خصّ الرئيس الأمريكي الجديد، باراك حسين أوباما، المسلمين والعرب بالحديث مرتين في أسبوع واحد، في بداية عهده بالسُلطة، في أقوى وأغنى دولة في التاريخ.
كانت المرة الأولى في خطاب تنصيبه (20/1/2009)، وهو ما تحدثنا عنه في مقال سابق (31/1/2009)، حيث توجّه للعالم الإسلامي، مُناشداً البدء بصفحة جديدة من الاحترام والتعاون المُتبادلين. والمرة الثانية في حديث له مع قناة العربية الفضائية في مُقابلة مع الصحفي اللامع هشام مُلحم في البيت الأبيض (28/1/2009)، والتي هي موضوع هذا المقال.
وجدير بالتنويه أن هذه سابقة، في تاريخ العلاقات العربية الأمريكية. فلم يُخاطب أي رئيس أمريكي المسلمين مُباشرة، ولا بهذا التكرار في حيّز زمني قصير. كما لم يُخاطب أوباما أي منطقة جُغرافية، أو كتلة إنسانية ـ حضارية أخرى، مثلما فعل مع العرب والمسلمين. من ذلك أنه لم يتوجه بخطاب خاص “للأفارقة”، أو “الأسيويين”، أو أمريكا اللاتينية، أو حتى للأقطاب الأخرى في العالم ـ مثل روسيا، أو الصين، أواليابان، أو الاتحاد الأوروبي. كما أنه توجه للشعوب مباشرة، وليس للحكّام.
هذا معناه أن هناك فرصة تاريخية حقيقة للتعامل مع مُشكلات منطقتنا بجدية و”إنصاف”، وهو ما لم يحدث منذ رئاسة جيمي كارتر (1977ـ1981). الإنصاف في هذا السياق يعني “العدالة النسبية”، وليس “العدالة المُطلقة”. فلا أوباما، ولا أبو أوباما سيُعيد “فلسطين عربية من البحر إلى النهر”، ولا سيحرر لنا كل القدس، أو يستعيد لنا الأندلس. ولكنه سيتعاطف مع مطالبنا “المشروعة”، التي تستند إلى الواقعية والشرعية الدولية.
نقول هذا، لأن لدينا في مصر قول شعبي مأثور، منطوقه “إنه إذا كان حبيبك (أو صديقك) عسل، ما تلحسوش كُله”. ومعناه، ألا يُبالغ الإنسان في الاندفاع نحو من يُحب، أو يُسرف في توقعاته منه. فقد يؤدي ذلك إلى النفور أو الاختناق. وهو نفس المعنى الذي يُعبّر عنه قول مأثور أخر، هو “من الحب ما قتل”!
فماذا قال أوباما في مُقابلته مع “قناة العربية”، مع هشام مُلحم ويستحق التأمل والمُبادرة المتبادلة منا كعرب ومسلمين؟.
بداية، أعاد أوباما تأكيد ما كان قد قاله في خطاب تنصيبه، من أن الأمريكيين لا يُضمرون عداوة للمسلمين، وأنه يريد بدء صفحة جديدة من الاحترام والتعاون المتبادل. ولكنه ذهب أبعد من ذلك في مُقابلته مع “قناة العربية”، وهو تهيّئوه لأن يقوم بدور المُفسّر للأمريكيين (وهم شعبه)، أن المسلمين “ليسوا إرهابيين”، وأن الذين ينطبق عليهم هذا الوصف، هم قلة ضئيلة للغاية. فإنه بنفس الروح يتوجّه إلى العالم الإسلامي برسالة فحواها أن الأمريكيين لا يكرهون المسلمين.
إن هذا العرض من الرئيس الأمريكي يعني بصراحة أنه سيقوم بما أخفق فيه العرب والمسلمون، إلى تاريخه، في تبليغ رسالتهم، وتنقية سيرتهم، وترميم صورتهم أمام الرأي العام الأمريكي. من ذلك أحد رسائله إلى شعبه “أن العالم الإسلامي زاخراً بالشخصيات المُتميزة”، وأنه لخسارة كبيرة ألا يتعامل الأمريكيون معهم.
كذلك كان أوباما واضحاً في ترحيبه بمُبادرة الملك عبد الله، العاهل السعودي، للسلام مع إسرائيل. وهي المُبادرة التي أقرّتها القمة العربية في بيروت منذ خمس سنوات، وتجاهلتها إسرائيل وإدارة جورج بوش.
وفي نفس الوقت، كان أوباما واضحاً أيضاً في “أن الولايات المتحدة حليفة لإسرائيل، وأنها ستظل كذلك خلال إدارته. وأنه يُدرك تماماً أن هناك قوى عديدة مُحبة للسلام في إسرائيل، وأنه ينوي التفاعل معها، كما مع القوى المُماثلة على الجانب العربي…”.
كذلك أدرك أوباما، وذكر ذلك صراحة أن “الصراع الفلسطيني… الإسرائيلي لا يمكن التعامل معه بدون أخذ أطراف شرق أوسطية أخرى في الحُسبان ـ في مقدمتها سورية ولبنان والأردن ومصر… بل حتى العراق وأفغانستان وباكستان وإيران. وبالتالي، فلا بد من نظرة شاملة لكل مشكلات المنطقة، والتي تتداخل مع بعضها البعض”.
ولم يفت أوباما أن توقعات الناس منه كثيرة ومُلحة. لذلك فقد كرر أكثر من مرة، أنه مع نيته الصادقة في البدأ مُبكراً مع قضايا الشرق الأوسط، وليس كما فعل سابقيه، اللذان انتظرا إلى العام الأخير من إدارتهما، إلا أنه لا يعد بنتائج سريعة. فهو لا يملك عصا سحرية. وكان أوباما قد تحدث بخطاب ولهجة مماثلتين فيما يتعلق بمُشكلات أمريكا الداخلية، وفي مُقدمتها الأزمة المالية الأخيرة. أي أنه من الواضح في منهج وأسلوب الرجل أنه لا يعد مُستمعيه في الداخل والخارج بما هو برّاق أو خارق لنواميس الطبيعة والمنطق. ولكنه يعد بأنه سيبذل كل جهده، وأنه سيستعين “بأهل الذكر”، ممن عُرف عنهم العلم والمُثابرة.
وهذا تحديداً ما فعله في قضايا الشرق الأوسط الكبير. فقد استدعى من التقاعد اثنين من أكفأ الوسطاء الأمريكيين اللذان يشهد سجلهما بإنجازات مُبهرة. أولهما، جورج ميتشيل، عضو مجلس الشيوخ السابق، وهو من أصل لبناني ـ سوري، والذي كان قد نجح في التوسط لإبرام مُصالحة تاريخية بين الطائفتين البروتستانتية والكاثوليكية في “أيرلندا الشمالية”، بعد مئات السنين من الشقاق، وعشرات السنين من الصراع المُسلح. وثانيهما دبلوماسي لامع هو السفير تشارلز هولبروك، الذي توسط بنجاح لتسوية الصراع الدامي في البوسنة والهرسك. وقد عهد إليه أوباما بملف “أفغانستان ـ باكستان ـ الهند”. ومرة أخرى، يرى أوباما أن التورّط الأمريكي في أفغانستان، لا يمكن إنهاؤه إلا بمشاركة متبادلة مع كلا الجارتين الكبيرتين (الهند وباكستان). وقد تأكد هذا التداخل، الهجمات الإرهابية على حي الفنادق في مُمباي الهندية، منذ شهور قليلة، والتي تؤكد مُعظم الشواهد أن المُهاجمين ينتمون إلى جماعة باكستانية مُتشددة دينياً، وحليفة لتنظيم القاعدة، الذي يتزعمه السعودي أسامة بن لادن، ونائبه المصري أيمن الظواهري. وهكذا، فإن أوباما على حق في رؤيته المُتكاملة لمُشكلات منطقتنا، التي يتداخل فيها، كما يقول المثل الشعبي، “الشامي والمغربي”.
تبقى قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهنا يبدأ أوباما، أستاذ القانون الدستوري السابق، بداية مُغايرة لجورج بوش. فقبل أن يعظ الآخرين خارج بلاده، فإنه يبدأ بأمريكا نفسها. من ذلك أنه يُشدد على “حُكم القانون” (Rule of Law) واستقلال القضاء. ومرة أخرى لكي يُثبت أنه يعني ما يقول، فقد أصدر أوامر رئاسية في اليوم الأول لرئاسته بإغلاق سجن قاعدة جوانتانامو، الذي تم اعتقال مئات الإسلاميين المُشتبه فيهم بالإرهاب، منذ تفجيرات برجي التجارة (نيويورك) ومقر وزارة الدفاع (البنتاجون) في 11 سبتمبر 2001، دون مُحاكمة. كما أصدر أمراً رئاسياً بمنع أي أجهزة أو مسئولين في الحكومة الأمريكية من مُمارسة التعذيب أو الضلوع فيه. لذلك فإن أغلب الظن هو أن إدارة باراك أوباما، ستعمل على تشجيع، (وليس الفرض، على الآخرين) على بناء البنية الأساسية للديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وهي حكم القانون، واستقلال القضاء وحُرية الإعلام ومنظمات المجتمع المدني.
وهكذا يعدنا أوباما بما هو ممكن ومرغوب… وبهذا المعنى فهو أقرب رئيس أمريكي إلى أن يكون “عسلاً” بالنسبة لنا. فهل نتجاوب معه شعوباً وحُكاماً، بألا نلحسه كُله!؟
semibrahim@gmail.com
من سفر المنفى
* العنوان الكامل للمقال: أيها العرب المسلمين إن كان أوباما عسلاً فلا تلعقونه كُلّه!
إن كان أوباما عسلاً فلا تلعقونه كُلّه!من اجل ان لا نبالغ في الحب لامريكا وحدها نقول باليمنية ( ابعد من حبيب يحبك, أي لاترمي بنفسك في احضانة حتى تعرف معدنة ) , فامريكا في كل الاحوال سوف تبادلنا الحب بالدرجة الاخيرة بعد اسرائيل , بريطانيا ,…., القضية ليس حب , شهر العسل لم ينتهي بعد ,المفاجئات قادمة , هدةمضاجعة سريعة اعلامية على الهواء , القضية مصالح , اسرائيل شوكة في حنجرة العرب قبل المسلمين , فأدا العراق في جيب الامريكان بعد 2003 ,تبقى القليل لان تصبح فلسطين كاملا في جيب اسرائيل , لبنان في جيب ايران مثل غزة .فالاجهار في… قراءة المزيد ..