ما يلي أول دراسة عسكرية جدّية وموضوعية لمجريات سنة كاملة من الحرب البرّية في اليمن. وقد حقّقت قوات التحالف نجاحات كبيرة، عسكرية واستراتيجية (إنتقال أريتريا من معسكر “الحرس الثوري” إلى المعسكر العربي، مثلاً)، ولكنها عانت من “هزيمة” واضحة على صعيد “الإعلام”. فالإعلام الأميركي (متأثّراً بتوجّهات إدارة أوباما)، وبعده الإعلام الأوروبي، اتخذ موقفاً مناوئاً للحملة العربية منذ البداية وحتى الآن. الدراسة التالية هي الأولى، وتعقبها دراستان عن “الحرب الجوية” و”الحرب البحرية”.
بيار عقل
*
ألكسندر ميلو ومايكل نايتس
يمثل تاريخ 26 آذار/مارس ذكرى مرور عام على بدء العمليات العسكرية في اليمن على يد التحالف الخليجي بقيادة السعودية، دفاعاً عن حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي التي تعرضت لهجمات شديدة، بعد أن اضطر الرئيس اليمني إلى الفرار من البلاد من جراء هجمات الميليشيات الحوثية وحلفائها. وتُعتبر هذه الذكرى فرصة سانحة لمراجعة نجاحات التحالف وإخفاقاته في كل مرحلة من مراحل الحرب. ويناقش الجزء الأول من هذه السلسلة الحملة البرية، بينما يحلل الجزءان الثاني والثالث الحملات الجوية والبحرية، على التوالي.
بعد فترة وجيزة على مباشرة الإمارات العربية المتحدة والقوات الخاصة السعودية القتال للمرة الأولى في عدن، استولت حملة التحالف الخليجي على المدينة المرفأية وجعلتها قاعدة لحكومة الرئيس هادي طوال أيار/مايو وحزيران/يونيو 2015. ومن ثم انتقلت منذ تموز/يوليو إلى هجوم على نطاق أوسع قامت فيه طوابير مدرعة بقيادة الإمارات العربية المتحدة بتوجيه ضربات باتجاه “قاعدة العند الجوية”، التي كانت سابقاً منشأة أمريكية- يمنية مشتركة لمكافحة الإرهاب تقع على بعد خمسة وعشرين كيلومتراً إلى الشمال من عدن، بالإضافة إلى تعز، ثالث أكبر المدن اليمنية، وشرقاً باتجاه زنجبار – العاصمة الاقليمية لمحافظة أبين.
هجمات الخريف
في الخريف الماضي، فتح التحالف الخليجي جبهات متعددة في الحرب ضد الحوثيين وحلفائهم في عشيرة عفاش من قبيلة سنحان، التي تدعم الرئيس السابق المخلوع علي عبد الله صالح. وتتضمن تلك الجبهات:
الجبهة الشرقية في محافظة مأرب: في منتصف أيلول/سبتمبر، انطلقت فرقة قتال قوية مؤلفة من كتيبتين تابعة للتحالف الخليجي وتتضمن لواءً مدرعاً للإمارات العربية المتحدة وقوات مؤللة بحرينية وسعودية وقطرية ومصرية، من قاعدة عمليات متقدمة جديدة في مهبط الطائرات الخاص بمصفاة “السفير” النفطية في محافظة مأرب باتجاه مدينة مأرب. وتقدمت القوة الضاربة 50 كيلومتراً خلال أسبوعين، مستحوذةً بذلك على مدينة مأرب وسد مأرب، الذي يقع على بعد 110 كيلومترات شرقي صنعاء، قبل أن يتوقّف تقدمها أمام المقاومة المتزايدة من قبل الحوثيين والجيش اليمني الموالي لصالح في المناطق الصحراوية الصخرية والجبلية بين مدينة مأرب والعاصمة صنعاء.
