للأديب السويسري العالمي فردريش دورنمات مسرحية بعنوان “رومولوس العظيم” بها مشهد في غاية الطرافة، خلاصته أن ضابطا رومانيا أقبل منهكا من الجبهة لينهي إلي الإمبراطور النبأ الفاجع: لقد هزم الجيش، وهاهي ذي روما تواجه خطر السقوط مالم يخرج الشعب ليفتديها بحياته.. فما كان من رومولوس إلا أن قال: لقد مات الرومان طيلة العصور فداء لعظمة الإمبراطورية، أفلا يصح أن تبرهن الإمبراطورية على عظمتها بأن تختفي ليحيا الرومان؟!
والمغزى أن الأفكار العظيمة إنما ُخلقت للإنسان، ولم ُيخلق الإنسان ليكون برهانا ً على عظمة الأفكار المحلقة في العالم ما فوق الواقعي Meta- reality.
يقبل بهذه الحقيقة كل من آمن بأن الحياة البشرية تستحق أن تصان، فهي الهدف من كل سعي، والغاية لكل نضال مشروع. بيد أن السيد إسماعيل هنية ليس واحدا ً من أصحاب ثقافة الحياة هؤلاء، ومن هنا فلقد جعل من العدوان الإسرائيلي المجرم فرصة لكي يسجل اسمه في لائحة الفيلسوف شوبنهور ( داعية الإنتحار فكريا ً ) بأن أصدر تصريحه الحماسي ” ليمت كل الغزاويين و لتبق غزة ” غير ملتفت إلى حجم التناقض اللغوي والوجودي في جملته، ذلك أنه لو تحقق الجزء الأول من جملته- لا قدر الله – لكان عليه أن يوضح لمستمعيه الكرام الكيفية التي سيبقى بها الجزء الثاني. هل سيبقى القطاع خاليا ً من السكان؟! أم يتحول إلى قبر كبير شاهد على ” عظمة “المقاومة؟! أم تراه سوف يستخدمها أيقونة ً في عالم المثل الأفلاطوني؟! أم عساه يرتهنها “فكرة ً” لدى إيران مثلا ً لزمن مناسب، بإيصال يحمل توقيع الجماعة الحمساوية التي ستختفي
(تكتيكيا؟) إلى أن تعود- كالإمام المستور – كي تباشر النضال ضد أعداء الأمة أحفاد القردة والخنازير؟!
قد يسأل قارئ: هل هذا وقت يمارس فيه النقد إزاء فصيل هو في مقدمة الصفوف التي تحمل لواء المقاومة المسلحة بالضد على العدو المحتل؟ وماذا عن العدو ذاته؟
أولم يكن العدو الجلاد الأولى بالإنتقاد من الشقيق الضحية؟
في ملتي واعتقادي أن العدو لا ُينقد بل ُيحارب.. ولكن بالإسلوب المتيح لصاحبه تحقيق النصر لا الهزيمة ؛ وفي حالة حماس لا يتصور إلا ” المتحمسون ” أن ما تنخرط فيه هو الطريق الصحيح المؤدي للغاية المرجوة. فمن نافلة القول أن فصيلا ً للمقاومة المسلحة لا غرو يفقد ورقته الرئيسة – التي هي إمكانية الكفاح المسلح – ساعة أن يتحول إلى سلطة،إذ تحل محل هذه الورقة أوراق السياسة والدبلوماسية (هكذا فعلت منظمة التحرير بداية من مدريد وحتى أوسلو) وربما ورقة المقاطعة الإقتصادية مع العدو (هكذا فعل شعب الهند بقيادة غاندي ).
