نجح الحوثيون قبل نهاية العام 2017 حيث فشل الاخوان المسلمون في العام 2011، يوم الثالث من حزيران – يونيو من تلك السنة حين تعرّض علي عبدالله صالح لمحاولة اغتيال في مسجد النهدين الذي يقع في حرم دار الرئاسة. أصيب علي عبدالله صالح في 2011، وكان لا يزال رئيسا، بجروح بليغة وعولج في المملكة العربية السعودية قبل ان يعود مجددا الى صنعاء ويصبح اسيرا فيها ثم رهينة لدى الحوثيين منذ سيطرتهم على العاصمة في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014.
قبل بضعة أسابيع، أراد علي عبدالله صالح مغادرة صنعاء بعد اكتشافه انّالحبل يضيق حول عنقه وان الحوثيين قرروا الانتقام منه عاجلا ام آجلا. لذلك افتعل لقاءً صحافيا ليقول بعد جراحة في العين أجريت له على يد فريق طبّي روسي انّه مدعوّ للمشاركة في ندوة تستضيفها احدى المدن الروسية.
كان علي عبدالله صالح الذي اعدمه الحوثيون بعد نصب كمين له في منطقته (سنحان) القريبة من صنعاء يعرف ان ليس في الإمكان الوثوق باي كلمة تصدر عن “انصار الله” وبأي اتفاق يمكن التوصل اليه معهم. لا امان للحوثيين الذين اعلن زعيمهم عبد الملك الحوثي عن ارتياحه الى الذي حصلواصفاً يوم التخلّص من علي عبدالله صالح بانّه “يوم استثنائي وتاريخي”.
ليس الحوثيون، الذين احتفلوا علنا بإعدام علي عبدالله صالح، سوى مدرسةمتميّزة في الغدر ولا شيء آخر غير ذلك. انّهم ينتمون الى مدرسة معروفة، هي مدرسة الميليشيات المذهبية التي ترعاها ايران والتي تسرح وتمرح في العراق وسوريا ولبنان… واليمن في طبيعة الحال.
كان علي عبدالله صالح يعرف تماما انّ ساعة تصفيته اقتربت. لذلك تحرّك في الايام القليلة الماضية ساعيا الى كتابة الفصل الأخير من معركة صنعاء التي انتفضت قبل أسبوع في وجه الحوثيين ومشروعهم المتخلّف. كان الرئيس اليمني السابق يعرف تماما انّه مراقب ومخترق. كان الحوثيون قد اخترقوا حراساته الشخصية. كانوا يدقّون كلّ ليلة على باب المنزل الذي ينام فيه كي يقولوا له انّهم يعرفون تماما اين هو.
طوى اغتيال علي عبدالله صالح صفحة من تاريخ اليمن. جاء مقتله ليؤكد ان اليمن الذي عرفناه لم يعد موجودا. أي صيغة سيستقر عليها اليمن؟ كيف ستستغل ايران التي اغتال “انصار الله”، أي من تعتبرهم أداة من ادواتها، الرئيس اليمني السابق الذي سعى الى تحدّي نفوذها في العاصمة اليمنية؟ الم تعلن ايران بلسان غير مسؤول فيها، بعد سقوط العاصمة اليمنية في يد الحوثيين في خريف العام 2014، انّها باتت تسيطر على اربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء؟
الاهمّ من ذلك كلّه ما هي الانعكاسات الاقليمية لما تعتبره ايران انتصارا كبيرا حقّقته في اليمن؟ كيف سينعكس ذلك على العراق وسوريا ولبنان حيث ستشعر الميليشيات التابعة لإيران بنوع جديد من الثقة؟
لم يكن امام علي عبدالله صالح في الايّام القليلة الماضية سوى السعي الى المقاومة وتوقيع الفصل الأخير من المعركة التي يخوضها منذ فترة طويلة مع الحوثيين استكمالا للحروب الست التي خاضها معهم بين 2004 و 2010. اصرّ على توقيع الفصل الأخير، ولو بدمه. لم يستطع الذهاب الى ابعد من ذلك بعدما شعر الرجل في الأشهر الأخيرة ان ساعته آتية. ذهب في نهاية المطاف ضحية تنظيم ميليشيوي مذهبي يعمل لدى ايران لعب هو نفسه دورا أساسيا في قيامه وتطوّره وتمدّده.
سعى الرئيس السابق الذي يهوى لعبة ادارة التوازنات والتحكّم بها، الى قيام تنظيم “الشباب المؤمن” وقوامه الحوثيون بعدما وجد نفسه تحت رحمة الاخوان المسلمين والسلفيين صيف العام 1994.
انتصر علي عبدالله صالح في معركته مع الحزب الاشتراكي الذي خاض حرب الانفصال. لعب الإسلاميون، خصوصا “حزب الإصلاح”، دورا حاسما في تحقيق هذا الانتصار بعد اربع سنوات من تحقيق الوحدة. أراد الرئيس اليمني وقتذاك التخلّص من فكرة انّه تحت رحمة الإسلاميين الذين كانوا يصرّون على قبض ثمن حرب انتصار الوحدة على الانفصال. دفعه ذلك الى تشجيع الحوثيين على إقامة تنظيم خاص بهم. ادخلهم الى مجلس النوّاب وربطهم بايران وحتّى بـ”حزب الله”. في نهاية المطاف، انقلب السحر على الساحر.
اكتشف علي عبدالله صالح في العام 2003 ان الحوثيين يعملون لدى ايران وليس لديه. قرّر الدخول في مواجهة معهم. ارتدت هذه المواجهة، وهي كناية عن ست حروب، طابعا غريبا في بعض الأحيان. يعود ذلك الى انّها جرت على خلفية التوريث من جهة وطموح قريب علي عبدالله صالح، الفريق علي محسن صالح الأحمر (نائب رئيس الجمهورية حاليا) في ان يكون خليفته في يوم من الايّام. كانت الحروب مع الحوثيين تدور في مناطقهم، فيما الخلافات عميقة بين علي عبدالله صالح وعلي محسن صالح بعدما بدأ الاوّل يعمل من اجل إيصال نجله العميد احمد علي عبدالله صالح الى الرئاسة.
كان ملفتاً إصرار الحوثيين على اعدام علي عبدالله باطلاق النار على رأسه وعرض الصور عبر الفضائيات التابعة لما يسمّى “جبهة الممانعة”. أرادوا ان يكون مصيره امثولة لكلّ من يتجرّأ على تحدي “انصار الله” في المستقبل. أرادوا أيضا الانتقام لمقتل حسين بدر الدين الحوثي الذي اسّس الحركة الحوثية والذي أُعدم في اثناء الحرب الاولى بين علي عبدالله صالح والحوثيين في أيلول – سبتمبر من العام 2004.
لا شكّ ان هناك مشكلة كبيرة في اليمن حاليا. في أساس هذه المشكلة ان أحدا لا يستطيع الحلول مكان علي عبدالله صالح الذي قاد المحاولة الجدّية الوحيدة لاخراج الحوثيين من صنعاء. لا شكّ أيضا انّ “عاصفة الحزم” استطاعت منذ انطلاقها في آذار – مارس من العام 2015 كسرَ ظهر المشروع الايراني في اليمن. ولكن يبقى ان صنعاء ستبقى لفترة طويلة رهينة لدى الحوثيين، أي لدى ايران. سيكون من الصعب في المدى المنظور إيجاد بديل من علي عبدالله صالح الذي استطاع في اقلّ من أسبوع إعادة احياء الامل في تخليص صنعاء من براثن “انصار الله”.
يظل في النهاية سؤال في غاية الاهمّية. هل يستطيع “انصار الله” الذين ليسوا سوى قسم من الزيود اخضاع القبائل اليمنية، بما في ذلك بكيل وحاشد وقبائل “الطوق”، أي تلك التي تتحكّم بمداخل صنعاء. الثابت ان اعدام الرئيس السابق الذي حكم اليمن ثلاثة وثلاثين عاما استهدف جعل مصير علي عبدالله صالح امثولة لمن يريد التفكير مستقبلا في الاعتراض على النظام الجديد الذي أقامه الحوثيون في منطقة سيطرتهم.
الثابت، من خلال التجربة، ان مثل هذا الأسلوب في التعاطي مع الآخرين لا ينفع في اليمن حيث المجتمع قبلي قبل أي شيء آخر وحيث مبدأ الثأر للقبيلة لا يُمحى بسهولة. لم يكن علي عبدالله صالح دموياً. سعى دائما الى تفادي اللجوء الى العنف من دون ان يعني ذلك انه بريء كلّيا من جرائم معيّنة ارتُكبت في عهده الطويل، خصوصا بعد الثورة الشعبية التي قامت في بداية العام 2011 والتي سعى الاخوان المسلمون الى استغلالها والى التخلص من علي عبدالله صالح جسديا في الوقت ذاته.
كانت انتفاضة صنعاء على الحوثيين مفاجأة. كان اعدام علي عبدالله صالح مفاجأة أخرى. ما المفاجأة المقبلة التي يخبئها لنا اليمن؟