هجوم باب المندب: في بداية تشرين الأول/أكتوبر، أحرزت قوة ضاربة ثانية تابعة للتحالف الخليجي تقدماً ملحوظاً بعيد المدى من عدن باتجاه “مضيق باب المندب”. وتضمنت فرقة القتال الجنوبية التابعة لـ«مجلس التعاون الخليجي» والمتقدمة باتجاه “باب المندب” بطارية إماراتية من مدافع الهاوتزر ذاتية الدفع، وكتيبة من “مركبات مقاومة للألغام ومحمية من الكمائن“، وفريق عمل مختلط من وحدات بحجم سرية، بما فيها سرية دبابات إماراتية من نوع “لوكلير“ ووحدات مؤللة سعودية وبحرينية، وكانت تتقدم بدعم جوي ضخم وطائرات مروحية هجومية مساندة. ولم تلاقِ القوة الضاربة مقاومة كبيرة خلال تقدمها السريع على مدى 160 كيلومتراً من عدن إلى باب المندب. وفي الأسبوع الثاني من تشرين الأول/أكتوبر، انسحبت قوات الحوثيين والجيش اليمني من “مضيق باب المندب”، الذي كان تحت سيطرتها. وبعد اجتياح المضيق، تقدمت القوة الضاربة بقيادة الإمارات العربية المتحدة باتجاه ميناء المخا على بعد خمسة وعشرين كيلومتراً إلى الشمال. واستمرت عمليات التمشيط إلى الخريف، بينما كانت الضربات الجوية ونيران البحرية السعودية والمصرية تدعم عمليات الإنزال البحرية وهبوط المروحيات الرامية إلى تمشيط جزر البحر الأحمر.
تقاسم العمليات القتالية
مع تلاشي عمليات التقدم شمالاً من باب المندب وغرباً من المأرب في منتصف تشرين الأول/أكتوبر، أصبحت الحرب أكثر سكوناً. وسعت القوات والميليشيات القبلية الموالية لهادي إلى كسر الحصار الحوثي على تعز، إلا أنها أصبحت عالقة في قتال متأرجح في محافظات تعز والضالع والبيضاء. واستغل التحالف الخليجي هذه الفترة للانتقال من دور القتال البري البارز للعيان إلى تدريب القوات اليمنية على أرض المعركة ودعمها، على النحو التالي:
تطوير قاعدة للدعم الجوي القريب في اليمن: في منتصف تشرين الأول/أكتوبر، طوّر التحالف الخليجي “قاعدة العند الجوية” لتصبح قاعدة عمليات متقدمة بارزة وقاعدة للدعم الجوي القريب وقاعدة تدريب لـ”الجيش الوطني اليمني” الجديد. وقد تم حشد “الكتيبة السادسة المحمولة جواً” التابعة للسعودية و”كتيبة القوات الخاصة 64″ بالإضافة إلى قوات برية تابعة للإمارات العربية المتحدة في هذه القاعدة. أما في “قاعدة العند”، فقد نُشر سرب مروحيات هجومية من طراز “أباتشي AH-64D” من السعودية ومروحيات ذات قدرة هجومية خفيفة من طراز “بيل 407” من الإمارات العربية المتحدة. والتزامن مع ذلك، أطلقت القوات الجوية الإماراتية برنامجاً لتشكيل قوات جوية يمنية جديدة، من خلال تدريب الطيارين اليمنيين على استخدام الطائرات ذات القدرة الهجومية الخفيفة من طراز “إيه تي-802” المزودة من قبل الإمارات العربية المتحدة والتي يتم تشغيلها من “قاعدة العند”. وفي أواخر تشرين الأول/أكتوبر، بدأت الطائرات اليمنية بتقديم دعم جوي قريب للقوات الموالية لهادي في محافظتي تعز والبيضاء.
