لم يصل الطغاة في أية منطقة في العالم إلى هذه الدرجة من المحبة والتأليه وﺍﻟﺴﻄﻮﺓ، وعلى هذا المدى الطويل من الزمن، في غير منطقتنا العربية. ولم نكتف بالوقوع في هيامهم، كما أثبت التاريخ، بل سعينا إلى خلقهم إن تأخر ظهورهم.
يقول عبدالله النفيسي، الذي يلقب بالمفكر والأكاديمي، في وصف صدام حسين:
«.. بالرغم من مساوئ نظامه، فإنه كان (نعمة) للعرب، لأنه كان المصدّة الاستراتيجية أمام الأطماع الإيرانية»!
ولكن ماذا يا عبدالله عن ملايين العرب الذين تسبب في تشريدهم وقتلهم وإيصالهم لدرجة العدم، وسفك دماء وسحل وتهجير ملايين العراقيين، والدوس على كرامتهم لأكثر من ثلاثة عقود، وتضييع ثروات شعبه؟ ألا تستحق كل هذه المآسي وقفة منك؟
وماذا جنى العراق والعرب من وقفته ضد إيران، وضرره الداخلي والخارجي كان أضعاف أضعاف عدم وقفته!
ويقول في لقاء آخر: كان صدام متواضع الثقافة تماماً، ولكنه كان «يُتقن» الحكم، فله «هيبة» وكاريزما! وكان عندما يمشي في الشارع تشعر وكأن الكهرباء تمشي… فالحكم نصفه هيبة، ونصفه إعلام، فمن لا هيبة له غير كفء للحكم!
ولكن النفيسي لم يتساءل عن مصدر تلك الكهرباء، ولماذا لم يكن لها التأثير «الصاعق» على الجندي الأميركي الذي كان يجره من الغار الذي اختبأ فيه؟
ما أكثر بؤس هؤلاء المحللين وتواضع فهم الشعوب التي تتبعهم، وتعجب بهم وتنصت لهم وتنقل عنهم، كما ساروا عمياً وراء كل من كان أكثر غوغائية من غيره.
***
كان موسوليني وهتلر وناصر وعمر البشير والنميري والقذافي، وعشرات غيرهم من الدكتاتوريين أصحاب هيبة، وكانوا يمتلكون الإعلام، فماذا حققوا في النهاية لشعوبهم؟ وكيف تركوا بلادهم من بعدهم؟ وماذا حصدت دولهم من هيبتهم وكهربائيتهم؟
ولو قارنا شخصيات هؤلاء الطغاة بأمثال «لي كوان يو» والمستشارة ميركل ونيلسون مانديلا وأتاتورك، ومهاتير وأنديرا غاندي، وقبلهما غاندي، وعشرات المصلحين غيرهم، لوجدنا أنهم لم يمتلكوا تلك «الكهرباء»، ولا الإعلام، ومع هذا حققوا المعجزات لشعوبهم، وسيتذكرهم التاريخ إلى الأبد!
***
يعتقد الدكتاتور أنه ﻓﻮﻕ المحاسبة، وغير مطلوب منه مراعاة أية قيم أو أﺧﻼﻕ مجتمعية. وعادة ما يكون متسلطاً وعلى استعداد للتخلص من معارضيه، من دون رحمة، ومن هنا ربما أتت تلك «الكهرباء» التي تحدث عنها النفيسي في إحدى مقابلاته.
كما أن الدكتاتور يكره من يعارضه، ويشك في الجميع، ويعيش حياة باذخة، لشعوره بأن بقاءه ربما لن يطول، ويصرف بغير حساب، لاعتقاده أنه يمتلك الدولة، فكيف يستحق هؤلاء الإعجاب والإشادة… من المفكرين؟
***
إﻥ ﺍﻟﻄﻐﺎﺓ ﻻ ﻳﻮﻟﺪﻭﻥ ﻃﻐﺎﺓ، ﺑﻞ تصنعهم الشعوب المسكونة بالخوف ﻭﺍﻟشك. ﻓﺸﺨﺼﻴﺔ ﺍﻟﻄﺎﻏﻴﺔ عادة ﻻ تبرز وتكبر إلا في ﺑﻴﺌﺔ يسودها ﺍﻟﺠﻬﻞ ﻭﺍﻟﻜﺴﻞ، والاعتماد على الغير. ولهذا تستبدل شعوب المنطقة الطاغية بغيره، وهذا يجعلها غير قادرة على التحرر ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻐﻴﺎﻥ، طالما أن هناك من يمجدونهم ويعتبرونهم مصدات، بالرغم من كل جرائمهم في حق شعوبهم والغير، وتخريبهم لعقول الأجيال، ودورهم الخطير في القضاء على كل مظاهر العزة والكرامة لدى شعوبهم.
a.alsarraf@alqabas.com.kw