د. عبدالله المدني عن دور منابر العبادة في التحشيد السياسي في البحرين

0

علاقة التيارات السياسية الإسلامية بمنابرها من مساجد ومآتم علاقة مركبة تنبثق من جزئية فكرية أوسع تتمثل في‮ ‬التزواج المطلق بين الدين والسياسية،‮ ‬فالمنبر له دور‮ – ‬بحسب نهج تلك التيارات‮ – ‬في‮ ‬التوعية السياسية والحشد لصالحها،‮ ‬بل‮ ‬يتعداه للحفاظ على شارعها وتوسيع قاعدتها،‮ ‬فعملها ونشاطها وأيدلوجياتها لا تخرج عن منظومة الشرعية‮.‬

غير أن الإشكالية التي‮ ‬تواجه التيارات الإسلامية هي‮ ‬الحاجة في‮ ‬كثير من الأحيان إلى المناورة السياسية حسب ما تتطلبه حالة الصراع،‮ ‬مما‮ ‬يخرجها عن النهج المثالي‮ ‬الذي‮ ‬تسعى للوصول إليه‮.. ‬هذا ما كان محل انتقاد من قبل مجموعة من القوى السياسية التي‮ ‬ترى ضرورة الفصل بين العمل السياسي‮ ‬والدين حفاظا عليه من جهة وعلى وعي‮ ‬الجماهير من جهة أخرى من خلط الأوراق في‮ ‬متخيلها فتصبح‮ ‬غير مدركة بين ما هو واجب شرعي‮ ‬وما هو عمل سياسي‮ ‬قابل للاختيار‮.‬

على أرض الواقع تدور جميع ممارسات الجمعيات السياسية الإسلامية حول قطب واحد وهو الدين،‮ ‬لذلك نجد أن جميع المنابر والمآتم لا تخلوا من التطرق إلى القضايا السياسية لتكون تلك المنابر جزء من صراع المعارضة والموالاة والعلمانية،‮ ‬ورغم أن قانون الجميعات السياسية قد منع استخدام دور العبادة في‮ ‬ممارسة النشاطات السياسية،‮ ‬إلا أن ذلك لم‮ ‬يكن قيدا‮ ‬يعرقل عمل تلك التيارات‮.‬

وفي‮ ‬الآونة الاخيرة،‮ ‬انبثق خلاف بين جمعية الوفاق وأمل من جهة،‮ ‬وبين وزارة العدل من جهة،‮ ‬والتي‮ ‬رفضت أن تعقد انتخابات الجمعية العمومية للجميعات في‮ ‬المآتم،‮ ‬وهذا ما كان‮ ‬يعطي‮ ‬مؤشرا بأن السلطة بدأت تلتفت إلى ما تمارسه الجمعيات الإسلامية من دور سياسي‮ ‬من خلال منابرها الدينية‮. ‬ولكن السؤال الذي‮ ‬يطرح نفسه هنا،‮ ‬وانطلاقا من الرغبة في‮ ‬تحليل الواقع السياسي،‮ ‬ماذا تعني‮ ‬المنابر الدينية للجمعيات السياسية الإسلامية؟‮ ‬،وهل وجود واستمرار كيان تلك الأخيرة مرهونا بنشاطا من خلال تلك المنابر؟،‮ ‬وماذا‮ ‬يعني‮ ‬تحرك السلطة في‮ ‬الآونة الأخيرة أهو إدراك أم مناروة سياسية؟

”‬الوطن‮” ‬استطلعت آراء عدد من المحللين السياسين وبعض أطراف الجمعيات السياسية الإسلامية لتكون حصيلتها هذا التحقيق‮.‬

الباحث السياسي‮ ‬والمحاضر الأكاديمي‮ ‬في‮ ‬الدراسات الآسيوية د. عبدالله المدني‮ ‬يرى أن دور العبادة تعني‮ ‬الكثير بل الكثير جدا لتيار الإسلام السياسي‮ ‬بشقيه،‮ ‬فهو‮ ‬يؤمن له تواصلا‮ ‬يوميا مستمرا مع مناصريه،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬تفتقده التيارات السياسية الأخرى،‮ ‬وأدرك تيار الإسلام السياسي‮ ‬وفي‮ ‬مقدمته الإخوان المسلمون هذه الحقيقة فركزوا عليها،‮ ‬وقاوموا كل السبل والمحاولات ومشاريع القوانين الداعية إلى حظر استخدام هذه الأماكن للأنشطة والدعاية السياسية‮.‬

