هل نجح الرئيس باراك أوباما في الامتحان المغربي؟ يبدو انه نجح نظريا، لكنّ الحاجة الى افعال أكثر مما هي الى كلام جميل منمّق من النوع الذي تضمنه البيان المشترك الصادر بعد لقاء الملك محمّد السادس والرئيس الاميركي في البيت الابيض. المهمّ الانطلاق من البيان المشترك لتكريس أهمّية التعاون بين البلدين من أجل مستقبل أفضل للمنطقة وشعوبها بما يخدم فعلا الاستقرار والامن بدل الصدامات والمناكفات التي لا طائل منها.
كان البيان المشترك في غاية الاهمّية. كان بالفعل بيانا استثنائيا، خصوصا عندما ركّز على “الشراكة الاستراتيجية” بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الاميركية مع تذكيره بأنّ المغرب كان الدولة الاولى التي تعترف بالولايات المتحدة بعد استقلالها. كان ذلك في العام 1777، أي أن العلاقات بين البلدين ليست بنت البارحة، بل تعود الى القرن الثامن عشر!
من يتمعّن في نصّ البيان، يجد أنّ الولايات المتحدة عادت الى الطريق القويم وقد أدركت ما كان يجب أن تدركه باكرا في حال كانت تسعى بالفعل الى دعم الاستقرار في منطقة شمال افريقيا وفي القارة السمراء عموما وفي الشرق الاوسط الكبير الممتد من باكستان الى موريتانيا…
ليس سرّا أن العلاقات الاميركية- المغربية مرّت بمرحلة من الفتور أخيرا. كان ذلك عائدا الى التردد الاميركي وسذاجة بعض كبار المسؤولين في الادارة الذين لا يعرفون الكثير عن شمال افريقيا أو الشرق الاوسط. هؤلاء مأخوذون بالشعارات الطنانة التي تتاجر بها الجزائر وادواتها والتي لا علاقة لها بالواقع من قريب أو بعيد، خصوصا عندما يتعلّق الامر بالصحراء المغربية التي هي جزء لا يتجزّأ من التراب الوطني للمملكة منذ خريف العام 1975.
تكمن أهمّية البيان المشترك والزيارة التي قام بها محمّد السادس لواشنطن في التراجع الاميركي عن المواقف المترددة التي لا تعكس سوى تذبذب لا يمكن الاّ ان يرتد على القوة العظمى الوحيدة في العالم عادلا أم آجلا. هذه المواقف الاميركية جعلت أهل الشرق الاوسط يفقدون الثقة بالولايات المتحدة وسياساتها وبسعيها الى لعب الدور الذي يفترض أن تلعبه.
أحاط البيان بكلّ المسائل المرتبطة بالعلاقات بين البلدين. اعترف بالاصلاحات التي قام بها المغرب، خصوصا بما يقوم به محمّد السادس منذ اعتلائه العرش وبدء العمل بدستور العام 2011. اعترف بأن المغرب دولة عصرية وأن طرح مسائل مرتبطة بحقوق الانسان ليس في محلّه لا في الصحراء ولا خارج الصحراء. هناك خطوات في مجال حقوق الانسان أقدم عليها المغرب من تلقاء نفسه بعيدا عن أيّ ضغوط خارجية.
لا حاجة الى دروس تلقى على المغرب من هنا أو هناك أو هنالك. كلّ ما في الامر أن المملكة قررت منذ فترة طويلة أن تكون شريكة في الحرب على الارهاب والتطرّف الديني ولم تنتظر اشارة من الولايات المتحدة أو غيرها للمباشرة في هذه الحرب. لم ينتظر محمّد السادس ما سميّ “الربيع العربي” للاقدام مثلا على تأكيد حقوق المرأة وحمايتها…وشنّ حرب على الفقر ومدن الصفيح!
أدرك ملك المغرب منذ اعتلائه العرش أن الحرب على الفقر جزء لا يتجزّأ من الحرب على الارهاب. لذلك، يجد من يزور المغرب هذه الايّام انّ لا مناطق مهمّشة في المملكة وأن التركيز اليومي هو على تأمين النمو الاقتصادي ورفع مستوى التعليم والمشاريع الكبيرة من أجل توفير فرص عمل للشباب المغربي وابعاده عن الفكر المتطرّف.
ما أكّدته زيارة الملك محمّد السادس للولايات المتحدة يتمثّل في أنّ القافلة المغربية تسير وأنّ الصعوبات التي يمكن أن تواجه مسيرتها لا يمكن الا أن تزول وأن الاستثمار الاميركي والاوروبي في المغرب يخدم الامن الدولي والاقليمي. وهذا ما يفسّر الى حد كبير ايلاء البيان المشترك أهمية للتعاون الاقتصادي والامني بين البلدين.
اضافة الى ذلك كلّه، وضع البيان المشترك الامور في نصابها، أقلّه بالنسبة الى موضوع الصحراء المغربية. أعاد تأكيد أن الحل الذي يطرحه المغرب ” جدّي وواقعي وذو صدقية”. وهذا يعني بكلّ وضوح أن المغرب لا يناور. على العكس من ذلك، انّه يعمل ما في وسعه من أجل حلّ سياسي يحافظ على وحدة ترابه الوطني من جهة ويضمن حقوق سكّان المنطقة المعنية في اطار الحكم الذاتي الموسّع من جهة أخرى.
يرسم البيان المشترك اطارا عاما لمستقبل العلاقات الاميركية- المغربية. ما ينقص السياسة الاميركية الانتقال الى مرحلة جديدة تجعلها تنظر الى الاستقرار في المنطقة من زاوية أوسع. وهذا يعني بكلّ بساطة أن ثمّة حاجة الى جهود أميركية من أجل تجاوز عقدة اسمها ملفّ الصحراء. هذا الملفّ مفتعل لا أكثر ولا أقلّ وهو تعبير عن رغبة جزائرية في شنّ حرب استنزاف على المغرب عن طريق أداة اسمها جبهة “بوليساريو”. تفعل الجزائر ذلك لسببين على الأقلّ. السبب الأول عائد الى أن النظام فيها في حاجة الى تصدير أزمته الداخلية الدائمة الى خارج. أمّا السبب الآخر، فهو يتمثّل في الرهان على الوهم. انّه وهم الدور الاقليمي لدولة تظّن ان ثروتها النفطية وما تمتلكه من غاز يسمحان لها بأن تكون “قوّة عظمى” في شمال افريقيا. انها تستثمر هذه الثروة في اثارة البلبلة لجيرانها بدل توظيفها في خدمة الشعب الجزائري وتوفير حياة أفضل له.
هل تقدم الولايات المتحدة على خطوة في هذا الاتجاه حتى يمكن القول أنها في صدد نقلة نوعية تشكّل امتدادا للزيارة التاريخية التي قام بها محمّد السادس لواشنطن؟
مثل هذه النقلة النوعية حاجة أميركية وافريقية في الوقت ذاته…في حال كان مطلوبا الاستثمار في الاستقرار في منطقة تحتاج أوّل ما تحتاج الى تعاون اقليمي من أجل مكافحة الارهاب. يتوقذف على هذه النقلة النوعية الكثير، يتوقف عليها خصوصا معرفة ما اذا كانت أميركا جدّية في حربها على الارهاب وفي مواجهة المخاطر الناجمة عن الوضع الليبي المنفلت وانتشار “القاعدة” وتوابعها في منطقة الساحل الافريقي…