لكن حماس بانقلابها على المنظمة الأم في حزيران 2007 قد وضعت نفسها
ومعها القضية الوطنية في أشد المواقف وعورة، الأمر الذي أغرى بها أطرافا ً إقليمية
أخرى كي توظفها لحساب أجندتها الخاصة. وهكذا وبضربة إنقلابية واحدة عزلت حماس نفسها عن المجتمع الدولي الذي لا يعترف بغير منظمة التحرير ممثلا ً وحيدا ُ
للشعب الفلسطيني، وفي نفس الوقت فقدت استقلالية قرارها في ممارسة المقاومة المسلحة إلا بالقدر الذي ُ تعطي فيه الضوءُ الأخضرُ من القوة ِ الإقليمية الراعية (محور إيران / سوريا) وهو ضوء لا يعطيه هذا المحورُ إلا لحسابه هو يقينا ً، وليس لحساب الفلسطينيين. فإذا أضفنا إلى هذا وذاك أن شعب غزة – تحديدا ً – لا يمكنه تنفيذ
سياسة المقاطعة الاقتصادية مع إسرائيل (حيث يعتمد الغزاويون على أحفاد القردة في شئون الطاقة والغذاء والدواء، بل والعمل) لأدركنا أي هاوية سياسية ألقت فيها حماس نفسها بنفسها.
في مثل هذا المأزق يغدو مفهوما ً تزايد ُ الدعوة إلى إعادة إنتاج ثقافة الإنتحار الجماعي، تلك التي سربتها الميثولوجيا اليهودية للاوعي الجمعي العربي خلال العصور، مثلا الإشادة بشمشون الذي هدم المعبد على رأسه ورؤوس أعدائه
(شجاعة فردية!) والترويج لأسطورة قلعة “موسادا ” التي لاذ بها ألف مقاتل يهودي لينتحروا جميعا ً بديلا ً عن استسلامهم للجيش الروماني في القرن الأول الميلادي(بطولة جماعية!) والتلميح المستمر باقتراب معركة هر مجيدون التي ستنتهي بمقتل كل المحاربين (الفناء مصير البشر!) وغير ذلك من الموروثات الثقافية، التي تحتقر الحياة وترحب بالموت. وغير منكور أن العرب لم يجدوا صعوبة في تقبل هذه الثقافة خاصة في عصور الانحطاط، مما لا يسمح المجال بعرض تفاصيله.
وفيما تمكن المذهب الصهيوني (العلماني) من إنشاء دولة لليهود في فلسطين، ولم يعد بحاجة لمثل هذه الأساطير ؛ فلقد رأى أنه من المناسب أن يصد ّر تلك البضاعة البائرة عنده، للسكان الأصليين كمتفجرات رمزية تضاف إلى القنابل والرصاص، وتدمير المنازل، واقتلاع أشجار الزيتون، واعتقال الشباب بأوهى الأسباب والعلل.
والحاصل أن الفلسطينيين – وتحديدا ً أهالي غزة – قد وجدوا أنفسهم بين نقيضين،
الأول:ترحيبهم بالموت فرارا ً من قسوة العيش المفروضة عليهم، والثاني: تراهم
فيه كأبناء طبيعيين للحياة يطلبونها في أي مكان.. ولكن أين؟ إسرائيل تحاصرهم وتمنعهم من العمل عندها. وحماس تمنعهم عن أهلهم في الضفة. لم يبق إلا مصر. غير أن مصر دولة لها حدودها ودستورها وقوانينها، ومن المحال أن ترقص على موسيقى إسرائيل التي تتمنى أن تفرّغ فلسطين من سكانها جميعا ً، ومن المحال أيضا أن تغفل
عن مخطط حماس – ومن ورائها إيران و الأخوان – فتلغي حدودها وتشطب سيادتها وهويتها كدولة مدنية، لتصبح مجرد إمارة من إمارات الخلافة الإسلامية / تحت التأسيس! فأين يذهب إذن أهل غزة؟
