على هامش زيارة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد مؤخرا للقاهرة خرج علينا نفر من الكتاب ومحللي الفضائيات ومعهم أيضا رجال دين من الازهريين والسلفيين ليعترضوا على ما يلاقيه “السنّة في الأحواز” من مظالم وإنتهاكات لأبسط حقوقهم. ولو أن هؤلاء تناولوا مظالم سنة ايران بصفة عامة دون تحديد مكانهم لما كان هناك داعٍ لكتابة هذا المقال. ذلك أن تشديدهم على سنّة الأحواز تحديدا كطرف يتعرض للظلم يكشف عن قصور فاضح لديهم في فهم الأوضاع والسياسات والتقسيمات الديموغرافية في ايران. وهذا، بطبيعة الحال، ناجم عن خلو جامعاتنا وكلياتنا من مراكز بحثية متخصصة بالشأن الايراني، مقابل العديد من المراكز الفارسية المتبحرة في كل ما له علاقة بالأوضاع والشئون الخليجية والعربية السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية.
فالأحواز (جمع حوز وهي مصدر للفعل “حاز” وتستخدم للدلالة على الأرض التي يبيــّن المرء حدودها ويتملكها) والتي أطلق العرب عليها هذا الاسم عند الفتح الإسلامي لها، ونطقه الفرس “الأهواز” بسبب خلو أبجديتهم من حرف الحاء، قبل أن يسميها الصفويون بـ”عربستان” أي الأراضي العربية، وقبل أن يختار لها رضا شاه الكبير إسم “خوزستان” أي بلاد القلاع والحصون بــعد إحتلاله لها في عشرينات القرن الماضي، وتصفية حكامها العرب من “بني كعب”، هي محافظة لئن كانت أكثرية سكانها من العرب، فإن غالبيتهم من الشيعة وليس السنة، وهم يتكلمون اللهجة الأحوازية الشبيهة باللهجة العراقية، وبالتالي فإن سنّة الأحواز لا يشكلون سوى أقلية، شأنهم في ذلك شأن الأقلية السنية في كرمانشاه، ولارستان، والمدن المركزية الكبرى.
ومن هنا كان الأجدر بمن أراد إيصال رسالة إحتجاج إلى نجاد أن يتحدث عن إضطهاد السنة وانتهاك حقوقهم الأساسية في مناطق ومحافظات أخرى كمحافظات “سيستان وبلوتشستان”، و “هرمزكان”، و “غيلان”، و”خراسان”، وكردستان.
ففي الأولى يشكل “البلوش” الأكثرية وهم من السنّة الحنفية، وفي الثانية التي تشمل “لنجة” وإمتداداتها من مدن وبلدات في بر فارس العربي وسواحله المواجهة لسواحل دول الخليج العربية يشكل السنة أيضا الأكثرية وهم من الشوافع. وفي الثالثة معظم السكان هم من التركمان السنة من أتباع المذهب الحنفي، وفي الرابعة يكثر السنّة من متبعي الطريقة الحنفية النقشبندية، خصوصا في شرقها المحاذي لحدود إيران الشمالية مع تركمانستان وحدودها الشرقية مع أفغانستان. أما في كردستان، التي تمتد من مدينة قصر شيرين شمال الأحواز إلى حدود أرمينيا على طول حدود تركيا، فإن أكثرية السكان تتبع المذهب السني الشافعي.
وطبقا للبيانات الرسمية الايرانية، فإن سكان إيران ينتمون إلى 30 قومية متنوعة ويبلغ تعدادهــم اليوم نحو 73 مليون نسمة، يشكل منهم الفـــــرس 51 % والآذاريون الأتــراك 24 % ، والأكراد نحو 9 %، والجيلاك والمازندرانيون نحو8 %، والعرب 3%، والبلوش 2%، والبقية من أعراق مختلفة. غير أن هناك من يدحض هذه البيانات ويؤكد أن نسبة العرب ضمن مكونات الشعوب الإيرانية تبلغ نحو 8%، خصوصا إذا ما أخذنا في الإعتبار أنهم يشكلون 95% من سكان الأحواز أو 3.5 مليون نسمة. هذه النسبة التي كانت أكبر في الماضي، لكنها تراجعت بسبب سياسات نظام طهران الحالي الهادفة إلى إحداث تغييرات ديموغرافية في هذا الإقليم النفطي والاستراتيجي الهام (اكتشف النفط فيه في عام 1908 ، وتنتج حقوله اليوم ما بين 3.5 – 4 ملايين برميل من النفط يوميا، و9500 مليون متر مكعب من الغاز، محققة للنظام الإيراني دخـــلا يفوق 17 مليار دولار). هذا ناهيك عن أن العرب يشكلون 50% من سكان محافظة هرمزكان أو 1.5 مليون نسمة، إضافة إلى نصف مليون نسمة يقطنون في أقاليم إيرانية متفرقة.
