في مؤتمر صحفي حافل بنادي الصحافة في العاصمة الأمريكية، وجه مائة شخصية عامة، يوم الثلاثاء 10 مارس 2009، رسالة مفتوحة للرئيس الأمريكي باراك أوباما، يُطالبونه فيها بإعطاء الأولوية لدعم الديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي.
وكان مركز دراسات الإسلام والديمقراطية (CSID)، الذي يديره الناشط الأمريكي ـ التونسي د.رضوان مصمودي، هو الذي أخذ زمام المُبادرة في تنظيم حملة أمريكية ـ عالمية، شارك فيها العديد من الشخصيات العامة ذات الاهتمام والخبرة بشئون العالمين العربي والإسلامي. وشملت أقطاباً من الحزبين الديمقراطي (الحاكم حالياً) والجمهوري (الحاكم سابقاً)، ومن الدبلوماسيين الذين خدموا لسنوات طويلة في عواصم عربية وإسلامية، وأساتذة جامعيين، وإعلاميين، وأعضاء سابقين وحالين في الكونجرس.
كذلك كان من الموقعين على الرسالة المفتوحة للرئيس الأمريكي العديد من الشخصيات العامة المسلمة، سواء تلك التي تعيش في بُلدانها، أو في المنفى، أو في المهجر.
وكان ضمن من تحدث في المؤتمر الصحفي كل من د. ميشل جين، الدبلوماسية التي خدمت في القاهرة، ثم في مجلس الأمن القومي، وتعمل حالياً خبيرة في مؤسسة كارنيجي للسلام، ود. لاري دياموند، أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة ستانفورد، ورئيس تحرير مجلة الديمقراطية، ود. جنفيف عبده، الكاتبة المعروفة في الإسلاميات، وكاتب هذه السطور.
فماذا تقول الرسالة للرئيس الأمريكي؟
بدأت الرسالة بتهنئة الرئيس أوباما على انتخابه، واحتفاء العالم كله بهذا الحدث غير المشهود، وما يعقده الناس عليه من آمال، في إعادة قيادة أمريكا للعالم، لا بقوتها العسكرية وثرواتها الاقتصادية فحسب، ولكن بتأكيد القيم الأمريكية الرفيعة، في الدفاع عن الحُريات والديمقراطية وحقوق الإنسان.
ثم دخلت الرسالة فوراً إلى قلب موضوعها، وهو دعم الديمقراطية في العالم الإسلامي.
ولم تتردد الرسالة في مًصارحة أوباما بهواجسهم، والتي كان أولها، حرص الإدارة الجديدة على الابتعاد عن كل ما مثلته الإدارة السابقة له فوراً، وهي إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، سواء في سياسياتها أو شعارتها أو مُمارساتها، والتي كان بينهما “أجندة الحُرية” (Freedom Agenda) ودعم الديمقراطية (Democracy Promotion). وشبّهت د. ميشيل جين الموقف، بأنه حتى إذا كان بوش قد أساء في مُمارساته لمبادئ الحُرية والديمقراطية، فلتتوقف هذه الممارسات الخاطئة، التي هي أشبه بالمياه الملوثة بعد حمّام الطفل، ولكن نكتفي برمي تلك المياه الملوثة، دون أن نرمي معها الطفل. وهو مثل أمريكي معروف: ‘Throwing the bathe water without throwing the baby” . والديمقراطية هي المقابل للطفل، في هذا القول المأثور ومن ثم لا ينبغي التضحية بالديمقراطية نفسها، وإدارة أوباما في معرض تخلصها من الممارسات الملوثة لإدارة الرئيس السابق بوش.
أما د. لاري دياموند فقد حرص على تذكير الإدارة الجديدة لأوباما بأن الدعوة لإعلاء قيم الحرية والديمقراطية وحقوق تسبق إدارة بوش السابقة بثمانين عاماً على الأقل، حيث تعود إلى إدارة ودرو ويلسون، منذ الحرب العالمية الأولى، وضمن حق الشعوب في تقرير المصير. وهو المبدأ الذي ألهم الثورات الوطنية في مصر والعراق والهند. كما أن من جاءوا بعد ذلك من رؤساء أمريكيين ـ مثل روزفلت، وأيزنهاورد، وكيندي، وكارتر، وكلنتون، قد أكدوا نفس المبادئ. وأن ذلك هو ما ينبغي على أوباما أن يتذكره، ويقتدي به…
أما د. جنفيف عبده، فقد ذكّرت أوباما بالإرث الإسلامي في خلفيته، من خلال أبيه الكيني المسلم حسين أوباما، ومن خلال نشأته في صباه في أكبر بلد مسلم، وهو إندونيسيا. وأن أضعف الإيمان هو الوفاء لهذا التراث بمساعدة المسلمين على تحرير أنفسهم من الطغاة الذين يُجثمون على صدورهم.
وأخيراً كان حديثي في المؤتمر الصحفي هو أن يُركز أوباما في تعامل بلاده مع البلدان الإسلامية على الشعوب، الذين هم أكثر دواماً من الحكّام، وأن هذه الشعوب تنشد العدالة والحرية والعيش الكريم، وأن العدالة تتحقق بحكم القانون، واستقلال القضاء، والحرية تتحقق بإعلام حر، يُعبّر عن هموم الناس، والعيش الكريم يتحقق بتنمية حقيقية تشارك فيها الدولة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني. وحينما يتم ذلك فإن الديمقراطية ستأتي تلقائياً على أيدي أصحاب المصلحة فيها، وسيذكرون أوباما وأمريكا بالخير، عوضاً عن قذفهما بالأحذية واللعنات!
لماذا اختار المسلمون الأمريكيون هذه الوسيلة في مُخاطبة أوباما؟
بداية، تمثل هذه المُبادرة تجسيداً لما أشرنا إليه في الأسابيع الأخيرة من أن المسلمين والعرب والمصريين الذين يعيشون في أمريكا، سواء فيها أو هاجورا واستقراوا فيها، قد شبّوا عن الطوق، وتعلموا وسائل التنظيم ومهارات التأثير في صناعة القرار، سواء في الشئون الأمريكية أو شئون أوطانهم الأصلية. ويمكّنهم من ذلك أجواء الحرية والمجتمع المفتوح الذي يعيشون فيه ـ أي الولايات المتحدة. وأهم من ذلك فهم يتعلمون من جماعات الضغط الأخرى ـ مثل الأمريكيون اليهود، والأيرلنديين، والإيطاليين، والكوبيين. فأمريكا في البداية والنهاية هي مجتمع أقليات وافدة من كل الدنيا. وهم من يُسمون “أمريكيون بشرطة” بمعني أن كل من هذه الأقليات يُطلق عليها “أمريكيون ـ ” تليها شرطة، يلياها اسم البلد الذي أتت منه هذه الأقلية، كأن نقول أمريكيون ـ بولنديين، أو أمريكيون ـ عرب، أو أمريكيون ـ مسلمون. ويُعتبر العرب والمسلمون أخر الجماعات الوافدة التي تنظم صفوفها كجماعة ضغط في الولايات المتحدة. وفي هذا السياق جاءت مُبادرة د. رضوان المصمودي باسم مركز دراسات الإسلام والديمقراطية، والتي تجاوزت “الأمريكيين ـ المسلمين”، إلى أصدقائهم وأصدقاء الديمقراطية من أمريكيين آخرين، ومن مسلمين خارج الولايات المتحدة.
أما السبب الثاني للمُبادرة في هذا التوقيت فهو أنشطة مُمثلي الأنظمة الحاكمة المستبدة، وخاصة العربية منها، في واشنطن، والتي تروج مقولة أن الشعوب العربية والمسلمة ليست قادرة ولا راغبة في الديمقراطية، وأن مُمارسة الديمقراطية، إما أنها تأتي بالفوضى والحرب الأهلية، كما يحدث في العراق، أو تأتي بإسلاميين متطرفين كما حدث في غزة (2006)، وقبلها في مصر (انتخاب 80 من الإخوان المسلمين) (2005). وقد لا يعلم كثير من القرّاء أن الأنظمة المستبدة تتعاقد مع مؤسسات علاقات عامة في واشنطن، وتدفع لها الملايين من الدولارات سنوياً، لإقناع أعضاء الكونجرس والقيادات التنفيذية والإعلامية بهذه المقولات. وكان لا بد من الرد عليها، قبل أن يُصدقها أوباما، أو يُجابه بأغلبية في الكونجرس تكون قد ابتلعت هذه الادعاءات.
ومصداقاً لهذين الهاجسين أن وزيرة الخارجية الأمريكية في الإدارة الجديدة، وهي هيلاري كلينتون، حينما تحدثت عن أركان السياسة الخارجية في عهدها وهي “الدبلوماسية” ، و”التنمية”، و”الدفاع”. وهذه الكلمات الثلاث تبدأ بحرف (D): Diplomacy , Defers , Development . وتغيب الديمقراطية، وهي تبدأ أيضاً بحرب (D). وقد انتقدتها افتتاحية الواشنطن بوست منذ أيام (10/3/2009) بسبب ذلك، وخاصة على تعليقاتها أثناء زيارتها للعاصمة الصينية بكين، حيث قالت ما معناه أن الولايات المتحدة لن تجعل الدعوة للديمقراطية وحقوق الإنسان تكون عقبة في تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وطالبت الصحيفة، ذات التأثير الواسع في دوائر صناعة القرار، الرئيس أوباما شخصياً بأن يُعيد مسألتي الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى مكانها في صدارة أجندة سياسة أمريكا الخارجية.
وقد تزامنت افتتاحية الواشنطن بوست مع الرسالة المفتوحة من مسلمين أمريكا إلى أوباما، فلعل وعسى أن يسمع هو ورؤساء دولنا الإسلامية إلى “نداء المعذبين في الأرض” آمين.
من سفر المنفى
semibrahim@gmail.com