لا يستطيع أحد أن يجيب عن هذا السؤال المصيري غير الغزاويين أنفسهم، ومع ذلك فثمة حقائق لا يمكن إغفالها، ولا يمكن أن يتحرج محب عن البوح بها، وأول هذه الحقائق أنهم يعلمون من واقع التجربة التاريخية المريرة أن ” من خرج من داره قل مقداره ” بنص المثل الشعبي، فالذي يحرضهم على الخروج الثاني (الأول كان عام 1948) هو عدو لا غش في هويته. وثاني تلك الحقائق أنهم أمسوا على بينة من أمرهم فيما يتعلق باختيارهم الانتخابي، فإذا اختاروا حماس في المرة القادمة فهذا شأنهم ولا تثريب عليهم، إنما لا تثريب منهم بعد ُ على مخالفيهم ممن يرون أن إطلاق الصواريخ الاستعراضية ليس هو السبيل القويم لتحرير الأرض، سيما وردود أفعال العدو أبشع من أن تذكر، وردود أفعال الأهل أضعف من أن يشار إليها. أما ثالث الحقائق فتتعلق بثقافة المقاومة التي هي إرادة حياة لا إرادة موت، فبناء مصنع وقارب صيد ومدرسة والسعي لإنجاز الوحدة الوطنية أفعال مقاومة من الدرجة الأولى، وهي أفعال تقربنا من يوم التحرير، بقدرما تبعدنا عنه صيحات الحناجر، والأحزمة الناسفة، والصواريخ التي إن أصابت فلا تصيب دبابة أو طائرة بل مدنيا ً تقوم الدنيا لمقتله ولا تقعد!
على أهل غزة إذن، وقبل أن يسألوا غيرهم “إلى أين نذهب؟” أن يسألوا السيد
هنية: هل حقا ً تريدنا أن نموت جميعا ً لتبقى غزة لك وحدك؟! وساعتها ستبيعها لمن
يا رومولوس العرب؟!
Tahadyat_thakafya@yahoo.com
* الإسكندرية
رومولوس العرب يبيع غزة !
ههو مستعد يفتح كل شئ الا الجبهة السورية شوانتو مجانين?في احتمال يفتحا لاستقبال العزيزة *تسيفني ليفي* اوباراك وماادراكم يمكن يجيبوا معن( ارئيل شارون )كمان صديق العائلة??? وبعدين لقلكم شي: هذا المفتاح كبير كتير كتير اكثر ماتصوروا… وماحدا بيعرفو الا لي زار وتبارك من (المزة وتدمر وصيدناياووووو???) ولعلمكم هالمفتاح قديش الو سحر وخفايا ومزايا وبضربة وحدة مو اتنين عالقرعوشة من ورا (عالراس) ب يجيب الاجل والمنايا/???/ وهو مصنوع ومستوردخصيصا ل(الجمهورية العربية السورية)*** من العم ابوصرمايا (MADE IN USA) وحصرا لهذه ااااااااا الغاية..???مو هيك ولا انا غلطان : ياابو البشR والشطارة?روووووووحي ااالك!!!
رومولوس العرب يبيع غزة !غير صحيح أنه ليس ثمة بديل فلسطيني عن حماس وسلطة عباس. بلى، ثمة بديل. المدرسة وفرص العمل والإدارة الكفؤة والمحترمة وقول الحقيقة للشعب والاعتناء بالثقافة الوطنية وبالفضائل المدنية واحترام النساء اللاتي تلوعهن الحرب وتدمر حياتهن أكثر من الرجال… كل ذلك بديل مشرف وعظيم و.. تقدمي. هذا التوجه والمنشور هنا في نفس العدد، من الكاتب الأستاذ ياسين الحاج صالح ، إنما يسبح في نفس الإنجاه الذي يشير إليه الأستاذ مهدي، وهو إتجاه يشي بأن صحوة شديدة الثراء والعقلانية قد باتت واضحة في الأفق . نعم لقد آن الأوان لشعب الفلسطيني أن يأخذ على عاتقه مسئولية مصيره بعيدا… قراءة المزيد ..
رومولوس العرب يبيع غزة !
حين تكون الكتابة السياسية مغموسةفي عطر الأدب الرفيع ؛ تصبح وكأنها عصا موسى تأكل ما يأفكون . وهذا هو مهدي بندق الشاعر ، وتلك ثماره حين يكتب في السياسة. فياليت الأمة العربية تنصت
له وللعقلاء المخلصين ممن هم على شاكلته
المبدعة ، وكفانا تقليدا ً لماضينا الذي
دفن في بيداء الزمن
رومولوس العرب يبيع غزة !
مقال ممتع وعقلاني.موقف مصر يبدو منطقيا من الناحية السياسية ولكنه محزن ومخز من الناحية الانسانية وهذا مالا أتفق معك فيه.تحياتي و تقديري لفكرك.
رومولوس العرب يبيع غزة !
مقالة رائعة لمفكر قدير
رومولوس العرب يبيع غزة !
dfdfj oidfj fo
رومولوس العرب يبيع غزة !
اعتقد ان المشكلة الرثيسية تكمن فى اننا لم نعلن (فى الواقع ولم نعترف حتى بيننا وبين انفسنا) اننا قد هزمنا .
واذا لم يعترف الانسان بهزيمته فلن يتمكن ابداً من تحقيق انتصاراً فى المستقبل.
لم تحق اليابان والمانيا ما وصلت اليه الا بعد الإستسلام بلا قيد ولا شرط وبعد ان نفذت قطيعة معرفية تامة بكل الافكار والقيم التى آمنت بها حتى
1945
والله اعلم
رومولوس العرب يبيع غزة !
شو هالحكي مصر مصرين ! أول من سجد لدولة إسرائيل “أنور السادات “, هل فقدان الذاكرة لدى المثقفين المصريين ملحوظ دائما وابدأ في اللحظات الصعبة للفلسطيني فقط؟!
رومولوس العرب يبيع غزة !
منذ ثلاثين عاما قرأت مسرحيات الكاتب العظيم دورنمات : الزيارة ،وهبط الملاك في بابل ، ورومولوس العظيم … وغيرها
واليوم تمتعت بمقالك الرائع السياسي والفكري) عن رومولوس غزة . ولو كان طه حسين بيننا لا يزال لنصبك كأكبر ممثل لفكرته الرئيسة : مصر مصرية وروابطها الأول مع الحضارتين الهيللينيةوالرومانية.
لك التقدير .
رومولوس العرب يبيع غزة !
المقال رائع ، ضربة في الصميم لمن يستخدمون البشر لخدمة أهوائهم . أقترح على الخمسة الكبار من كتاب الموقع : بيار عقل،طارق حجي ، سعد الدين إبراهيم ، مهدي بندق ، نادر قريط وغيرهم ممن يغالبون ثقافة البيداء المدمرة للشعوب العربية ، أن يجتمعوا حول مائدة مستديرة لوضع برنامج واقعي
قابل للتنفيذ غايته نشر ثقافة الحداثة
بين المتعلمين أولا ، توطئة لنشرها بين الجماهير ، وأظن أن الوقت صار مناسبا لمثل هذا العمل ، خاصة بعد مذبحة غزة بأيدي عتاة المجرمين الصهاينة
رومولوس العرب يبيع غزة !الأستاذ المفكر مهدي بندق إختصر علينا سلسلة العلل والنتائج التي يعرفها درس المنطق فالإنسان أهم من إمبراطورية رومولوس، وهنا أجد أن أخبر الصديق مهدي بقصة قديمة فقد سبق لكاتب السطور أن إقترح (بعد أوسلو) أن يكون الراحل إدوارد سعيد رئيسا رمزيا بدل عرفات وكانت حجتي أننا نملك دولة رمزية فلابأس أن يكون الرئيس رمزيا.. المشكلة الكبرى برأيي أن العرب لم يخسروا المعركة العسكرية فقط بل فقدوا القدرة على خوض معارك الرموز والفنون. فأحفاد الهولوكوست يمارسونه في غزة اليوم من خلال إحتكار فكرة الهولوكست والألم .. لهذا أتمنى لو يلبس سكان غزةوالضفةالبيجامات المقلمة (ملابس كان يرتديها معتقلو… قراءة المزيد ..