مهمة تدريب وتجهيز واسعة النطاق: باشرت قوات “الجيش الوطني اليمني” التي تجمع وحدات الجيش الموالية لهادي بميليشيات “لجنة المقاومة الشعبية” ومجندين صوماليين وإريتريين، التدريب في “قاعدة العند” وقاعدة “لبوزة” العسكرية المجاورة في تشرين الأول/أكتوبر. وبحلول آذار/مارس 2016، أصبحت ثماني كتائب من “الجيش الوطني اليمني” المدربة والمجهزة من قبل التحالف الخليجي قابلة على إدارة عمليات عسكرية وهي: “لواء حزم سلمان“ الذي تشكل في عدن في أيلول/سبتمبر 2015، وألوية المشاة الأول والثاني والثالث والرابع والتاسع عشر والثاني والعشرين، واللواء المدرع الرابع عشر، بالإضافة إلى قوات خاصة ووحدات مشاة بحرية لم يتم الكشف عنها.
قاعدة وقوات إريترية: في أيار/مايو 2015، عقدت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اتفاق جديد لشراكة أمنية عسكرية مع إريتريا، يسمح للتحالف الخليجي باستخدام أراضي إريتريا ومجالها الجوي ومياهها الإقليمية للعمليات اليمنية. كما تضمن الاتفاق استئجار ميناء “عصب”، الذي يقع على ساحل إريتريا، لمدة ثلاثين عاماً، كمركز لوجستي للبحرية الإماراتية. ومنذ أيلول/سبتمبر، استخدمت الإمارات العربية المتحدة ميناء “عصب” كمنصة إطلاق للعمليات البرمائية ضد جزر البحر الأحمر التابعة لليمن، وفي تشرين الثاني/نوفمبر بدأت تنفذ هجمات جوية فوق اليمن انطلاقاً من “مطار أسمرة الدولي”، وذلك بعد اتفاق مع الحكومة الإريترية يقضي بتجديد المطار. وتم التعاقد أيضاً مع 400 جندي إريتري للخدمة بالاشتراك مع القوات المسلحة الإماراتية في اليمن.
قوة سودانية متمركزة في عدن: في منتصف تشرين الأول/أكتوبر، نقلت طائرات إنزال إماراتية كتيبتين سودانيتين مجهزتين بناقلات جنود مدرعة من طراز “بي تي أر-70” من عصب إلى عدن. وتولت الوحدات السودانية مسؤولية الأمن في عدن فيما انسحبت القوات الإماراتية إلى قواعدها. ووصلت كتيبة ثالثة في 7 تشرين الثاني/نوفمبر لتوفير الأمن في “قاعدة العند الجوية”، فبلغ حجم الوجود السوداني في البلاد كتيبة كاملة تضم ألفي عنصر.
الجبهة الشمالية المضطربة
لطالما تمثل الجانب الأقل نجاحاً من التحالف الخليجي بالقتال على طول الحدود السعودية- اليمنية. فخلال الحرب، كثفت القوات الحوثية ووحدات الجيش اليمنية السابقة الموالية لصالح هجماتها العابرة للحدود على مناطق عسير وجازان ونجران السعودية الجنوبية. ويُعتبر نطاق المشكلة بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية مثيراً للقلق، إذ أن ما بدأ في أواخر صيف 2015 ككمائن للقوافل العسكرية وهجمات على حصون حدودية صغيرة سرعان ما تطور إلى عمليات توغل واسعة النطاق. وفي حين تم اجتياح مخافر حدودية منفردة لفترات وجيزة في آب/أغسطس، إلا أن أجزاء من قرى حدودية سعودية أصبحت خالية من السكان تخضع اليوم للاحتلال ويتم الاستيلاء على مقرات كبرى لحرس الحدود السعودي بما يكفي من الوقت لتدميرها.
