خاص بالشفاف
خمسة عشر عاماً ونيّف، انتظر اللبنانيون، وانتظرنا، تحقيق العدالة والافتصاص من المجرمين!
وصدر أخيراً قرار المحكمة هذا الأسبوع بإدانة شخصية تابعة لحزب الله وتشغل مناصب مهمة لديه، دون أن يتجاوز القرار لإدانة حزب الله الذي نفذ الجريمة والنظام السوري الذي قدم كل ما يمكن من تسهيلات وأدوات وأدار الجريمة عن بُعد.
شعر الكثير بالاحباط بسبب رفع التوقعات سابقاً حول نتائج المحكمة من قبل المتابعين لها عن قرب، دون أن يكون لديهم أي معلومة أو فهم لآليات الاتهام بالقضايا الجزائية.
محكمة رفيق الحريري هي محكمة دولية طبعاً، ولكن لا ترقى لمستوى « محكمة الجنايات الدولية »!
بسبب أن « محكمة الجنايات الدولية » تنظر بجرائم ضد الإنسانية وهي جرائم ممنهجة وواسعة النطاق وممتدة، مما يؤكد المسؤولية الافتراضية للمسؤولين حتى لو لم يثبت ارتكابهم الجرم بالذات، « طالما أنهم من المفترض أنهم يعلموا عن الجرائم ولم يقوموا بوقفها أو محاسبة المجرمين »، وهذا يضعهم بموقع الاتهام والإدانة. بينما محكمة الحريري هي « محكمة جنائية » أٌحدثت بقرار دولي ولكن تنظر بجريمة محددة وتطبق القانون اللبناني باستثناءات محددة. فهي لا يمكنها تطبيق نظرية المسؤولية الافتراضية، ولا يمكنها محاكمة الأشخاص المعنويين كالأحزاب أو الأنظمة بل يتوجب كـ »محكمة جزائية » أن تلاحق الأشخاص الذين ارتكبوا الجريمة أو المشاركين فيها فعليا أو من يثبت إعطاؤه الأوامر بارتكابها فقط. ويتوجب أن تتثبت من كل الأدلة وتلاحق من قام بالجريمة فقط أو شارك فيها دون أن تتمكن من إدانة من لم تستطع ربطه بالجريمة بشكل مؤكد.
وبسبب جهلنا سابقا بطبيعة الأدلة والشهادات التي تم تقديمها للمحكمة من قبل فريق الإدعاء، بل ربما كان هناك انطباع أن الأدلة المقدمة كافية وواضحة ومؤكدة بربط قيادات حزب الله والنظام السوري بارتكاب الجريمة. وهذا ما تبين بقرار المحكمة أنه غير متوفر للأسف.
فربما هناك شهادات حول السياق العام للجريمة، وهذا واضح وذكرته المحكمة بالتفصيل. وكان هناك تهديدات لرفيق الحريري واضحة ومؤكدة، وهذا كذلك ذكرته المحكمة. ولكن للأسف لا يوجد دليل حسّي مؤكد على أن حسن نصرالله أو بشار الأسد أعطى الأوامر أو قام بفعل تنفيذي أو على تورط أي شخص من النظام السوري بعملية الاغتيال التنفيذية. لذلك لم تجد المحكمة أمامها إلا الشخصيات التي قامت بتنفيذ الجريمة نفسها وأثبتت ارتكابهم الجريمة يقينا.
وأعتقد أن هذا العمل كان جهدا كبيرا جدا للوصول للإدانة الكاملة، وأعتقد أن المحكمة بحيثيات قرارها قد أدانت حسن نصرالله وحزب الله وبشار الأسد والنظام السوري في سرديات قرارها دون أن تتمكن من معاقبتهم كأشخاص لعجزها عن إيجاد الأدلة التي تربطهم بالفعل التنفيذي للجريمة , وهذا برأيي انجاز هام للمحكمة وفرق الادعاء.
هل كان يمكن أن يكون قرار المحكمة أفضل مما صدر؟
ربما، برأيي القانوني البسيط، أن فريق الادعاء قصّر بمسألة الادعاء بالتعويض للضحايا.
وأعتقد أنه لو تمت متابعة الموضوع والادعاء على حزب الله والنظام السوري كمسؤول بالمال وطلب التعويض للضحايا بشكل جيد، فكان يمكن من حيثيات الحكم وسردية القرار إلزام حزب الله بدفع التعويضات للضحايا وللدولة اللبنانية باعتبارها تضررت كثيرا جراء هذه الجريمة!
وعلى الأقل تكاليف المحكمة التي قاربت مليار دولار على الأقل بسبب تابعية المجرمين له، وبالتالي فإنه مسؤول بالتعويض عن أعمال تابعيه وهذا يُعتبر إدانة كاملة وليس سردية لحزب الله بالجريمة.
إن قرار المحكمة بشكل عام هو علامة فارقة في تاريخ المحاكم الدولية، ومع كل ما شابه من تقصير والوقت، فإنه يبقى حدثاً مهماً يمكن البناء عليه للمستقبل.
إقرأ أيضاً: شهادة صديقي الرائع أنور البنّي: علي مملوك لَعنَ الساعة التي تركني فيها أخرج حيّاً من مكتبه!