هل بدأت الولايات المتحدة بالإبتعاد عن “حليفها القطري المقرّب”؟ ليس بعد! فهنالك “تسامح” أميركي واضح تجاه قطر، واضح سواءً في ليبيا أو في موضوع “داعش”! وقد يكون أحد الأسباب هو أن قطر تلعب دور “الوسيط” مع الإخوان المسلمين ومع الجماعات “الجهادية”! ولكن المقال التالي يوحي بأن مرحلة “إعادة النظر” في العلاقة مع قطر قد تكون بدأت. مع أن القاعدة الأميركية في قطر تظل الأكبر في الشرق الأوسط.
الشفاف
*
ترى الولايات المتحدة في حليفتها المقرّبة قطر بؤرةً لتمويل الإرهاب، إلى حد أن واشنطن وصفت هذه الدولة الخليجية الصغيرة بأنها بيئة متساهلة مع تمويل الجماعات الإرهابية.
وتقول الولايات المتحدة إنها لا تملك أدلة على أن الحكومة القطرية تموّل الجماعة الإرهابية المعروفة الآن باسم «الدولة الإسلامية» (أو «الدولة الإسلامية في العراق والشام» [«داعش»]). وتعتقد أن أفراداً في قطر يساهمون على المستوى الشخصي في تمويل هذا التنظيم وغيره من أمثاله، لا بل تعتبر أن الدولة الخليجية لا تبذل جهوداً كافية لوضع حد لهذه الظاهرة.
وفي سبيل التأثير على السياسات القطرية، انتهجت الولايات المتحدة مقاربة العصا والجزرة مع حليفتها القطرية بحيث انهالت عليها بالثناء للأنظمة الجديدة التي وضعتها لمكافحة تمويل الإرهاب، فيما عمدت إلى ردعها في السر عن دعم التنظيمات الإرهابية وأحياناً لومها علناً على ذلك.
لكن المشكلة الجوهرية هي أن الأجندة الأمريكية لمكافحة الإرهاب تتعارض أحياناً مع ما تعتبره قطر مصالحها السياسية الخاصة. فقد اقتضت الاستراتيجية الأمنية لقطر أن تدعم عدد كبير من التنظيمات الإقليمية والدولية بهدف ردّ التهديدات عن البلاد. وقد تضمنت هذه الاستراتيجية تقديم المساعدات السخية للمنظمات الإسلامية، بما فيها تلك المقاتلة مثل «حماس» وطالبان. ويشكل السماح بجمع التبرعات المحلية والخاصة لصالح جماعات إسلامية في الخارج جزءاً من هذا النهج. لذلك فإن إغلاق قنوات الدعم للمسلحين الإسلاميين – وهو ما تريده واشنطن من الدوحة – يتنافى مع المقاربة الأساسية التي تعتمدها قطر إزاء أمنها الخاص.
لقد ثبت أن الضغط الأمريكي والدولي قادر على التأثير في سياسات مكافحة تمويل الإرهاب لدى دول الخليج. وأحدث مثال على ذلك هو الكويت. فقد عمدت الكويت تحت ضغط كبير هذا العام إلى تعزيز أنظمتها المتراخية حول مكافحة تمويل الإرهاب. وثمة دلائل على أن بعض القوانين الجديدة على الأقل ستنفذ بصرامة – وهذه مشكلة كبيرة عندما يتعلق الأمر بدول الخليج.
يجدر بالولايات المتحدة أن تنظر إلى علاقتها الوطيدة مع قطر كسبيلٍ لحثّ حليفتها على المضيّ في اتجاه أفضل. وتمثل المكاسب المقلقة التي حققتها «داعش» في العراق وسوريا فرصة خاصة أمام واشنطن للعمل مع قطر على تطبيق إجراءات مكافحة تمويل الإرهاب. وقد تُوطّد قطر عزمها على تضييق الخناق على القنوات الخاصة لجمع الأموال إذا ما شعرت بتهديد مباشر من «الدولة الإسلامية» أو من الجماعات الإرهابية الأخرى التي تدعمها الأطراف المانحة المحلية، أو إذا اعتبرت أن الجهاديين القطريين العائدين إلى ديارهم من العراق وسوريا يشكلون خطراً أمنياً عليها. وفي الواقع أن الإشارات التي تُظهر أن “انتصارات” «داعش» ربما تقود إلى رفع مستوى التبرعات الخاصة التي تأتي من الخليج إلى غيرها من الجماعات السنية المسلحة، تضفي أهمية أكبر على الحاجة إلى اتخاذ تدابير مؤاتية لمكافحة تمويل الإرهاب.
وفي الوقت نفسه، إن إضعاف «داعش» مالياً يتطلب مقاربةً لا ترتكز على الهبات الخليجية الخاصة. وتكسب «الدولة الإسلامية» النسبة الكبرى من دخلها بشكل مستقل – من تهريب النفط والابتزاز وغيرها من الجرائم في العراق وسوريا. لذلك فإنّ تقويض القاعدة المالية لهذا التنظيم يستوجب دحر قدرته على النفاذ إلى هذه المصادر من الدخل المحلي.
لوري بلوتكين بوغارت هي زميلة أبحاث في برنامج سياسة الخليج في معهد واشنطن.