفت « أنا أو لا أحد » كآخر رئيس للجمهورية اللبنانية!
هل يبقى شيء من لبنان بعد السنة الأخيرة من عهد « الزِفت » الملقّب « ميشال عون »؟
« بعرضك يا مار مارون »!
قل لسيدة حريصا » أن « تَبرُم » كما فعلت أيام « الحلف الثلاثي »! ولو..!
بيار عقل
*
لبنان سعيد عقل يذوي. لبنان الرحابنة وفيروز يندثر، ربما الى الأبد. لبنان الهيمنة المارونية الذي أحببناه، عبر جنونه هو، وصوتها هي، وكلمات عاصي ومنصور وألحانهما، لبنان الجبل هذا، الذي من كثرة ما تماهينا معه ومع اللهجة التي تبنيناها بعدما عمّموها علينا وكادت تُنسينا لهجاتنا المحلية التي لم تعلن على الملأ الا بسبب الحروب الاهلية المتناسلة…، لبنان هذا، يتلاشى. عبّر الرحابنة عن لبنان المنتمي الى حقبة المارونية السياسية وأحببنا لبناننا المنحاز (ولو قليلاً) ذاك. اليوم نبكيه، ولسنا وحدنا في ذلك، إذ يبكيه معنا ويحنّ اليه سائر العرب.
لحسن حظ سعيد عقل، شاعر لبنان المأخوذ بفكرة “لبناننا الأزلي”، أنه غاب قبل أن يرى حلم لبنانه موطن الحضارات ومبعث النور ليس في الشرق فقط بل في العالم كله… يغيب.
سيتنكر مار مارون لهؤلاء عندما يُسأل: كيف تركتَ موارنتكَ يذهبون بنا وبكَ هذه المذاهب؟!
نحنّ الى لبنانهم الذي ابتدعوه وتفاخروا كثيراً بدورهم في خلقه وفي تكوينه نموذجاً للانفتاح والتعدد والديموقراطية والتعايش. عبّر الرحابنة عن لبنان مسيحيي الأمس الذين لا يجمعهم على ما يبدو مع مسيحيي اليوم وموارنته جامع. هناك تناقض تامّ، بين أداء أسلافهم وأدائهم، بين رؤيوية أولئك وانفتاحهم، وانغلاق هؤلاء وقصر نظرهم. بين مَن ضحّى كثيراً من أجل سيادة لبنان واستشهد من أجله، وبين مَن يضحّي بلبنان ويساهم في تفكيكه من أجل مصلحته الذاتية!
لطالما شكا المسيحيون منذ الاستقلال في العام 1943، من عدم نقاء إخلاص شركائهم المسلمين للبنان، وها هم المسلمون يتلبسون شكواهم نفسها. إن بعض مَن يعتبرون انفسهم “زعماء موارنة” يتلاعبون بمصير لبنان، بذريعة المحافظة على مقام رئاسة الجمهورية والاتيان برئيس قوي في دولة ضعيفة ومتلاشية!
لم تصمد طويلا أنشودة مسيحيي لبنان وفي الأخص موارنته، بالكيان وبلد الارز والنور والحرية وبلبنان التاريخ والفينيق الفينيقي الذي ينبعث مراراً وتكراراً من رماده.
في لبنان المهدد هذا، مَن المسؤول عما سيؤول اليه الوضع؟
لبنان الذي صمد أمام التهديدات المتنامية للنموذج التعددي الذي يمكنه أن يشكل نموذجا عالمياً للتعايش في أزمنة الحروب والعصبيات الدينية والعرقية والمذهبية، يُترَك لقدره ويتحول لقمة سائغة في يد بعض العجم.
المسؤولية التاريخية تُصرَف الآن عبر مسؤولية صغيرة محددة: السماح بانتخاب رئيس، الأمر الذي صار رمزاً لقيامة لبنان أو انحلاله.
مَن المسؤول؟
بغض النظر عن دور مَن جعل من مسألة النصاب مشكلة لا تُحَلّ، وبغض النظر عن مسؤولية الطبقة السياسية التي تدفن رأسها في الرمال أمام الاستحقاقات المصيرية الثقيلة المرمية أمام التاريخ الذي يسجل بهدوء انكماشها وخوفها ولو أن هذا الخوف لم يشكل لها أي حماية في أي وقت، هناك مسؤولية محددة تقع على الموارنة المتقاعسين المشتتين والمذهولين، في أن تدهور وضعهم في لبنان ليس سوى مؤشر لاختفائهم من خريطة المنطقة والعالم، ولن يبقى منهم سوى فولكلورهم الذي سنتغنى به في ليالي العتمة المقبلة.
لكن لا يمكن تحميل طائفة وحدها هذه المسؤولية. هذا موقف شمولي وتوتاليتاري ومستبد. هناك في النهاية أشخاص محددون تقع عليهم مسؤولية محددة وهم يتحملونها بوضوح وعلى الملأ. علينا نحن المواطنين الخائفين على وطننا أن نسمّيهم من دون وجل أو خجل من أيّ اتهام قد يُوجَّه إلينا.
تقع مسؤولية تاريخية جسيمة، على مَن يتغنى بنفسه “أنا أو لا أحد”، من دون أن يردعه أحد عن ذلك. التاريخ له في المرصاد. فليتحمل المسؤولية ويفصح عما يلزمه هذا الموقف، فيقدم على ثورة على الذات متخطياً المصالح الذاتية مهما كان نوعها.
إن أقصى الاحتمالات الشهادة. الشهادة المسيحية: سلوك طريق الحق والقبول بالخضوع والانكشاف للأخطار من أجل فكرة حق، حماية الوطن الصغير النموذجي والالهي، بحسب شاعره سعيد عقل.
ألا يستحق لبنان أن نضحّي بأرواحنا من أجله؟
ملحق النهار