أما لجهة التقسيمات المذهبية والدينية فإن المعروف تاريخيا أن اهل السنة من الشوافع والأحناف كانوا يشكلون أكثرية سكان إيران، فيما كان الشيعة أقلية محصورة في مدن مثل قم، وقاشان، ونيسابور، وطوس (مشهد). لكن الصورة تغيرت في سنة 907 للهجرة بوقوع السلطة في يد الشاه إسماعيل الصفوي الذي أجبر أهل السنة على التشيع وسب الخلفاء الراشدين الثلاثة، وسفك من أجل تحقيق هدفه دماء غزيرة بوحشية. ومذاك توزع من تمسك بمذهبه السني ونجا من مجازر الشاه الصفوي على أطراف إيران، تاركا المركز لهيمنة الشيعة.
وتختلف الأرقام الإحصائية حول نسبة أهل السنّة في إيران إلى العدد الاجمالي للسكان من مصدر إلى آخر. فمصادر النظام الحالي تقول أنهم لا يتجاوزون 10%، علما بأن المصادر الرسمية زمن النظام السابق كانت تقدرهم بـ 30%. أما المصادر المستقلة فتقول أن نسبتهم تتجاوز الـعشرين بالمائة.
ومن الاهمية بمكان في هذا السياق أن نتحدث عن الديانات الموجودة في المجتمع الإيراني الفسيفسائي، خلاف الدين الإسلامي. فهناك مثلا البهائية (يقدر عدد أتباعها بنحو 300 ألف نسمة)، والزرادشتية (يزيد عدد أتباعها عن 22 ألف نسمة)، واليهودية أو من يطلق الفرس على معتنقها الفرد إسم “كليمي” بمعنى انه من اتباع كليم الله النبي موسى (كان عددهم قبل الثورة الخمينية يقدر بمئات الآلاف، لكنهم اليوم لا يتجاوزون 25 ألفا)، والمسيحية (وجل أتباعها من الإيرانيين الأرمن الذين وصل عددهم في ظل النظام الشاهنشاهي الى نصف مليون، لكنهم اليوم لا يزيدون عن 75 ألف نسمة).
وعلى الرغم من هذا التنوع العرقي والديني في المجتمع الإيراني، فإن الدستور الذي وضعه النظام الفقهي الحالي بــُعيد وصوله إلى السلطة في 1979 تحت شعارات تحقيق الديمقراطية والعدالة والمساواة والحقوق نص في مادته 12 على أن “الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الإثنى عشري، وهذه المادة تبقى إلى الأبد وغير قابلة للتغيير”، ونص في مادته 13 على أن “الإيرانيين الزرادشت واليهود والمسيحيين هم وحدهم الأقليات المعترف بها“، ونص في مادته 15 على أن ” اللغة والكتابة الرسمية المشتركة لشعب إيران هي الفارسية، ويجب أن تكون الوثائق والمراسلات والنصوص والكتب المدرسية بهذه اللغة”.
وهكذا نستنتج من المواد الدستورية السابقة أن كل المناصب الكبرى في إيران هي حكر على الشيعة، وبالتالي فإن أتباع المذاهب والديانات الأخرى لا تنطبق عليهم صفة المواطنة ومايشتمل عليها من حقوق. ونستنج أيضا أنه لا يجوز إصدار تشريعات تخالف المذهب الجعفري الاثنى عشري!
باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
elmadani@batelco.com.bh