انتباه السلطة؟

السلطة‮ ‬‭-‬‮ ‬حسب تعبير د.المدني‮- ‬لتوها بدأت تستوعب مدى خطورة استخدام دور العبادة في‮ ‬التعبئة السياسية،‮ ‬ويضيف‮:”‬جميل أن تدرك السلطة،‮ ‬ولو متأخرا،‮ ‬الأخطار الجسيمة والفادحة لترك الحبل على الغارب،‮ ‬أو التساهل في‮ ‬تطبيق القانون حيال المخالفين والمحرضين على عدم الامتثال للقانون في‮ ‬ما خص مسألة استخدام دور العبادة للأغراض السياسية،‮ ‬أيا كانت صفاتهم أو مرجعياتهم أو مذاهبهم‮. ‬وفي‮ ‬اعتقادي‮ ‬أن السلطة تنبهت أخيرا إلى أن أمورا كثيرة من تلك المهيجة للشارع أو المحرضة ضد القانون والنظام أو الموجهة ضد أرواح الأبرياء‮ ‬يتم التخطيط لها داخل مآتم بعينها،‮ ‬ومن قبل مجموعة شاذة من المواطنين بعينهم،‮ ‬هذا رغم أن التيار السياسي‮ ‬الديمقراطي‮ ‬الليبرالي‮ ‬قد حذر مرارا وتكرارا من هذه الأمور،‮ ‬انطلاقا من خوفه على الوطن وسلامة المواطنين وضمانا للاستقرار والأمن اللذين لا‮ ‬يعرف قيمتهما إلا من عاش في‮ ‬مناطق الاضطراب والدمار والجوع والفقر والدم‮”.‬

وحول تطبيق قانون الجمعيات السياسية على تلك الجمعيات والذي‮ ‬يمنع استخدام دور العبادة في‮ ‬ممارسة الأنشطة السياسية؟‮ ‬

يجيب د.المدني‮: ”هذا الأمر‮ ‬يعود إلى الجمعيات السياسية المعنية ومدى نضجها وقوتها على الساحة‮. ‬فالقوى السياسية الضعيفة والمفتتة ذات الشعبية المشكوك فيها،‮ ‬هي‮ ‬التي‮ ‬تلجأ إلى كل الوسائل‮ ‬‭-‬‮ ‬المشروعة وغير المشروعة‮ – ‬من أجل التحشيد السياسي‮. ‬وفي‮ ‬البلاد العربية،‮ ‬وعلى الأخص منطقة الخليج المعروفة بتقاليدها المحافظة،‮ ‬بات شائعا اللجوء إلى الدين من أجل التحشيد السياسي،‮ ‬بل وإلصاق كلمة إسلامي‮ ‬بكل شيء‮.‬

وفي‮ ‬ظل سيطرة التيارات الإسلامية على الواقع السياسي،‮ ‬هل‮ ‬يمكن منعها من استخدام دور العبادة خصوصا في‮ ‬ظل الاحتقان الطائفي؟‮ ‬

يقول د‮. ‬المدني‮: ”‬كي‮ ‬لا تضيع هيبة الدولة والنظام،‮ ‬يجب أن توضح الحكومة للجميع ودون مؤاربة أو خشية،‮ ‬أنه طالما نبذنا الدولة الفقهية الشمولية و توافقنا على الدولة المدنية العصرية التي‮ ‬من معالمها القانون والمؤسسات الدستورية،‮ ‬والجمعيات السياسية الشبيهة بالأحزاب من حيث خوضها للانتخابات وتمثيلها في‮ ‬البرلمان وحصولها على مخصصات مالية،‮ ‬فان على الجميع كائنا من كان الخضوع للقانون تحت طائلة إيقاع العقوبة بحقه،‮ ‬و إلا الرجوع إلى المحكمة الدستورية مثلما تفعل الأمم الديمقراطية المتقدمة في‮ ‬حالات وجود اختلاف في‮ ‬تفسير النصوص الدستورية‮”.‬

ويرى د‮. ‬المدني‮ ‬أن المشكلة في‮ ‬البحرين أن السلطة تراخت طويلا في‮ ‬فرض هيبتها فتعاملت بطريقة ناعمة في‮ ‬عدد من الحالات،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬فسره الطرف الآخر بالضعف والعجز فتمادى في‮ ‬مشاغباته وخرقه للقانون الواضح الذي‮ ‬يقول إن أتيت هكذا فعل فان عقوبتك ستكون كذا وكذا،‮ ‬ويضيف‮:” ‬بطبيعة الحال،‮ ‬فانه سيخرج من‮ ‬يؤول كل خطوة رسمية على أنها خطوة تفوح منها رائحة الطائفية البغيضة،‮ ‬لكن في‮ ‬اعتقادي‮ ‬أن هذا‮ ‬يمكن مواجهته بطرح مبادرات رسمية متزامنة حيال قضايا أخرى وبما‮ ‬يعطي‮ ‬انطباعا مخالفا للطائفية‮”.‬

Comments are closed.

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading