دعيني أولاً ابادر بالاعتذار لما سأقوله لك في هذه الرسالة، خاصة وأنه قد يأتي شديداً.
ابادر بالاعتذار لأني من أشد المؤيدين لعملك.
في الواقع أنا عضوة في فرعك السويسري.
تماماً كما أن جهودك والتقارير التي تنشريها دورياً دفاعاً عن حقوق الإنسان في صورها المتعددة كانت لنا، نحن العاملون في هذا المجال، ذخيرة، نستخدمها دوماً للتدليل على الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان في بلداننا العربية.
رغم ذلك، اجدني مضطرة إلى القول إن تقريرك بعنوان “خيار واساءة: التمييز ضد المسلمين في اوروبا” الذي صدر في أبريل 2012، وتحدثت فيه عن التمييز الذي يلاقيه مسلمون في البلدان الأوروبية، هذا التقرير جاء مخيباً.
مخيباً، لأنه وإن كان قد تحرى التأكيد على التعددية القائمة ضمن الجاليات المسلمة، إلا انه جاء معبراً عن رؤية شريحة محددة ضمن هذه الجاليات، وتحديداً المحافظة والإسلامية السياسية فيها.
مخيباً، لأنه وإن كان يسعى إلى حماية أقلية دينية، فإنه فشل في توفير الحماية للأقلية داخل هذه الأقلية، أعني المرأة والطفل.
مخيباً، لأنه وإن كان قد اشار إلى أن هناك تمييزاً تتعرض له المرأة المسلمة داخل جاليتها، إلا أنه فشل أن يقف إلى جانب هذه المرأة في توصياته. صمت عن قضايا عنف وتمييز تتعرض له هذه المرأة. والصمت لا يعني سوى أنك اشحت بوجهك عما يحدث لهذه المرأة.
سأوضح لك ما أعنيه بهذه العناصر الثلاثة.
أولاً، اشار تقريرك إلى أن الجاليات المسلمة تتميز بالتعددية في رؤيتها للدين، وفي طبيعة علاقتها بالدين الإسلامي. وأن ممارسات معينة قد تكون تعبيراً عن قناعات دينية، ثقافية، او تقليدية محافظة. رغم ذلك، فإن جزءاً كبيراً من تقريرك ركز على ما أسماه بالتمييز الذي “تتعرض له التلميذات المسلمات في التعبير عن حريتهم الدينية”. كنت تعنين بذلك الحظر المفروض على لبس الحجاب في المدارس.
سأكون واضحة في موقفي هنا. أنا من المؤيدات لحظر الحجاب في المدارس. اؤيد هذا الحظر لأنه حماية لهذه الطفلات والفتيات.
حمايتهن من ضغوط اجتماعية يتعرضن لها كي يلبسن الحجاب. وهناك امثلة عديدة على طالبات ذهبن إلى مديرة مدرستهن يسألنها ان تحميهن من الضغوط التي يتعرضن لها من زميلاتهن “المتدينات”. وغيرهن يتعرضن للضغوط من الذكور في أسرهن. يهددونهن إما بالضرب أو بحرمانهن من الدراسة. ووالله اني لا أتحدث هنا من خيالي، بل أسرد عليك قصصاً من الواقع.
حمايتهن من فكر ديني محافظ يقول لهن إن من لا ترتدي الحجاب ستحرق حرقاً في نار جهنم. وإن الحجاب فرض على الفتاة، وإن من لا تفعل ذلك تصبح عاصية، يعلقها الله من شعرها في جهنم.
بالله عليك، عن أية حرية دينية نتحدث فيها هنا عندما تجد الطفلة نفسها مخيرة إما بين جهنم أو تغطية شعرها؟ هل هي حرة فعلاً في هذا الاختيار؟
من هذا المنطلق يأتي موقفي الداعم لحظر الحجاب في المدارس. كي نتحدث فعلاً عن حرية المرأة في الاختيار، يتوجب أن تكون هذه المرأة بالغة راشدة، اي في الثامنة عشرة من عمرها. اي بعد أن تنتهي من دراسة الثانوية العامة. وعندما تقرر وهي في هذا السن، أي بعد الثامنة عشرة، دون ضغوط أسرية أو مجتمعية، ارتداء الحجاب، فإن هذا يظل قرارها، الذي أحترمه رغم اختلافي معه.
ولذلك، أعود واقول لك، إن القسط الأوفر الذي خصصه تقريرك لموضوع الحجاب يبدو لي معبراً عن رؤية شريحة صغيرة من الجاليات المسلمة. كم منا يصر على طفلته ذات التاسعة من عمرها أن تلبس الحجاب؟ ثم ألا يحق لهذه الطفلات أن يعشن طفولتهن بدلاً من أن يتحولن بين ليلة وضحاها من طفلة إلى “عورة” تَجبُ تغطيتها؟
عن أية حرية تدافعين عنها هنا؟
ثانياً، جاء التقرير ساعياً إلى حماية اقلية دينية خاصة في ظل تصاعد مد التيار اليميني المتطرف في بعض البلدان الأوروبية. وهو أمر هام وضروري، خاصة وأن هذا التيار يؤسس لمواقفه من خلال فكر غوغائي عنصري، يقوم على التخويف من الأخر.
رغم ذلك، اظل مصرة أن هناك جوانب كان لابد لتقريرك الإشارة إليها عند الحديث عن واقع هذه الجاليات. كان لا بد أن تدافعين عن حقوق الأقلية ضمن هذه الأقلية، وأعني تحديداً المرأة والطفل.
في سويسرا تمكن حزب الشعب السويسري اليميني في عام 2009 من تمرير استفتاء شعبي أدى إلى حظر بناء المآذن على المساجد.
لم يكن أحد منا يتوقع أن تنجح هذه المبادرة. فالشعب السويسري معروف بتسامحه. لكن ما حدث هو العكس.
وما حدث كان تعبيراً عن ردة فعل على قضايا اجتماعية مسكوت عليها.
لم يفعل الحزب أكثر من أن شن حملة انتخابية تحدث فيها عن قضايا الزواج القسري للفتيات، عن عمليات ختان الإناث، ثم عن العنف الذي تتعرض له المرأة لدى بعض شرائح الجاليات المسلمة. ثم وضع كل هذه القضايا في سلة واحدة وأسماها مآذنة! فصوّت الناخبون بنعم.
المشكلة أن الحزب لم يخترع أي من هذه القضايا، فهي موجودة. وهي موجودة لدى بعض الشرائح، ولا اقول الكل. لكن الحزب لم يكن يهدف من خلال الحديث عن هذه القضايا البحث عن حلول لها. لا. كان يريد فقط التشهير بديانة محددة كي يحصل على اصوات انتخابية.
أدرك أن دوافع هذه الانتهاكات قد تكون اجتماعية وثقافية أكثر منها دينية، بيد ان الصمت عن هذه القضايا يوفر بيئة خصبة لأحزاب اليمين المتطرف لاستغلالها سياسياً.
كنت لذلك أتوقع في توصياتك أن تشيري ولو من بعيد إلى وجود مشاكل مجتمعية تتعرض لها المرأة والطفل داخل بعض شرائح هذه الجاليات (اقول البعض ولا أقول الكل)، وأن على الدول الأوروبية أن تبحث عن حلول لها. لكن توقعي عاد من جديد على ادراجه خائبا.
ثالثاً، وأخيراً، وربما ألأهم في كل هذا، لم يتطرق التقرير إلى التمييز القانوني الذي تتعرض له المرأة في دولة كبريطانيا. بريطانيا هي من اكثر الدول ليبرالية في التعامل مع الأقليات الدينية، وهو أمر تُشكر عليه. لكن هذه الليبرالية تحولت إلى تمييز قانوني ضد المرأة عندما سمحت الدولة هناك بمحاكم إسلامية تطبق مبادئ الشريعة في قضايا الزواج والطلاق والإرث.
لم يتطرق التقرير لا من بعيد ولا قريب إلى هذه القضية التي أدت إلى انتهاك صارخ لحقوق هذه النساء، خاصة وأن احكام الفقة المطبقة في هذه المحاكم تعطي للرجل ولاية على المرأة، ولا تساوي بين الأخ وأخته في حقوق الأرث، كما انها تميز ضد المرأة في مسائل النفقة، والحضانة، والطلاق، وتبرر ضرب الرجل لزوجته بتبريرات دينية.
هل تريدين مثالاً؟ المحاكم الإسلامية تعطي للفتاة نصف ما يحصل عليه أخيها في الأرث. أما المحاكم البريطانية فتعطي للفتاة نفس حصة أخيها!
هل تريدين مثالاُ؟ أحد القرارات التي صدرت عن مجالس الشريعة (وهي تختلف عن هيئة المحاكم الإسلامية) اصرت على حرمان امرأة مسلمة متزوجة من غير مسلم من أطفالها إلى أن تتزوج من مسلم!!
هل تريدين مثالاً؟ قرار أخر لنفس المجالس أعتبر أن من واجب المرأة أن تلبي رغبات زوجها الجنسية، ارادت أم لم ترد. يعني غصباً عنها!!
هل تريدين مثالاً؟ عندما تلجأ إمرأة مسلمة إلى هذه الهيئات لأن زوجها يضربها، فإن ردة الفعل هي محاولة إقناعها بالعودة إلى زوجها، ذلك الذي يضربهاَ!!
لماذا صمت تقريرك عن هذا الانتهاكات التي تحدث؟ وهي معروفة وموثّقة!
لماذا لم يدافع عن حقوق هذه النساء؟
لماذا اختار ان يشيح بوجهه عن هذه القضية؟
بحثت عبثاً عن توصية إلى حكومة بريطانيا يطالبها بتطبيق قانون واحد على كل سكانها، ويعاملهم جميعاً على قدم المساواة، رجالاً كانوا أو نساءاً، مسلمين أو غير مسلمين.
بحثت عن هذه التوصية عبثاً.
ولذلك اسألك. ثم أعتب عليك، عتاب الصديقة المحبة.
فأنا وانا انتقدك في هذه السطور أظل مقتنعة برسالتك الداعية إلى حماية حقوق الإنسان. ومقتنعة بأهمية دورك كصوت للضمير الإنساني.
ولأنك تمثلين لي صوتاً صادقاً محايداً، كان من واجبي أن اطالبك بان لا تخوني مبادئك.
لا تخوني مبادئك.
ثم أتخذي موقفاً صارماً تجاه كل انتهاك يحدث، سواء ضد هذه الأقلية او داخلها.
* كاتبة يمنية – سويسرا
رسالة مفتوحة إلى منظمة العفو الدولية
الاخت الفاضلة الهام
من خلال اطلاعي على الجالية المسلمة في أوربا
والمشاركة في بحث مشاكلها ومعالجات هذه المشاكل منذ اكثر من ثلاثين عاما ومن خلال ممارستي المهنية في المجالات النفسية والاجتماعية أرى أنك قد ركزت على الحالات الشاذة وليس على الغالب وخاصة في أوربا
وقد كان البحث الذي نقدتيه أقرب الى الصواب
رسالة مفتوحة إلى منظمة العفو الدولية الاستاذة الهام المحترمة، شكرا لك على هذا المقال الشجاع. مقال كهذا لا يمكن نشره في بلد عربي او اسلامي، الامر الذي يعني ان المساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة في القرن الحادي والعشرين ستظل مجرد كلمات جوفاء لا قيمة عملية لها. لن تتقدم مجتمعاتنا طالما ان نصف المجتمع حقوقه مهضومة بحجج واهية. حبذا لو ترجمتِ مقالتك هذه او طلبت من اسرة تحرير الشفاف ان تترجمها الى الانجليزية او الفرنسية او الى كلتيهما كي يفهم الاوروبيون ما يحدث في عقر دارهم ، على امل ان تبدأ النهضة النسوية العربية والاسلامية في اوروبا وتنتقل الى البلاد الاصلية… قراءة المزيد ..