(الصورة: تمثال الحرية وأبراج نيويورك في يوم 11 سبتمبر 2001)
عابَ علي بعض أبناء منطقتي تقديمي الاعتذار للبشرية عن تفجيرات المسلمين الدموية.
قالوا: لم تعتذري عن الانتهاكات الاسرائيلية والمؤامرات الأمريكية بالعراق وافغانستان وسوريا وقائمة تطول. لم تقدمي اعتذارا واحدا عن شنائع الاستعمار البريطاني والفرنسي. عن وَحل التغريب. واسأليهم عن دماء الجزائريين.
أعرف أبناء جلدتي. لم أستغرب أي شتائم.
لكن.. أي حق في الاعتذار عن شيء لم أرتكبه، لست بريطانية أو فرنسية، ولا أمريكية أو اسرائيلية لأقدم الاعتذارات بالوكالة.
أعرفكم. تتملصون من كل خطيئة باستحضار خطايا الغرب.
تبررون فظائعكم بالبحث عن مآسي تشبهها في عالم الحضارة. أما المساواة والعدالة والصراحة والرحمة المنتشرة بالجزء الغربي من العالم فلن تبصروها. لا ترون غير البؤس، ليَهونَ عليكم بؤسِكُم.
وهذا نص مقالي (من عربية مسلمة. عذرا أيها العالم) أعيد تقديمه مرة أخرى وربما مرات قادمة. فقد يزيح شيئاً من صدري. آهات لحقت بأناس لا أعرفهم جراء توحشنا.
وأضيف عليه اعتذاراً كبيراً لدموع البلجيكيين. لمقتل خمسة وثلاثين. لإصابة أكثر من مئتي بريء.
نحن من علّمنا أبناء داعش كيف عليهم ألا يقرأوا سوى ابن تيمية.
روح صديقي الأوروبي لا زالت تجوب المطار ومحطة القطار. سامح الله من فجّر جثته وفرّقنا..
واعتذار عظيم للأفغان. عن تفجيرات كابول. عن سحق الأفغانيات. عن إثم الثمانينات.
اعتذار أعظم عن تفجير لاهور الأخير. عن مقتل ٦٥ شخص واصابة ٢٨٠. نحن من صنعنا طالبان. ونرفض حرق تراث الغدر حتى اللحظة.
أنا أعتذر لكل مسيحي اتخذ قرار الهجرة بعيدا عنا، حتى إبداعه لم يعد من حقنا أن نفخر به، إنسان لم تتحمل كرامته ولا خوفه على أبنائه الحياة في وطن يصمت على إهانة أبنائه.
وأضيف اعتذارا عن كل مكبر صوت (يجعجع) من مسجد.
ليعلم العالم أني بريئة من مكبرات الصوت. وبريئة من نقد المسيحية واليهودية ومن اتهام الانجيل والتوراة بالتحريف. أنا بريئة من إنكار البوذية والزاردشتية والهندوسية والكونفوشيوسية. بريئة من زج أنوفنا في أديان الغير والتفلسف على أنبيائهم، والتدخل في أسس عقائدهم، في الوقت الذي نذبح فيه من يتطاول على رمز من رموزنا ولو كان شيخاً بسيطاً.
وعذرا أيها العالم.
(نحن) الذين أزعجنا بني الإنسان. وأقلقنا الحضارة..
(نحن) الذين نتفنن بإعادة بناء الخراب.
توقفت الحروب البدائية منذ ملايين السنين. انتهى صراع الإنسان مع الحيوان فلم يعد بحاجة لخنجر يحميه. طويت أسباب حرب الثلاثين الدينية في أوروبا لغير رجعة.. أخلفت الحروب الأهلية الأمريكية اتحاد ووحدة وقطبية نادرة. أحرق المهرطقون وثار الأحرار فعلقت المقاصل ثم أغلقت الملفات وشيدت تماثيل لأنبياء الحضارات.
توقف كل ضجيج دموي. وحل السكون. لا تسمع هناك إلا أصوات المصانع ومراكز الأبحاث والنظريات والحب والمسرح والفنون وتداول لقيم العطاء للأسرة والوطن والأرض.
أما (نحن). فنعيد أسفار الخلق والتكوين.. نقتل. نتغذى بلحوم الآخرين. نقتحم القرى والمدن بلا قانون أو دستور يحمي حتى ذبابة. أراض كانت مسرحا للعلم والفن والأساطير. هي إرث امتدادنا القديم. تحولت تحت رحمتنا لردم تفوح منه رائحة الدم وأرواح تتجول باحثة عن الثأر.
لا تتسع (بلاد العرب أوطاني) سوى للرعاع. فالمتفوق ليس المخترع أو رائد الفضاء أو الكاتب..
لا أيها العالم. أنتم لا تفهموننا، لذلك تحاربوننا.
المتفوق هنا من يزرع إكسير الموت بأدمغة الفحول الحالمين بالخطيئة. التأكيد على وجود الجنس بعد الممات وحقيقة الحور العين ستمنحك المنابر والجوائز والبركات.
الموت هنا. التشريد هنا.
