رغم الحملات المباشرة التي تقوم بها الرئاسة وحاشيتها، فإن الأجهزة السرّية تظلّ ضمانة بقاء النظام نفسه.
“إنها الضربة القاصمة”. بعد اقتطاع قوات النخبة، “، التي تُسمى “جي أي أس”(GIS)،من دائرة استخبارات الأمن(département de renseignements de sécurité=DRS) (الأجهزة السرّية)، فإن ضابطاً حانقاً يتساءل كيف يمكن لـ”الجهاز” أن يواصل عمله. فمنذ سنتين، يتعرّض جهاز استخبارات الأمن لهجمات مباشرة من جانب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وعمره ٧٨ سنة، ومن الحلقة الرئاسية، قوامها تفكيك مكوّنات الجهاز وتطهير كبار ضباطه. وكان آخر الضباط الذين طالتهم عملية التطهير في آخر شهر يوليو هم الجنرال عبد الحميد “علي” بن داوود- الذي كان مدير مكافحة التجسّس منذ سنتين فقط- والجنرال جمال كحال مجذوب، مدير الحماية الرئاسية.
وعلى غرار ما حصل لإدارات مركزية أخرى في “جهاز استخبارات الأمن”، مثل “أمن الجيش” أو “دائرة الإتصالات، فقد ألحقت “الحماية الرئاسية” بهيئة أركان الجيش، حيث أن رئيس الأركان الجنرال “أحمد قايد صلاح” (٨٢ عاماً) هو بين الأوفياء لبوتفليقة. كذلك تم إلحاق “مديرية الشرطة القضائية” التابعة لـ”جهاز استخبارات الأمن”- التي كانت شرعت بتحقيقات “مكافحة فساد” ضد وزير النفط السابق، “شكيب خليل”، المتورّط في فضيحة “سوناتراك” والذي يعيش لاجئاً في الولايات المتحدة حالياً- بالقضاء العسكري، ما يعني أنه تم تحييدها.
ولم يبقَ تحت أوامر الجنرال “محمد مدين”، الملقّب “توفيق” (٧٦ عاماً)، سوى جهاز “مكافحة التجسّس” (ما يعادل جهاز “دي إس تي” الفرنسي السابق)، وجهاز “الإستخبارات الخارجية” (ما يعادل جهاز “دي جي إس أو” الفرنسي)، و”كوماندوس مكافحة الإرهاب” (Scorat).
“رب الجزائر” لم يبقَ له سنَد سوى صقور مكافحة الإرهاب في واشنطن
لماذا كل تلك الحملة الكبيرة ضد من يُطلق عليه قسم كبير من الرأي العام بالجزائر لقب “ربّ الجزائر”؟
يردّ أحد مستشاري الرئاسة الجزائرية بأن “رئيس الدولة يرغب في التعبير عن عدم رضاه على عمل الأجهزة الخاصة، فلم فتركَ “مِدين”، الذي لم يبقَ له من سَنَد سوى صقور مكافحة الإرهاب في واشنطن، متعة البقاءِ في مكتبه لكي يحكم فوق لا شيء”! وتؤكّد كلامه التصريحات الناريّةالتي أطلقها “عمار سعدني”، رئيس حزب “جبهة التحرير الجزائرية”، والمقرّب من القصر، في العام ٢٠١٤: “لقد أخلّ جهاز “دي أر إس” بواجباته في حماية الرئيس بوضياف (الذي تم اغتياله في العام ١٩٩٢ على يد أحد صف ضابط في “مجموعة التدخّل الخاصة” التابعة للجيش). كان ينبغي على “توفيق” أن يستقبل بعد ذلك الفشل.”)
ويقول أحد كبار ضباط الجيش الجزائري أن عمليات إقتطاع أقسام من جهاز “دي إر إس” ليست سوى عُذر، “فبوتفليقة يتعايش مع “مدين” منذ ١٥ عاماً. ومع ذلك، فهو لا يرغب في أن تظلّ لجهاز الإستخبارات الكلمة الفَصل في اختيار خلفٍ له“!
وهنالك رواية أخرى تَنسِبُ التغييرات الحاصلة لخرّيج جهاز “كا جي بي” السوفياتي، أي لـ”مِدين” نفسه!
فأحد المقرّبين من “السراي” الحكومي يقول أن “مِديَن نفسه يدرك أنه سيترك منصبه، وكما أكّد سابقاً فهو لن يترك خلفه “الأخطبوط” الذي خلقه بنفسه في ١٩٩٠، حينما قبضَ على جميع الأجهزة السرّية. إن “مّدين” نفسه هو من نظم العملية الجارية حالياً تحت أسماء وهمية”!
ولكن أحد المحامين المدافعين عن حقوق الإنسان في الجزائر يرفض تصديق مظاهر إضعاف سلطة جهاز الإستخبارات، ويقدّر أن “عمليات تفكيك الأجهزة لا تخدم سوى غرض طمس الأدلّة المزعجة على التجاوزات التي قامت بها الأجهزة السرّية إبان ٢٠ سنة من الحرب الأهلية”!
أيّا كان الحال، فإن أحد قدامى ضباط جهاز “مالغ” (جهاز الإستخبارات أثناء حرب الإستقلال Malg) يؤكّد أنه “يستحيل القضاء على جهاز “دي إر إس”. وذلك لأن “مدين ليس سوى الحارس لبُنية قديمة جداً، هي بُنية “الأجهزة الجزائرية”. أي القالب الأصلي للأجهزة، والذي نُطلق عليه في ما بيينا تسمية “السَلَف”. وجهاز “دي إر إس” ليس سوى إفراز لذلك القالب الأصلي، ويمكن له أن يموت، أما “الأجهزة السرّية” نفسها فما زالت قادرة على التحوّل”.
نقلاً عن مقال “بدون توقيع” نشرته “الفيغارو” الفرنسية: