لماذا نخصص مؤتمرات القمة في دول مجلس التعاون للقضايا السياسية أو العسكرية، بينما تزحف علينا بشكل خانق مهدد.. مخاطر انحدار أسعار النفط؟ لقد صعدت الأسعار لسنوات حتى ظنّ الجميع أنها لن تتراجع، وإن تراجعت لن تنهار. وخاض أهل الاختصاص والإحصاء والاستراتيجيون في النقاش، ولم يكن أغلبهم يتوقع مهما تشاءم، أن تصل الأسعار إلى هذا الدرك مع بداية هذا العام.
وقد سألت في إحدى المرات أكثر من مختصص ومتابع في مكان عام عن احتمالات تراجع أسعار النفط وتأثير ذلك على اقتصاد الكويت وغيرها، فقال: إن الانحدار هذه المرة لن يحدث بسهولة، لأن الولايات المتحدة نفسها تتصدر مجالات الاستثمار، وأنها وضعت المليارات في مشروع النفط الصخري، وأن «عهد النفط الرخيص» قد ولى إلى الأبد، وباختصار جعلني القوم أشعر بالكثير من الحرج لمجرد طرح السؤال!
ليس النفط وحده المنهار. فالسيدة «كريستين لاجارد» مديرة صندوق النقد الدولي، تقول: إن نمو الاقتصاد العالمي سيكون «مخيباً للآمال» خلال العام الحالي، 2016، حيث «إنه بالإضافة إلى رفع الفائدة الأميركية والتباطؤ الصيني، فإن نمو التجارة العالمية تباطأ كثيراً، وخلق هبوط أسعار المواد الخام مشكلات للاقتصادات التي تعتمد عليها». وحتى الدول التي لم تبتهج أو تكدس مليارات النفط، بل واصلت التصنيع مثل البرازيل، أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية وسابع أكبر قوة اقتصادية في العالم، يقول بنكها المركزي: إن لا فرصة للسيطرة على التضخم في البلاد، كما اتخذت معظم الشركات الصناعية فيها خطوات للحد من الإنتاج، بما في ذلك تسريح العمال وإجبار الآخرين على «أخذ الإجازات». ويتوقع وزير المالية الروسي أن يكون هذا العام صعباً، وبخاصة وأن الروس مثلنا، لا يزالون يعتمدون على بيع النفط!
ولست بالطبع محللاً اقتصادياً ولا مختصاً في الشؤون الروسية، ولكن لماذا لم تبرز روسيا في أي صناعة أو تكنولوجيا أو مادة كيماوية أو شيء من الإلكترونيات؟ لماذا لا تضع الشرائح الغنية من الروس أموالها في تطوير مواردها الثرية بدلاً من شراء العقارات في لندن والريفيرا وأميركا؟
حتى الصين التي بعكس روسيا، برزت في الصناعة وصعدت في عالم المال والاستثمار، تعاني من تراجع النمو، مع بدء استراتيجية التحول من اقتصاد صناعي إلى اقتصاد قائم على نمو الخدمات والإنفاق الأسري. ويرى البعض أن الصين تواجه اليوم هبوطاً حاداً بعد سنوات من الإفراط في الاستثمار في السلع الصناعية والمضاربة العقارية. النفط والذهب والأسهم والصناعات والعقارات في تراجع ماذا بقي إذن؟ حتى المعادن والمحصولات صارت تشارك في هذا «الجزْر الاقتصادي» الذي تغرقنا أرقامه المتراجعة، دون أن يعرف أحد ما الذي سيحدث خلال الأشهر القادمة!
نعود إلى النفط الذي تراجع إلى أدنى مستوياته منذ سنين. تتنبأ التحليلات أن يستمر أكبر منتجي النفط والغاز بالعالم في إجراء المزيد من التخفيضات في الاستثمار.
وتقول تقارير إخبارية: إن المنتجين الأميركيين مثل «شيفرون» و«كونوكو فيليبس» قد خططا لخفض ميزانياتها لعام 2016 بمقدار الربع، ومن المتوقع أن تنخفض استثمارات النفط والغاز العالمية إلى أدنى مستوى لها منذ ست سنوات، حيث كانت قد تراجعت في العام السابق كذلك!
والآن، ما تأثير هذا التراجع الاقتصادي على الصراعات السياسية، وواقع الشرق الأوسط والعالم العربي، وهو الواقع الذي يثير حوله المحللون الكثير من التساؤل والشكوك؟
ويقول الباحث «مالك عوني»، مدير تحرير دورية «السياسة الدولية»: «إن الشرق الأوسط لا يمكن أن يراهن على استمرار أهميته كمصدر رئيسي للطاقة بالنسبة للاقتصاد العالمي في الأمدين المتوسط والبعيد، وبالتالي سيكون من الصعب الرهان على ثروة المنطقة النفطية كمصدر لضمان أي التزام دولي بأمن الشرق الأوسط على المدى البعيد». أي أننا فقدنا حتى الأمن بعد أن فقدنا النفط والاقتصاد!
كانت شكوى المحللين والمثقفين العرب من «الهجمة الأميركية» على المنطقة العربية، بينما يتحدث هؤلاء عن مخاطر سياسة أميركية جديدة تدعى «الاستدارة خلفاً، والزهد في نفط المنطقة، بعد «تراجع أهمية النفط بشكل عام ضمن هيكل مصادر الطاقة في الولايات المتحدة وعبر العالم».
لا بد للمؤسسات الخليجية والعربية البترولية والاقتصادية، وكذلك الجامعات ومراكز الأبحاث، أن تتداعى إلى مؤتمر عاجل لبحث أوضاع التراجع المتلاحقة! فأسعار النفط في تقلص، وضغط الإرهاب في تزايد، وثوابت السياسة الأميركية والغربية في تحول، والمستقبل يكاد يتسرب من بين أيدينا! أم أن هذا كله أوهام؟