نيلوفر سعيدي – موقع “زيتون” – ترجمة “شفاف”:
استقالة عادل عبدالمهدی، غير المنتمي إلى أي من الأحزاب، من رئاسة الحكومة العراقية لا تنبئ حتى الآن إلى قرب انتهاء أزمة العراق. إذ أنه لم يتم حتى الآن الإتفاق على اختيار آلية جديدة للإنتخابات ولا على اسم رئيس الحكومة الجديد، وذلك بسبب الاختلافات العميقة حول ذلك بين مختلف الأطراف الحزبية.
مع ذلك، فإن استقالة عبدالمهدي هي أحد مطالب المحتجين.
فقد جاء في نص الاستقالة التالي: “استمعت بحرص كبير الى خطبة المرجعية الدينية العليا (السيد علي السيستاني) وذكرها انه «بالنظر للظروف العصيبة التي يمر بها البلد، وما بدا من عجز واضح في تعامل الجهات المعنية مع مستجدات الشهرين الاخيرين بما يحفظ الحقوق ويحقن الدماء، فان مجلس النواب الذي انبثقت منه الحكومة الراهنة مدعو الى ان يعيد النظر في خياراته بهذا الشأن ويتصرف بما تمليه مصلحة العراق والمحافظة على دماء ابنائه، وتفادي انزلاقه الى دوامة العنف والفوضى والخراب»”.
ويبدو بالنظر إلى نص الاستقالة، أن المرجعية الشيعية العليا لا تزال تلعب دورا كبيرا في التأثير على الأوضاع السياسية. ومن جانبه يعي عبدالمهدي جيدا أن موقف السيستاني هذا سوف يؤدي إلى استقالته حتى لو رفضت أكبر قوتين مؤثرتين في العراق وهما الولايات المتحدة وإيران تلك الاستقالة.
التحولات التي حدثت في اليومين الأخيرين في العراق، وأقصد بذلك حرق القنصلية الإيرانية في النجف، ومقتل ٤٥ شخصا في ٣ محافظات، والموقف الشفاف للسيستاني من الأحداث والتي جاءت على لسان خطيب صلاة الجمعة في كربلاء، تمثل أكبر تصعيد في الاحتجاجات منذ بدئها في أوائل شهر أكتوبر.
فبعد دقائق من انتهاء خطبة خطيب صلاة الجمعة في كربلاء الذي دعا من خلاله البرلمان إلى طرح الثقة بالحكومة بعد أحداث الخميس الدامي، بدأ السياسيون العراقيون في الحديث عن ضرورة استقالة الحكومة. وبعد صدور بيان استقالة عبدالمهدي، تجمع آلاف المحتجين في ساحة التحرير ومقابل البرلمان العراقي للإحتفال.
يأتي ذلك فيما وصل عدد قتلى الاحتجاجات منذ بدئها، حسب مصادر طبية وأمنية، إلى حوالي ٤١١ شخصا، وغالبية هؤلاء لم يكونوا مسلحين.
ولا بد من التأكيد هنا بأن الاحتجاجات التي يشهدها العراق، هي أكبر وأوسع وأكثر جدية من احتجاجات لبنان وإيران. فالعراقيون، وعلى الرغم من العنف الأمني الواسع والعريض، لم يتراجعوا أو يخففوا من حدة احتجاجاتهم والتي شملت مختلف الشرائح السياسية والاجتماعية.
التباين الآخر هو بين احتجاجات العراقيين والإيرانيين. فالمرجعية الدينية في العراق، وعلى خلاف موقف مراجع الدين في إيران، وقفت إلى جانب المحتجين. فالسيستاني عارض قتل وقمع المحتجين، وساهم ذلك في إحداث نقلة نوعية في الشارع السياسي. في حين اعتبر مراجع الدين في إيران المحتجين “حفنة من المخربين المثيرين للشغب”، فلم يعارضوا قمع القوات الأمنية لهم. بل إن بعض المراجع المنعوتين “بالمراجع الحكوميين” رأوا ضرورة في قيام قوات الأمن الإيرانية بممارسة القتل والقمع.
ويعتقد مراقبون وجود علاقة بين انسداد الطريق الذي تعيشه الحكومة والأحزاب العراقية الموالية لإيران، وبين ما يحدث في إيران من سيطرة “حكومة فاسدة وعاجزة عن العمل” على الأوضاع هناك. لذا فإن حرق القنصلية الإيرانية في النجف كان أمرا متوقعا. يضاف إلى ذلك أن تراجع النفوذ الإيراني في العراق والغضب الشعبي العراقي جراء التدخل الإيراني في شؤون هذه الدولة، أدى أيضا إلى حرق القنصلية الإيرانية في البصرة.
ويضفي المسؤولون الإيرانيون أهمية كبيرة على الجغرافيا العراقية، إذ يعتبرون العراق أحد عناصر “محور المقاومة” الذي تقوده طهران في المنطقة، كما أن قيام ٣ ملايين إيراني بزيارة العراق أثناء موسم أربعينية الإمام الحسين، تعتبره طهران جزءا من النجاح الذي يحققه نفوذها هناك.
في موازاة ذلك، تسعى منظمة الحرس الثوري الإيرانية إلى صرف مبالغ مالية كبيرة على مشاريع حيوية سياسية وحزبية في العراق وفقا لاستراتيجيات تصب في نهاية الأمر في صالح النفوذ السياسي والعسكري للجمهورية الإسلامية. فإلى جانب حضورها العسكري والأمني، تتدّخل طهران لإنشاء أحزاب وتدريب قوات. لكن، كل تلك التدخلات ووجهت بأعتراض عراقي شعبي.
فقبل عامين، وتحديدا في شهر أكتوبر، أرسل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، رسالة إلى مرشد الثورة آية الله على خامنئي، أشار فيها إلى هزيمة تنظيم داعش في العراق، وقال في الرسالة: “أنا الحقير، باعتباري جنديا مكلّفا من قبل سماحتكم، أنتهز فرصة الإعلان عن الإنتصار الكبير على تنظيم داعش، لأبارك لسماحتكم ولشعب إيران الإسلامية وللشعبين المظلومين في العراق وسوريا ولبقية المسلمين، هذا الإنجاز”.
لقد استغل قاسم سليماني القوات الشيعية الأفغانية والباكستانية لتحقيق انتصار على داعش في سوريا. أما في العراق، استغل الشيعة العراقيين الذين شاركوا في الحرب العراقية الإيرانية وأُسروا في إيران وانضموا بعد ذلك إلى “قوات بدر”، فعمل على تجييشهم في تنظيمات عسكرية لمحاربة داعش. لكن هزيمة داعش لم تكن نهاية مهمة سليماني في العراق، إذ تبنى مشروع إدخال المليشيات المسلحة في جسم البرلمان والحكومة، كالعناصر المنتمية إلى “الحشد الشعبي” وإلى بعض التنظيمات المسلحة. وهذا المشروع يشبه إلى حد كبير مشروع سيطرة الحرس الثوري على الشأن السياسي والاقتصادي والأمني في إيران.
غير أن الفارق في المشروعين، وفي ظل التحولات التي يعيشها العراق اليوم، هو أن العراقيين قالوا “لا لمشروع سليماني”.
ففشلْ عبد المهدي في السيطرة على الاحتجاجات ثم استقالته، ليس إلا فشل لمشروع الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس وسليماني. وبالتالي من غير المعروف ماهية مستقبل الوجود الإيراني في العراق، خاصة وأن هذا الوجود قد يكون له صلة بقانون الانتخاب الجديد، والذي في حال الموافقة عليه سيؤدي إلى انتخاب العراقيين لنواب مستقلين وتكنوقراط محل نواب الأحزاب الشيعية التابعة لإيران.