يخون كما الثورة

1

كانت تبحث في هجرتها وغربتها عن شبيه له

بدوي بملامح صحراوية

حاولت تكراراً تصديق حبها لكل غربي يلاحقها

لكنها بقيت مخلصة لحلمها الطفولي. شرقي بملامح عربية

قاسي الطلعة. خشن. متحكم بعض الشيء

حنون يحضنها حتى تنام

لا تخشى إطلاعه على الكثير من دموعها

ولا تخجل البوح له بالكثير من آلامها

*

القصة أنها كانت هاربة. تجري خائفة

كانت تجد أمانها في سفرها وترحالها

كان نومها كما استقرارها مخيف

هي لم تعد تتبع أحاسيس بقية البشر

وكلما اتسعت المسافة ازداد اطمئنانها

كلما انزوت بركن قصي من الأرض

وسط سوق شعبي في الهند، أو بتظاهرة في المكسيك أو باريس

ازداد شعورها بأنها بعيدة جداً عنه

ازدادت شهيتها لأن تنتقم أكثر

في البعد عنه انتقام منه. في جهله بمكانها تعذيباً له

تجري لاهثة. تهرب من المواثيق المقدسة

تجري سعيدة أو تتظاهر

المهم أنها تعدو بساقيها

تركب كل ريح وموج وتعدو

تستريح في الواحات والمقاهي وصالات انتظار المطارات

تحب المطارات

تحب جدرانها الوهمية

زجاجها يذكرها أنها حرة طليقة

بإمكان من يصادفها أن يلحظ قدميها وساقيها الناطقات بكل اللغات
تحكي كل ما يداعبها ويلسعها

مرمر وطين ورمال ومسامير وبصمات أجساد عارية وكعوب رفيعة متعالية

بإمكان الجميع أن يلحظ أنها قدمان وساقان لهاربة

*

أثناء عدوها ذات يوم اكتشفت أنها هجرته وتركته كي تبحث عنه

فكلما صادفت رجلا يشبهه تعلقت به حد الموت

وتصلي صلاة خاصة

تصلي عارية

لينساها وشأنها

تعيد على نفسها كل لحظة من كل يوم أنها لم تعد تذكره

بل تتذكر كل يوم أنها نسته

وأكثر

هذا الوطن البغيض يحيا بدمها

*

تحبه

تريد له ساقين كساقيها تعدوان دون قيود

وطنها يحيا مشلولاً

زمان. حاول أن يشدها ويشيد من ابنته أسوارا تحمي الطاغية

لكنها فلتت ببراعة امرأة بريئة من نسل ماكرة

وقطعت تذكرة على متن أول طيارة مغادرة

تكرهه

سمعت في غربتها أن الرجال عازمون على الاستقلال

كانت تعلم أن رجل حياتها شرقي بملامح عربية

شاهدته بين الاحتجاجات يقتلع رأس الطاغية ويدحرجه بقبضة شعبية واحدة
أحبته

سمعته يعلن خطب الثورة والاستقلال والحرية الضائعة

وتابعت مسيرة ثورته الحاقدة

رأته يتحول لطاغية ويسيل الدماء الضالة

رأت الثورة تنقلب

رأت الشوارع تتسخ. والتعليم يتهالك. والطبقية تتزايد

وبطون رجال الثورة تنتفخ وتتحول لكروش مقرفة هارمة

ومبادئ رجال الثورة تختفي ويعلن أن ثورتهم خائنة

وأنين وطنها يصل مسمعها كل يوم. كل لحظة

وتتجاهله مدعية أنه صدى قديم لأوهام ماضية

وتمضي هاربة

مشغولة بالتفتيش عن مفقود في الأرض الواسعة

عن عشيق بأرض قدماء المحتلين الثائرة

عن ملامح شرقية بأرض غربية

عن بدوي بملامح صحراوية

*

أعلنت وسائل الإعلام اليوم أنه حي لم يموت

هل تؤمن به من جديد؟

انتشرت عدوى ظهوره ونزل الجميع إلى الشارع

ثاروا. هتفوا. صرخوا

المتهمون بالنوم أظهروا فحش مبادئهم

ضربهم أمن الثورة المنقلبة وسفك دماءهم

لكن الثوار الجدد لم تهدأ مبادئهم

أنعشتهم إراقة دمائهم وأحيتهم من جديد

حرروا دولة وبقيت أخريات أقسم الرجال والنساء على إنقاذها

ستتحرر

*

من أقرب مكتب سفريات التقطت بطاقة سفر

وعادت إلى المكان الذي أنشأها أول مرة

تريد أن تلكمه وتجرحه

كم حرمها منه

استيقظت لحظة الهبوط فما رأت العلامات والظواهر

هبط كل أمل بداخلها

كل شيئ مر بهدوء أمامها

الناس يمشون بمساراتهم المحددة سلفاً

الشوارع وديعة … المياه راكدة

السكون مطلق

الخنوع مطلق

وحين يسمح للتظاهرة بالاحتشاد سيتجمهر الرجال بكلمات غادرة

حديثة عهد على لغة الاحتجاجات والثورات الهائجة

القدر يعيش

يعيش القدر! يعيش

*

ستكتفي هي بمتابعة أخبار الثورات المجاورة

ستكتفي بذي الملامح الشرقية

القاسي الحنون

الذي ظهر من جديد

ليداعبها من جديد

ستصلي ألا يخون كما ثورة آبائه الخائنة

وتذكرة هروبها

سترميها

لن تبتعد. لن تنتقم

لن تحيا بعد اليوم هاربة

nadinealbdear@gmail.com

* كاتبة من السعودية

1 تعليق
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
ضيف
ضيف
13 سنوات

يخون كما الثورة
maya — maya.ygy@hotmail.com

مش معقول شو رائعة المضمون يطغى على الأسلوب هذا شعور المرأة العربية فعلا وهذا هو الرجل الشرقي بكل تجلياته دمت مبدعة

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading