عندما قرأت مقابلة الاستاذ عبد الرحمن الجفري التي أجراها معه الزميل الصحفي أحمد ناصر الشريف عام ٢٠١٠ ونشرتها صحيفة “الجمهورية” قبل يومين، تأكد لي أن الأفكار الأمينة تظل حية لا تموت وأن من رفض سماع النصائح وقتها أصبح مجبراً الآن على تنفيذها حرفيا الآن. المقابلة الآن منشورة في “الجمهورية” وتتحدث عن نفسها ولا داعي لتفصيل محتوياتها فهي أطول من أن تسعها هذه المساحة.
ولكن ما ورد فيها يقودني إلى مقالات كتبتها قبل اندلاع ثورة تونس وقبل ثورة مصر وقبل ثورة الشباب، وكنت وقتها مدركاً أن التغيير في اليمن قادم لا محالة. ومن بين ما كتبته، قبل حوالي ثلاث سنوات، نصيحة صادقة للرئيس علي عبدالله صالح أن يتمعن فيما يجري حوله وأن يرحل قبل أن يُجبَر على الرحيل. وأعيد هنا تكرار النصيحة كما وردت في صحيفة “المصدر” في مايو ٢٠٠٩:
لم ألمس في حياتي الصحفية على الإطلاق إجماعاً محلياً وإقليمياً ودولياً على ضرورة التغيير في اليمن مثلما لمسته خلال الأسابيع الأخيرة. ولو أن الرئيس علي عبد الله صالح، يمعن التفكير في التطورات المتلاحقة، لأدرك أن البيانات والتصريحات الأميركية والأوروبية والعربية المتتالية المؤيدة لوحدة واستقرار اليمن موجهة ضده وليست لصالحه. بل إنها تتفق مع رؤية قادة التشاور مهما حاول هؤلاء التخفيف من حدة نبرتهم تجاه سلطة مغامرة لن تتردد في إعلان حالة الطوارئ وارتكاب الجرائم باسم الدفاع عن الوحدة.
الكل يدرك أن شعار الوحدة حق يراد به باطل، وأن الخلل ليس في الوحدة وإنما في سياسات الرئيس التي أدت إلى نشوء بؤرة نزاع جديدة في اليمن قد تزعزع استقرار المنطقة، وبالتالي فإن أطرافا كثيرة إن لم نقل أنها تعمل بجد لإنقاذ اليمن من مصير مجهول، فمن المؤكد أنها تفكر بصمت في كيفية إزاحة الخطر عن اليمن العزيز، حتى ولو أدى ذلك إلى إزاحة رئيسه المتشبث بالسلطة أكثر من تشبث شمعون بيريز بها وعشقه لها.
لو كان الرئيس يدرك ما يرسم له من مصير، لحلق لنفسه قبل أن يحلق له غيره. ولو كان الرئيس يدرك أنه شخصيا أكبر عقبة أمام التغيير المقبل في اليمن، وأكبر عقبة أمام تحقيق حياة كريمة لكل يمني، لتنحى عن السلطة باختياره، قبل أن يتسلق الجائعون الثائرون أسوار المجمع الرئاسي.
لو كان الرئيس يدرك أن الأيام دول وأن التغيير سنّة من سنن الحياة، وأن الثأر ظاهرة من ظواهر اليمن، لتمعن في قول حكيم البلاد الراحل العظيم عبد الله البردوني في ديوان جواب العصور:
يا بنت أم الضمد قولي لنا … أي علي سوف يخصي علي؟
ويجيب حكيم آخر: إن علي صالح تمكن من إزاحة البيض خارج الملعب عام 1994 لأن الأول كان لديه أسلحة فتاكة للتفكير والتدبير، من بين هذه الأسلحة، أدمغة أشخاص لهم وزن كبير، وقادرون على قول “لا” للرئيس وتعديل أخطائه، وكان من بينهم، عبد السلام العنسي، ويحي المتوكل، وعبد الحميد الحدي، وأحمد الأصبحي، ومجاهد أبو شوارب، وعبد الكريم الإرياني، ومحمد سالم باسندوة، إلى جانب عبدالولي الشميري، وعلي محسن الأحمر، وصالح الضنين وعبدالإله القاضي، ورئيس البرلمان الشيخ عبدالله الأحمر، وغيرهم، أما الآن فلم يعد مع الرئيس سوى المفكر الكبير نبيل الصوفي والمدبر العظيم حافظ معياد والقائد المغوار طارق صالح، والقائد العام أحمد علي، والسكرتير النشط فارس السنباني، في وقت أصبح فيه الراعي والرعوي أكبر رمزين للسلطة التشريعية والسلطة الرابعة على التوالي.
وهؤلاء العمالقة المحيطون بالرئيس سوف يستعينون بحقيبة عزيز الأكوع المليئة بالدولارات لمواجهة أقزام كبار، من أمثال محقق الوحدة اليمنية علي البيض، ومنقذ الرئيس الصالح، الرئيس علي ناصر محمد، وبطل أبين محمد علي أحمد، ورجال الميدان صالح الشنفرة وناصر الخبجي وحسن باعوم.
إن آخر ورقة بدأ يلعب بها الرئيس وسمعناها منه في خطابه بعيد الوحدة المباركة، هي تخييرنا بين القبول به أو القبول بالشيطان والطوفان. وبما أن الأعراف الدبلوماسية ومقتضيات العلاقات بين الدول لا تسمح لدول الجوار بمصارحة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، بالمصير الذي ينتظره إن استمر في إرهاب شعبه للقبول بسلطته الفاشلة، وإرهاب الدول المجاورة بتصدير الإرهاب إليهم، فإني من خلال موقعي الصحفي أقول للرئيس بكل بساطة، ” إننا نقبل بالشيطان ونقبل بالطوفان” لأن الشيطان ربما يكون أكثر رحمة، والطوفان أقل خطرا من استمرار نظامك بمثل هذه الهمجية.
نحن بحاجة إلى شيطان جنوبي كي نحافظ على ما تبقى من الوحدة. ولكن على هذا الشيطان أن يفكر في احتلال صنعاء قبل التفكير في تحرير عدن، لأن السعي لتحرير عدن من الاحتلال النفسي، يخدم علي عبد الله صالح ويمدد في حكمه. في حين أن أبناء الجنوب لا يحتاجون إلى تاج بل إلى قائد أكثر ذكاء من أمثال الزعيم السوداني الراحل جون قرنق. لقد حقق ذلك الراحل العظيم الحرية المنشودة لأبناء جنوب السودان بمجرد وصوله إلى قلب الخرطوم كشريك فاعل في السلطة.
نحن بحاجة إلى قائد يمني جنوبي يبدأ في تحرير عدن باحتلال صنعاء. وأنا هنا أتساءل لماذا يطمح أبناء الجنوب اليمني بتحرير عدن في حين أن احتلال صنعاء أصبح أكثر أكثر سهولة، بعد أن تفرقت ألوية الحرس الجمهوري بين صعدة وردفان والضالع وأبين وحرف سفيان.
هذا السؤال مطروح على الأستاذ علي سالم البيض الذي وصفه الرئيس علي عبد الله صالح ذات يوم بأنه صاحب الفضل الأول في تحقيق الوحدة اليمنية. فمن سيكون صاحب الفضل الأول يا ترى في إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، لتصبح راسخة كرسوخ الجبال فعلا وليس قولا؟ هذا ما ستجيب عنه الشهور القليلة المقبلة.
كاتب يمني