لقد آن الأوان لأن يقف العرب في البلاد على رجليهم الاثنتين في بلدهم هنا، لا أن يضعوا رجلًا هنا ورجلًا هناك، كمن هو عالق في أرضٍ حرام بلا أفق
دعونا نبدأ الحديث بهذه الحادثة. قبل سنوات كثيرة وعقب توقيع اتفاقات أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية برئاسة عرفات، التقيت صدفة في مطار بن-چوريون بصحافي فلسطيني أضحى وزيرًا في حكومة عرفات.
لاحظت أنّه يحمل جواز سفر مختلفاً وقال لي بأنّ هذا هو الجواز الفسطيني الجديد. بعد أن تمعّنت في الجواز الذي يحمله قلت له: هنالك كثير من المواطنين اليهود في إسرائيل يحملون جوازات أخرى إضافة إلى الجواز الإسرائيلي، فهل يستطيع أن يرتّب لي جوازًا كهذا، فأستطيع أن أفتخر أمام هؤلاء، وأقول إنّي أنا أيضًا أحمل جوازًا إضافيًّا.
نظر إليّ باستهجان وقال لي: أنت لا تستطيع الحصول على جواز فلسطيني لأنّك مواطن إسرائيلي. والإسرائيليون، حتّى وإن كانوا فلسطينيين، لا يستطيعون الحصول على جواز فلسطيني.
لقد كشفت أقوال الوزير الفلسطيني ذلك الفصل البنيوي بين السلطة الفلسطينية الفتيّة التي كان يفترض تحوّلها إلى دولة لاحقًا، وبين المواطنين العرب في إسرائيل.
وهكذا، بخلاف المواطنين اليهود في البلاد، فإنّ المواطنين العرب يحملون جوازًا واحدًا، إسرائيليًّا. وعلى مرّ أعوام كثيرة كان العالم العربي ينظر إلى العرب في البلاد نظرة ازدراء مثل كلّ ما يُشتمّ منه رائحة إسرائيلية، رغم أنّه عربيّ وُلد في بلاده التي أضحى اسمها إسرائيل. فقط عقب السلام الذي أُبرم مع مصر، وبعد ذلك مع الأردن، كان بوسع المواطنين العرب السفر إلى القاهرة وإلى عمّان ولقاء عرب آخرين يعيشون تحت سلطة نظام عربيّ.
المفارقة في الأمر هي أنّه وعقب زيارات هؤلاء إلى البلاد العربية في الجوار ووقوفهم من كثب، ورؤيتهم رأي العين كلّ ”عجائب“ الحياة تحت سلطة الأنظمة العربية، عادوا إلى البلاد ”أكثر صهيونية“ ممّا كان ”الأشقاء العرب“ يحاولون دمغهم به. غير مرّة سمعت أمورًا بهذه الروح في أحاديث تجري في الغرف المغلقة، ولا تذاع علنًا وجهرًا. لعلّ إحدى الجمل التي تُلخّص هذه الحال هي قول صاغه خالد جبران، موسيقى عربيّ لا يُتّهم بمحاباته للسلطة الصهيونية. لقد أَجملَ تجربة الفلسطينيين من مواطني إسرائيل في پوست قصير بالفيسبوك: ”نحنُ قومٌ أنعمَ اللهُ علينا بالنكبة“، قاصدًا أنّنا وُلدنا في إسرائيل وليس تحت سلطة أيّ نظام عربيّ أو إسلامي.
على هذه الخلفية يجب النظر إلى الاتفاق بين اتحاد الإمارات العربية وإسرائيل. ذروة السخف فيما يتعلّق بالتطبيع بين الإمارات وبين إسرائيل يمكن رؤيتها في المواقف الشعبوية المعارضة التي يُعبّر عنها أعضاء في الأحزاب المركّبة للقائمة العربية المشتركة. من الجدير بالتذكير بحقيقة أنّ هذه الأحزاب تُقسم يمين الولاء لدولة إسرائيل في الكنيست، وهي تشكّل الرمز الأبرز للتطبيع العربي مع إسرائيل. إنّه لمن الصعب على من يملك ذرّة من بصيرة أن يُدرك كيف يقوم هؤلاء بحلّ هذا التناقض في مواقفهم وسلوكيّاتهم.
على الأغلب، ومثلما حصل في الماضي مع هذا الصنف من السياسيّين الذين عارضوا في الماضي اتفاقيات السلام مع مصر والأردن، فسيكشفون في المستقبل القريب عن وجههم الحقيقي عندما سيبدؤون بالحجيج إلى دول الخليج وإرسال بلاغات للصحافة العربية المحلية عن لقاءاتهم ونشاطاتهم هناك.
كلّ من يملك ذرّة من بصيرة يعلم حقّ العلم أنّ التوقيع على اتّفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل واتحاد الإمارات العربية لا يهدف إلى حلّ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. إنّه اتّفاق ”خروج من الخزانة“ جاء ليخدم الحاكم هنا، الحاكم هناك والحاكم وراء البحار. إنّ خلاص الشعبين هنا لن يأتي من الخارج، لا من العام العربي ولا من العالم الغربي. فقط الإسرائيليون والفلسطينيّون، اليهود والعرب سكّان هذه البلاد يستطيعون حلّ النزاع بينهما.
كما أشرنا سابقًا، فإنّ مواطني إسرائيل العرب يحملون جوازًا واحدًا، إسرائيليًّا، فيه ما يَسُرّ وفيه ما يَضرّ. ما يَسُرّ، لأنّه أكثر قُبولًا في العالم الغربي؛ ما يضرّ، لأنّه يسدّ أمامهم طريق زيارة العالم العربي.
لقد آن الأوان لأن يقف العرب في البلاد على رجليهم الاثنتين في بلدهم هنا، لا أن يضعوا رجلًا هنا ورجلًا هناك، كمن هو عالق في أرض حرام بلا أفق. لهذا السبب، فمن وجهة نظر العرب في إسرائيل فإنّه لزامٌ عليهم أن يباركوا كلّ خطوة تطبيعية بين إسرائيل والعالم العربي.