يتعلق اللبنانيون منذ عقود بحبال الهواء. لا يملكون غيرها. ولن يملكوا غيرها بعد ان أعادوا انتخاب الطبقة السياسية ذاتها التي تؤرجح حبالهم فوق هاوية الإفلاس والفساد وانعدام الامن والفوضى والمحسوبيات.
رهانهم يبقى على متانة الحبال.
يتأرجح اللبنانيون ولا ينتبهون الى ان أهل الصفقات يستخدمون حبالهم هذه الأيام لنشر الغسيل.
الكل ينشر غسيله.ومن لا يشتري الغسيل، يحرّك الحبال. يشدّها او يرخيها، ويتفرج على الصراع لتناتش المراكز والمقاعد والمناصب بجوع سلطوي عتيق.
الغسيل المنشور يفضح أصحابه، تماماً كما يفضح ناقضي التفاهمات مع الأصحاب اللدودين.
في الأصل كان التناتش قائماً، تكشف ستره التسميات، فيها تكمن القوة، سواء التصق النعت بلبنان او بالجمهورية. المهم القوة. اما “لبنان الجمهورية” فهو ليس موجوداً بالقوة ولا يمكن وجوده بالفعل في غياب ادنى المقوّمات البديهية لأسس الدولة.
في الحصيلة القريبة، تحول التناتش مباراة بدأت بضربات الجزاء على خلفية صفقة اسفرت تفاهماً تسلّقه احد طرفيه للوصول الى القصر ووضع اليد على مفاصل “لبنان الجمهورية”. ومن ثم أمعن هذا الطرف في سياسة “من بعد حماري ما ينبت حشيش”، ضارباً بعرض كل الحيطان تسوية “لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم”. وبأريحية فتح الطريق لها تفاهمٌ آخر أجراه المتسلق مع القوة الثالثة التي ارتضت بصفقة ضامنة لاستمرارها.
تتواصل ضربات الجزاء في حين يحرص الحكم على ضبط التأرجح، وليتسلى كل ركن من أركان الصفقة بادعاء “الحق” في الحصول على حقائب وزارية تليق بحجمه.
هنا ندخل في لعبة قياس خبيث واستنسابي للأحجام، مع ما أفرزه القانون الذي مسخ مفهوم الانتخابات وسمح بتأويل النتائج ونسف التفاهمات وتزوير الوقائع، تماماً كما تم تزوير الأصوات في الصناديق، لتركب التركيبة. ولا يهم ان تتعثر ثم تتحلحل في انتظار ان تنفرج.
هذا ما سيحصل في آخر المطاف.
فلا بد من حكومة، ليس لإنقاذ البلاد وتيسير أمور العباد، لأن ما يعيق الإنقاذ لا يتعلق بمَن سيتولى الحقائب الوزارية. اذ لا خطة او نية للخروج من جمهورية الموز الفاشلة.
الحكومة الموسعة لن تشيل الزير من البئر، لكنها ستشبع الشهية الى الجوع السلطوي العتيق، لأن الحكومة، كما اوضح الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، هي و”بمعزل عن عدد الحقائب، أشبه بمجلس قيادة للبلد، وبالتالي مشاركة الآخرين ولو بوزير دولة تعني المشاركة، تنوع البلد وتركيبة البلد تفرض الذهاب إلى حكومات موسعة لتمثيل الجميع أو أوسع تمثيل ممكن”.
هذا في الشكل.
اما في المضمون، فمجلس القيادة هو لتنفيذ مطلوب يرمي اليه ضابط إيقاع التأرجح.
يترك لأعضاء المجلس ان يلعبوا في الوقت الضائع.
يعرف انه لم يعد يحتاج لتطويعهم الى وثائق تفاهم، فقد انتظم الأداء والكل حفظ دوره ودرسه. وهو لا يحسب حسابهم عندما ينطلق لمعالجة أي أزمة، غالباً ما يكون قد اصطنعها او تسبب فيها.
يهبط عليهم من السماء كـ”غراندايزر” ويتولى حل أزمة النازحين، او يرسل نائبا او وزيرا إلى رئيس الجمهورية ليبحث معه ما لم يعجبه في مرسوم التجنيس، او يكرس نظرية المؤامرة عندما يتحدث عن الغرضية المشبوهة في اثارة الوضع الأمني في بعلبك الهرمل، وفي الاحتجاج على مصادرة عقارات العاقورة على يد أهل اليمونة الرافضين ما ارساه قانون الانتداب الفرنسي.
انشروا الغسيل قدر ما تشاؤون.
فضابط الإيقاع على علم مسبق بكل ما تحويه الوثائق السرية وبكل الوشوشات.
لكن! ممنوع تغيير فاصلة في تطبيق المطلوب.
ممنوع المناقشة، وليسدّ المنتقدون افواههم.
القائد الأعلى لمجلس القيادة يفصِّل وكلهم يلبسون، بمعزل عن المسلة التي يخيطون بها قماشة السلطة.
نقطة على السطر.
فـ”لبنان الجمهورية القوية” ممسوك من رأس هرم العهد، وصولاً الى الجرود غير المتروكة للمجهول.
المفارقة ان أهل الصفقات معجبون بـ”غراندايرز” وحاسدون له. جل مبتغاهم ان يصيروا مثله او حتى بنصف قوته ونفوذه.
في الانتظار، نشر الغسيل مستمر، حتى نسمع صفارة “غرانديزر” ليحكم بما يناسبه ويحفظ حقوقهم.
sanaa.aljack@gmail.com