توجهون سهامكم نحو أنظمتنا السياسية التي صنعت التخلف. ولا أعلم إن كانت الجريمة جينات متأصلة بنا أم نتاج لأعمال استبدادية متوالية..
شعوب تكفر بنجيب محفوظ ونصر أبو زيد وعبدالله القصيمي وطه حسين. شعوب تقتل الأحلام.
بداية.. أعتذر لمنطقة الشرق الأوسط التي قلبناها جحيما، ومحونا منها ماضي آلاف السنين من الامبراطوريات والفنون والأشعار والمنحوتات والتماثيل والكهوف والمعابد والقلاع.
سجل يا تاريخ أننا قتلنا تدمر.
وعذرا أيها العالم.
أعتذر عن ذبح مئات من المصلين في حادثة الحرم المكي عام ١٩٧٩.
أعتذر عن تفجير مجمع الخبر السكني شرق السعودية عام ١٩٩٦
عذرا لكل شيعي قتل في مساجد الإحساء والقطيف.
عذرا لموت ما يقارب الثلاثمائة بالتفجير الانتحاري في السفارة الأمريكية ببيروت عام ١٩٨٣..
عذرا عن تشويه بالي.. الجزيرة السياحية الوديعة. وعن قتل وجرح أكثر من أربعمائة مسالم فيها.
عذرا لأفريقيا القارة المنكوبة الفقيرة البائسة.
للفتك بالإنسان في الكاميرون والتشاد ونيجريا وقائمة لا تنتهي
عذرا لاختطاف ٢٧٦ طالبة نيجرية وتزويجهن قسرا ومعاملتهن كجوار وسبايا وتقليدهن الحجاب . لا مكان للأنوثة في أدبيات الإرهاب.
عذرا لمقتل ٣٠٠ شخص بتفجير سفارتي الولايات المتحدة بنيروبي ودار السلام
عذرا لأهالي ٢١ قبطي مصري ذبحوا في ليبيا
عذرا لمقتل ٦٠ مصلي في تفجير باكستان .
سجل أيها الجمال أن كشمير الحسناء صارت حاضنة لكل قبح وإرهاب.
عذرا لفرنسا. فقد انتهكنا حرمة النور.
رحمة الله على أرواح فرنسية أزهقت في نوفمبر الماضي بين تفجيرات انتحارية واحتجاز رهائن في باريس.
وكلنا شارلي إيبدو.
عذرا لمقتل ٢٥٩ مسافر في الطائرة الأمريكية التي أسقطت فوق لوكربي عام ١٩٨٨
عذرا أيها الأمريكي لاصطدامنا بحضارتك. لم نفهمها فأحرقناها وقضينا على ثلاثة آلاف قتيل بأبراج التجارة العالمية عام 2001
عذرا لأن ٩٨ من حوادث الإرهاب المتنوعة، عانى منها المواطن والمقيم في السعودية على مدى سنوات متتالية.
عذرا لتفجير مجمع المحيا السكني في الرياض وموت وجرح مئات المدنيين دفعة واحدة.
عذرا لمقتل ٣٩ سائح على شواطئ تونس الجميلة سابقا..
عذرا لمقتل عشرات من المصلين في مسجد الصادق الكويتي ومحاولة تشويه معالم الكويت بلد السلام.
عذرا لأرواح راهبات قتلن في اليمن قبل أسابيع. ذنبهن أنهن كن يخدمن كبار السن. فأطلق الرصاص على رؤوسهن.
عذرا لروسيا وأدبها وفنها. فجرنا طائرة، ذنب ركابها البالغ عددهم( 217) أنهم زاروا وكرنا. فأعدمناهم حرقا.
عذرا لمسرح موسكو. شهد مقتل وإصابة المئات في الهجوم الشيشاني عام ٢٠٠٢.. من غيرنا يمزج بفداحة بين الثقافة والعداوة ؟
عذرا لموت المئات عام ٢٠٠٤ في تفجيرات مدريد.
عذرا لتفجيرات ستوكهولم عام ٢٠١٠
أعتذر لكل من مات في تفجيرات لندن عام ٢٠٠٥
أعتذر عن تفجيرات بلغاريا والقاهرة واسطنبول و…الخ
أعتذر لكل إنسان لبناني قتل على مدى عشرات السنين على يد أوهام السياسة والطائفية والتخلف.
عذرا أيها الغرب، لقتلنا مصوريكم وصحافييكم ومستشرقيكم.
هل أكمل..
أعتقد أني تخطيت الحد المسموح به من الكلمات في هذا العمود، وأن كتاباً لن يكفي لحصر مجازرنا.
هذا ما فعله المسلمون بالعالم.
الطريق للجنة نهر من الدماء القانية.. اطعن أخوك واغتصب جارتك لتستحق المتعة الأبدية.
ويعيدون على مسمعي اسطوانة الرد على الاستعمار.
لعل الغباء والانشغال بالمومسات قد أنساكم أن الاستعمار قد انتهى. أنكم تستعمرون بعضكم البعض.
أنكم القرصان الوحيد المتبقي.
كيف تنظرون لوجوهكم المصبوغة في المرايا ؟ توقفوا عن استيراد المرايا.
nadinealbdear@gmail.com