إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
عندما قرر صدام حسين تنفيذ خطيئته الكبرى بغزو الكويت لم يكن المجال مفتوحا لإسداء الرأي والنصح، وما كان للبعثيين إلا التجديف بالقارب وفقا للاتجاه الذي يرسمه القائد حتى وإن كان ذلك الفعل لا يقود دفة العراق في الاتجاه الصحيح.
كذلك كان قادة حماس في قطر الذين شاهدوا كما شاهد عامة الناس عبر التلفزيون المشاهد الأولى من اقتحام السياج الفاصل بين القطاع والمستوطنات الإسرائيلية، وعلموا كما علمنا ببدء عملية “طوفان الأقصى” التي قررها السنوار منفردا، كما انفرد صدام بقراراته وبالعراق.
كثرت الأقاويل والتحاليل في الآونة الأخيرة حول تأثير المرحلة التي أمضاها رئيس حركة المقاومة الإسلامية حماس في غزة يحيى السنوار في السجون الإسرائيلية على سلوكياته وشخصيته، ومدى انعكاس ذلك على مركز القيادة واتخاذ القرار. وبما أنني أفتقد الاختصاص والخبرة في التحليل النفسي وأؤمن بمقولة “أعطِ الخبز لخبازه”، وبدل أن أغوص في تحليل سيكولوجية السنوار ونفسيته ولغة جسده وأكلته وأرقامه وألوانه المفضلة وعلاقة ذلك بـ”طوفان الأقصى”، كما يفتي البعض ممن يحتاجون معالجا نفسيا أكثر مما يحتاجه السنوار نفسه، سأكتفي بالتحليل من منظور شخصي وسياسي لانعكاسات قرار الدخول في معركة “طوفان الأقصى”، وسأحاول الإجابة عن جدوى الدخول في مواجهة عسكرية احتمالات فشلها تفوق احتمالات نجاحها الضعفين.
كان الهدوء المخادع الذي قدمته حركة حماس لإسرائيل منذ نهاية معركة “سيف القدس” يدفعنا إلى تصور حركة تتجه لأن تكون أكثر اعتدالا ووعيا وإدراكا بالمسؤولية تجاه مليونين ونصف مليون مواطن في رقعة جغرافية أنهكتها الحروب والصراعات. وكانت اللقاءات التي جمعت حركتي فتح وحماس في الجزائر وما جاء فيها من حديث عن نبذ للانقسام والعمل الفلسطيني المشترك تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية تعطي انطباعا بأن الحركة قد قررت طي صفحة الانقسام والدخول في معادلة النظام السياسي الفلسطيني كجزء متصل لا منفصل.
أيضا كانت سلسة اللقاءات التي جمعت مسؤولين في الجناح العسكري للحركة مع رئيس المخابرات العامة المصرية تفسر على أنها محاولة للحفاظ على مكتسبات الهدنة وتثمينها، وذلك في سبيل فك الخناق الاقتصادي الذي انعكس على شعبية الحركة داخل غزة. وكان قرار عدم انخراطها في معركة “وحدة الساحات” التي قادتها الجهاد الإسلامي دلالة على أنها تعلمت من أخطاء السابق وأصبحت أقل اندفاعية وأكثر عقلانية.
سنتان من الخداع الإستراتيجي انتهت ليبدأ الخطأ الإستراتيجي الأكبر في تاريخ الحركة وهو الذي قد يكلفها خسارة غزة ووجودها المسلح في فلسطين.
قيادات الجناح السياسي قالت إنها لم تكن تعلم التوقيت، ولكنها كانت في انتظار ساعة الصفر، وأن “وطوفان الأقصى” كان خيار الإجماع الذي ترجمه السنوار منفردا إلى فعل. ولكن، هل كان من عين الصواب فتح مواجهة في توقيت يخدم بنيامين نتنياهو وهو يواجه أزمة سياسية داخلية غير مسبوقة أكثر من أيّ شيء آخر؟ ألم يجد نتنياهو في هذه الحرب الحل للخروج من الأزمة التي أحدثتها التعديلات القضائية في إسرائيل؟ ألم يكن من العقلاني ترقب تغيير سياسي في إسرائيل بعد أزمة القضاء والذي من الممكن أن يأتي بجديد في ملف “وفاء الأحرار 2” بدل طوفان أتى بدبابات الاحتلال إلى قلب شوارع غزة؟
ألم تدرك قيادات حماس في الداخل بأن الارتدادات التي سيحدثها “طوفان الأقصى” قد يبتلع غزة بمن فيها، وأن السحر قد ينقلب على الساحر، وأن معركة التحرير قد فتحت الباب لسيناريو التهجير؟ ألم تكشف هذه الحرب الغطاء عن حلفاء بارعين في الأقوال لا الأفعال؟
خلافا لكل ما يقوله السياسيون في الحركة عن الإجماع الحاصل، فإن القرار كان نابعا من قرارا انفرادي لا يستند إلى قراءات في المشهد العام ولا إلى تقدير موقف ولا حتى إلى اعتبارات إنسانية، إذ أن سكان غزة هم أول من سيكون في الواجهة وأول من يدفع الفاتورة.
ربما نسي السنوار والذين معه ممن عولوا على منابر المؤسسات الأممية وعلى دور الصورة والإعلام في إيقاف الحرب، بأن هذه الأدوات لا تفعل شيئا ما دامت أميركا تسمح لإسرائيل بأن تصل إلى مبتغاها، وما دام الأقوياء موجودين في صف إسرائيل حتى وإن كانوا يظهرون نوعا من الانزعاج عن تصرفاتها، لكن ذلك لا يعني بأنهم سيتعاطفون مع حماس بشكل أو بآخر.
كان على السنوار أن يستوعب وينتبه إلى حجم حماس الضعيفة على الصعيد الخارجي، وأن يقر بحقيقة أن اللعب على قوة التأثير الإعلامي بإبراز معاناة الغزيين لا يمكنه أن يجلب سوى حملات التعاطف أو موجات الانتقادات، ومع ذلك لا تستجيب إسرائيل لمطالب “أَخلقة حربها” ضد من يريد إزالتها من الوجود.
خطاب الصمود والتضحية والتحية لأهل غزة والذي تردده قيادات حماس البعيدة عن ساحة الحرب بمئات الأميال، قد بلغ منتهاه بعد أن أدرك الناس أنهم تُركوا ليواجهوا قدر الموت. جاء “طوفان الأقصى” بكل ما حمله من معاناة ليؤكد أن قادة الحركة وأبناءهم منفصلون عن واقع الغزيين، وبعيدون تماما عن تفاصيل حياة الناس المريرة في حرب لا يسلم منها لا الحجر ولا الشجر فكيف البشر.
شتان بين قادة يخرجون من بيوت آمنة إلى منابر الإعلام بخطابات رنانة معلنين انتصارهم ودحر العدو، وبين من يخرج من ملجئه بحثا عن كسرة خبز وقطرة ماء فتصطاده نيران القناصة أو الصواريخ.
الحقيقة أن هذه الحرب والتي اكتفت فقط بهز صورة حكومة نتنياهو في الخارج، كان مقابلها استنزاف آخر ما تبقى من الرصيد الشعبي لحماس داخل غزة.
حماس قامرت بشعبها واسترخصت دماء الشهداء فراحوا في سوق ابو بلاش ، فالفوائد بالناقص والخسائر للسماء
كل ما ذكره الأستاذ فاضل المناصفة حقيقة يتجاهلها او يتناساها العرب .. فعلًا امة لا تتعظ ولا تتفكر