«على سورية أن تلتزم باتفاق وقف النار الموقع مع إسرائيل سنة 1974 وباتفاق فصل القوات على الحدود معها. يجب العمل على بناء علاقات جيدة بين سورية وإسرائيل والحرص على أمن إسرائيل…». هذا ما صرّح به الرئيس الرئيس الروسي في المؤتمر الصحفي مع دونالد ترامب في هلسنكي.
قبل لقاء القمّة هذا بين بوتين وترامب كان نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية، قد صرّح لدى زيارته موسكو مؤخرًا ولقاءه فلاديمير بوتين أنّ إسرائيل لا تمانع بعودة النظام إلى الحدود مع إسرائيل، فهذا النظام «لم يطلق عيارًا ناريًا واحدًا على الحدود مع إسرائيل منذ أربعين عامًا»، أضاف نتنياهو.
وهكذا نجد لزامًا علينا أن نعود للنظر فيما تعنيه لغة البيانات والخطاب الإعلامي. ففي الجهة الإسرائيلية نقرأ مصطلح «عدم الممانعة» الذي يقابله مصطلح «الممانعة» في الجهة الأخرى. إنّ عدم الممانعة الإسرائيلية بعودة النظام للحدود ملتزمًا بالاتفاقات المبرمة منذ عقوذ طويلة تعني شيئًا واحدًا هو الاطمئنان الإسرائيلي من طبيعة هذا النظام الرّابخ في الشام والذي «لم يُطلق عيارًا ناريًّا على الحدود منذ أربعين عامًا». أمّا من الجهة الأخرى، وطوال عقود طويلة، فقد شنّف هذا النّظام آذاننا بخطاب «الممانعة» ومحاربة إسرائيل.
إنّ هذا النظام «الممانع» الذي حقّق أيديولوجيّته القائلة بـ«حرق البلد» طوال السنوات المنصرمة على الهبّة السورية بغية بقاء الأسد لن يُبدّل جلده أو طبعه. إنّ هذا الخراب الكبير العمراني والإنساني الذي تسبّب به نظام الاستبداد هذا هو خراب بشري واجتماعي تاريخي لن تلتئم جراحه طوال عقود، بل ربّما طوال قرون طويلة قادمة. ففي التاريخ العربي الكثير من الشواهد على مثل هذه الخرابات البشرية والاجتماعية التي لا زالت أصداؤها تُسمع حتّى الآن.
عندما وصلت شرارة الانتفاضات العربية التي وُسمت بالـ«ربيع» إلى ما يُسمّى القطر السوري بلغة البعث مضرمة فيه النيران البشرية التي خرجت بمظاهرات سلمية مطالبة بالحرية بعد عقود من حكم الاستبداد البعثي القبلي والفاشي، نشرت مقالة بالعبرية في صحيفة «هآرتس» عنوتها بـ «الأسد ملك إسرائيل»، إذ إنّ الأسدين، الأب والابن، والنّظام الحاكم في سورية، لم يكن لهم همّ سوى تأبيد الحكم القبلي الاستبدادي والتحكّم بمصائر البلاد والعباد لتوريث النظام من شرّ سلف إلى شرّ خلف، بينما يفرضون سيادة الهدوء على الحدود مع إسرائيل.
وها هي إسرائيل «لا تمانع» بعودة هذا النظام «الممانع» الذي، وبأوامر صارمة من فلاديمير بوتين – الباب العالي الحالي – لن يُطلق عيارًا ناريًّا واحدًا على حدودها في الجولان. إذ إنّ خلاصة الـ«ممانعة» التي كان دومًا يعنيها هي في نهاية المطاف استعداده التامّ إلى أن «يُحارب إسرائيل» حتّى آخر قطرة دم لبنانية أو فلسطينية، بينما تبقى الحدود مع إسرائيل آمنة تمامًا. أمّا كلّ أولئك النفر من اللبنانيين والفلسطينيين الذين عوّلوا في الماضي ولا زالوا يعوّلون حتّى الآن على أنظمة من هذا النوع، ضاربين عرض الحائط مصالح شعوبهم، فهم إمّا أغبياء وإمّا شركاء مباشرون في جرائم يرتكبها هذا النوع من الأنظمة بحقّ الحجر والبشر حيثما تطأ قدمه.
ومن يعش ير.
*
الحياة، 26 يوليو 2018