يقول البرت إينشتاين: كل ما هو عظيم وملهم صنعه إنسان حر!
*****
ما كادت الحرب العالمية الثانية تضع أوزارها حتى جمع كارل زايس ملابسه وأغراضه الشخصية الأخرى في حقيبة بسيطة وألقى نظرة أخيرة على بيته وخرج ليستقل سيارة أجرة لتقله إلى الجزء الغربي من ألمانيا المقسمة، تاركا وراءه أكبر وأهم مصنع عرفه العالم وقتها لصنع عدسات النظر والمناظير المقربة والكاميرات وعدسات مختلف الاستعمالات الطبية والعلمية، تركه بكل مبانيه ومختبراته وأثاثه وموظفيه ومستنداته وخرج لا يلوي على شيء، بعد أن أصبح ذلك الجزء من برلين من نصيب الشيوعيين الروس!
خرج زايس من ألمانيا الشرقية إلى رحاب الحرية في الجزء الغربي وبدأ ببناء مصنعه الجديد من الصفر، ولم تمض سنوات عشر أو أكثر قليلا حتى نسي العالم مصنع كارل زايس في برلين الشرقية، الذي أغلق بعد أن خنقته القيود والأنظمة والتعليمات الصارمة، بالرغم من أن صاحبه تركه بمئات خبرائه وعماله وكامل معداته ومختبراته، وأشتهر بدلا عنه مصنع كارل زايس الغربي الذي خلقه رجل واحد عندما وجد الحرية والحركة وفضاء للخلق والإبداع، وهو ما فشل فيه مصنع كامل التجهيز بسبب القيود والمحاذير والضوابط الشرعية وغير الشرعية.
في الفترة نفسها من عام ١٩٤٥ اتفقت أميركا والاتحاد السوفيتي على شروط استسلام قوات الاحتلال اليابانية لكوريا، وتبع ذلك اتفاق الأميركيين والسوفيت على بقاء جنود الطرفين على جانبي خط العرض ٣٨ ونتج عن ذلك، بسبب الحرب الباردة وخلافاتهم، تقسيم كوريا إلى دولتين، حكم الشيوعيون بنظامهم المنغلق والمعادي للحرية الجزء الشمالي وحكمت الولايات المتحدة الجزء الجنوبي وأعطته استقلاله بعد أن أطلقت مساعداتها المالية الطاقة الكورية الجنوبية من عقالها فنتج عن ذلك، وخلال نصف قرن، خلق أكبر معجزة صناعية في القرن العشرين وفي دولة كانت في ذيل قائمة دول العالم فكرا وتقدما وإبداعا وإنجازا. أما في الجزء الآخر الشمالي فقد رأينا تخلفا وفقرا وقهرا ومنعا أدى خلال الفترة نفسها لتخلفها في كل مجال حيوي وخير بسبب قيام نظام الحكم بوضع الشعب في سجن، ولم يمر وقت طويل قبل أن تنهش المجاعة أرواح الملايين من مواطنيها وتجبر حكومتها على التخلي عن برامج تسليحها النووية الخطيرة والمكلفة مقابل حصولها على المساعدات الغذائية من الغرب.. ومن شقيقتها الجنوبية!!
والآن إلى أين يريد خالد السلطان وعلي العمير ومحمد الكندري ومبارك الوعلان وناصر الصانع ووليد الطبطبائي وبورمية ومحمد هايف وعدنان عبدالصمد وجماعته وجماعتهم ولجنة الضوابط الشرعية أن يأخذونا معهم؟
ألم يروا ما حدث لأولئك الذين ساروا في الطريق نفسه الذي يودون أن يدفعونا قسرا للسير فيه؟ ألم يتعلموا من دروس التاريخ أن الانغلاق والكبت والحجر على الحريات وعد أنفاس الناس لا يولد غير التخلف والقهر والتبلد والتحجر؟ ألم يعرفوا، وقد بلغوا من العمر عتيا، أن الإنسان يولد حرا وليس في يده قيد ولا فكره حجر؟ فكيف يريدون أن يستعبدوا الناس وقد ولدوا أحرارا، وما الذي يتوقعون إنجازه إن تحولنا جميعا إلى مجموعة من الخراف؟
habibi.enta1@gmail.com
* كاتب كويتي