“هذا يعني أنه لم يكن المسؤول عما حدث. اليس كذلك؟”
سألتني إبنتي، إبنة العاشرة، واحسست في سؤالها إبتهالاً. كأنها تريد أن تعفيه من تداعيات ما فعله.
وأنا رددت عليها: “بل يتحمل أيضا المسؤولية. لأنه في النهاية كان قادراً على الإختيار. كان بإمكانه أن يقول لا”.
كان بإمكانه أن يقول “لا”.
لكنه لم يقلها.
فكان عليه ان يتحمل تداعيات ما حاول فعله.
كنا نتحدث عن الشاب النيجيري الذي حاول تفجير نفسه وركاب طائرة متوجهة إلى ديترويت في أعياد الميلاد.
كنا نتحدث عن فِعله.
حدثتها عن حياته، كإبن لعائلة مرموقة في نيجيريا، وعن مستقبله الذي كان يمكن ان يكون مشرقاً. وعن أسرته، عن أبيه، و حرقة قلب والديه. آه، من لديه إبن أو إبنة سيدرك لوعة قلبهما. كيف ضاع إبنهما منهما؟ وكانا قد وفرا له افضل السبل كي يشق حياته.
ثم حكيت لها عن زيارته إلى اليمن، ثم إلى بريطانيا، وكيف اجتمع عليه إسلاميون، غسلوا دماغه غسلاً، فنسي أهله، ونسي مستقبله، بل كره أهله، وكره حياته. وعندما قالوا له إن الإيمان يعني أن ينتحر ويقتل غيره في الوقت ذاته! صدقهم. أستقل طائرة يريد ان يفجرها.
لهذا قلت لها إنه “أيضا” يتحمل المسؤولية.
فأنا لم انس انه زار اليمن. وأن تقارير عديدة اخرها ما ذكره توماس فريدمان في مقاله المنشور في الهيرالد تريبون في السابع من يناير، اظهرت أنه ارسل إلى اسرته من اليمن يحدثهم عن “إكتشافه” “للإسلام الحقيقي”.
لم أنس أن زيارته تلك، و”إكتشافه” ذلك، جعله يتحول إلى “إسلام” يدعو إلى القتل والإرهاب. “دين” لا يجد ما يضير في قتل الإنسان لنفسه. في الإنتحار. ويشجع من يرغب في الإنتحار على قتل غيره. قتل الطفل والمرأة والرجل والشيخ. قتل الإنسان.
ويسموه جهاداً؟ بل إسمه إرهاب.
سموا الأشياء بأسمائها. لا تضللوا العقول، كي لا يسقط شاباً مثله من جديد في الفخ.
ولم أنس أن هناك من غسل دماغ ذلك الشاب. غسلها غسلاً، في اليمن، وفي بريطانيا حيث تنتشر أيضاً حركات إسلامية، تصر أنها “إكتشفت اسلاماً حقيقياً”، وتدعو مريديها إلى القتل، تدعوهم إلى “الجهاد” ( لاتنسوا إسمه من جديد) تدعوهم إلى الإرهاب.
ورغم أني لم أنس كل هذا، لم أنس ايضاً ان الشاب أختار.
إختار.
فميزة الإنسان مقدرته على الإختيار.
كان بإمكانه أن يقول “لا”.
كان بإمكانه أن يفكر. أن يتدبر. ان يتساءل: “كيف يكون قتل البريء طريقاً إلى الله؟ أي رب يدعو إلى القتل؟ ولماذا يرسلوني أنا، أنا من دون غيري، للإنتحار والقتل؟”
كما كان بإمكانه أن يتراجع عن الفكرة.
كان بإمكانه أن ينظر إلى وجوه المسافرين معه على متن الطائرة، الأم تحنو على طفلها، الصغير يبتسم وهو يلعب، الزوج والزوجة يتحدثان، المسن يتحرك في مقعده قلقاً، والشابة سعيدة بلقاء إسرتها في الأعياد، أن ينظر إلى وجه الإنسان من حوله، ويتساءل، ماذا فعلوا كي يستحقوا القتل؟ بأي ذنب أقتلهم؟ ولو طرح السؤال على نفسه، ما كان سيجد جواباً.
لكنه لم يتراجع. فكان عليه أن يتحمل مسؤولية ما فعله.
الإثنان يتحملان المسؤولية.
الجماعة التي غسلت دماغ الشاب، والشاب الذي أختار.
ففي النهاية ما يصنع الإنسان هو قراره.
لكن الصورة لم تكتمل بعد.
نحن أيضاً نتحمل المسؤولية فيما يحدث اليوم، في هؤلاء الشباب الذي يفجرون أنفسهم في العراق، في أفغانستان، في باكستان، في داغستان، وفي العالم بأسرة، يرهبون العالم لأننا صامتون.
نحن.
نحن: قنواتنا التلفزيونية التي تُمجد ثقافة “الجهاد”، فيصدقها الشباب برئياً، ليقدم على القتل والإرهاب. وإعلامنا يحول المحرضين من نوعية يوسف القرضاوي (لم أسمعه يوماً يحرض على الجهاد ضد قطر؟) وعبدالمجيد الزنداني، هذا عدا شيوخ السلفية الوهابيين، يحول هؤلاء إلى أبطال، ينظر إليهم شبابنا اليافع مصدقاً مبهوراً، لا يدري أين سيقوده إنبهاره.
نحن: حكوماتنا التي ما فتئت تغازل الإسلام السياسي، تجيره لصالحها، تظن أنها ذكية، حتى أنقلب ضدها، فأصبحت اليوم تخافه، ولإنها لازالت تخافه لم نسمع الى يومنا هذا مسؤولاً يخرج علينا يدين “الجهاد” ويسميه بإسمه ( لا تنسوه من جديد)، إسمه “إرهاب”.
نحن: ديننا الإسلامي نتعامل معه كأنه حجر صلد ننحني أمامه كأنه صنم. نرفض أن نقر أن ديننا في حاجة إلى إصلاح جذري، وإن هذا الإصلاح لن يجد طالما لم نقر بالطبيعة البشرية للقرآن والسنة، كي نصل إلى مرحلة تمكننا من القول: “نعم، هناك نص في القرآن، لكن هذا النص لا يعنينا اليوم”. في الواقع، اليوم، يتوجب علينا أن نفصل بين الدين والدولة كي نتمكن من أن نحيا.
نحن: من يرفض ما يحدث ويظل رغم ذلك صامتاً. يظن أن في الصمت الأمان، ليصحو يوماً على إبنه منتحراً قاتلاً.
نحن إذن مسؤولون أيضاً.
كذلك الشاب النيجيري ومن غسل دماغه.
عن نفسي، اعتدت أن اتحمل مسؤوليتي، ولذا قررت من جديد أن لا أصمت.
قررت أن أبدأ سلسلة جديدة تحت عنوان “من أجل إسلام إنساني”. أتحدث فيها عن الهوية، عن حرية الإختيار، عن طبيعة القرآن، وعن المرأة في ديننا. وقبل كل هذا سأتحدث عن مضامين دعوة الإسلام السياسي، مضامينها الفاشية.
وسأفعل ذلك كل إسبوعين، في موقع شفاف الذي أستضافني دوما، ولذا اظل ممتنه له، وعلى صفحات جريدة النداء اليمنية المستقلة، التي اشكرها على إستضافتها الدائمة، وعلى مدونتي أيضا.
قد أتأخر بضعة أيام، فلا تنزعجا، أنتَ وأنتِ، مني.
فأنا أعمل كما تعرفا، أعمل كي اتمكن من كتابة هذه الكلمات وأنا حرة.
لكني لن أتأخر أكثر من ذلك.
فقراري ببساطة لا يزيد عما يجب أن نفعله نحن جميعاً، أن نبدأ بقول كلمة “لا”، “لا” لفكر يقتل آدميتنا، يبرر القتل والإرهاب، ويدعو شبابنا، كالنيجري الشاب، إلى الإنتحار والقتل، ويدفعه دفعاً إلى الجحيم بدعوى أن “في القتل الخلاص”.
هذا الفكر أرفضه، جملة وتفصيلاً.
وسأعبر عن رفضي له بالكلمة.
ففي البدء، كما تعرفون، كانت الكلمةَ!
علينا أن نختار! الاستاذة الهام احييك على شجاعتك في طرح هذا الموضوع الشائك و الذي يتحاشاه الكثير من المثقفين بسبب الخوف او المصلحة. ولدي سؤال بسيط على تعليقك التالي 🙁 أن نبدأ بقول كلمة “لا”، “لا” لفكر يقتل آدميتنا، يبرر القتل والإرهاب، ويدعو شبابنا، كالنيجري الشاب، إلى الإنتحار والقتل، ويدفعه دفعاً إلى الجحيم بدعوى أن “في القتل الخلاص”. هذا الفكر أرفضه، جملة وتفصيلاً. وسأعبر عن رفضي له بالكلمة. ففي البدء، كما تعرفون، كانت الكلمةَ!) هي تعتقدين بان هذا الفكر الذي تريدين كشفه ليس له اصول في القران و السنة؟ ماذا ستفعلين لو اكتشفتي بان هذا الفكر الارهابي يستقي افكاره من… قراءة المزيد ..
علينا أن نختار! كيف يفقد الشباب “المناعة” ضد التطرف؟ د. عبد الحميد الأنصاري لولا لطف الله بالركاب الـ300، وسرعة تصرف بعض الركاب الشجعان الذين رموا أنفسهم على الشاب النيجيري الانتحاري الذي أشعل الشحنة الناسفة محاولاً إسقاط الطائرة فوق مطار “ديترويت” بالولايات المتحدة، لكانت النتائج والتداعيات كارثية على الجميع، على المسلمين عامة، وعلى الجاليات الإسلامية في الغرب خاصة، بل وعلى الرئيس الأميركي “أوباما” أيضاً، لاسيما أنه متهم من قبل خصومه بعدم الحزم مع الإرهاب منذ أن ألغى عبارة “الحرب على الإرهاب” والتي كانت شعاراً مهيمناً للمرحلة السابقة إبان عهد بوش. لقد كان من شأن نجاح ذلك العمل الإرهابي، نجاح “القاعدة” في… قراءة المزيد ..