إن التحدي التكتيكي الذي تطرحه القوات الحوثية والقوات الموالية لصالح يذكّر بالحروب الحدودية التي خاضها «حزب الله» اللبناني ضد إسرائيل. ففي الأشهر الستة الأخيرة، قامت فرق صواريخ مجهزة بأنظمة“9M113 Konkurs” و”9M133 Kornet-E” وصواريخ “طوفان” مزودة من قبل إيران، بتدمير حوالي ستين دبابة سعودية ومركبات أخرى، بالإضافة إلى عشرات المراكز الحدودية وأبراج المراقبة، مما سمح لمجموعات المشاة الحوثية والموالية لصالح بحجم فرقة وفصيلة بالقيام بغارات متواصلة عبر الحدود. وقامت وحدات المدفعية الموالية لصالح بقصف قواعد ومواقع عسكرية خلفية سعودية بصواريخ من طراز “BM-27 Uragan” من عيار 220 ملم وعزلت القواعد السعودية من خلال إسقاط ألغام مضادة للمركبات على طرق الإمدادات والتعزيزات الخاصة بها. وفي غضون ذلك، وفي ظل الاستنزاف الشديد الناتج عن الضربات الجوية، سعى متسللون حوثيون إلى استخدام أنظمة الدفاع الجوي المحمولة على الكتف لإبعاد المروحيات الهجومية السعودية.
ضغط متجدد على صنعاء؟
بعد فترة أعاد خلالها التحالف الخليجي ضبط صفوفه، يبدو أنه اليوم يحيي من جديد خططه الهجومية في شمال اليمن من خلال اتخاذ الإجراءات التالية:
تكتيك الكماشة أو الضربة المزدوجة على ساحل البحر الأحمر: في بداية كانون الثاني/يناير 2016، حطت عناصر تابعة للبحرية السعودية و”الجيش الوطني اليمني” في ميناء ميدي بالقرب من الحدود السعودية في محافظة حجة اليمنية. وفي شباط/فبراير، خرج هؤلاء من المنطقة الساحلية الخاضعة لسيطرتهم وأخذوا يتوغلون داخل البلاد باتجاه مدينة حجة. كما بدأت قوات التحالف الخليجي بالتوجه شمالاً من “باب المندب” نحو ميناء المخا من أجل عزل “تعز” عن الغرب.
فك الحصار عن تعز: في أعقاب الهجمات الساحلية على البحر الأحمر تم القيام بهجوم كبير لفك الحصار الحوثي عن تعز. فقد قام اللواء الثاني والعشرون الموالي لهادي، المدرب في “قاعدة العند الجوية”، و”حزب الإصلاح” المحلي والميليشيات القبلية التابعة لـ “لجنة المقاومة الشعبية” باختراق الطوق الحوثي من الغرب وفك الحصار عن المدينة.
تهديد متجدد لمهاجمة صنعاء: منذ كانون الأول/ديسمبر 2015، أخذ التحالف الخليجي يقترب من صنعاء بواسطة عناصر من “الجيش الوطني اليمني” وميليشيات قبلية محلية مدربة ومجهزة من قبل السعودية ويعاد تموينها من خلال الإنزالات الجوية. وفي 20 كانون الأول/ديسمبر، أُنزل جنود مظلات في مديرية نهم في شرق محافظة صنعاء، مما سمح للقوات الموالية لهادي والميليشيات المحلية بإحراز تقدم هائل وسريع على طول الطريق الشمالي الرابط بين صنعاء ومأرب. وقد سقطت قاعدة “الحرس الجمهوري” في بيت دحرح، التي تقع على بعد 20 كيلومتراً عن ضواحي صنعاء، في 21 كانون الأول/ديسمبر، وفي 24 شباط/فبراير، قامت ميليشيات مدعومة من الضربات الجوية السعودية والإماراتية بهزيمة كتيبتين من الجيش اليمني مواليتين لصالح واحتلال قاعدة “الكتيبة المدرعة 312” الموالية لصالح في بلدة “فردة نهم” بعد حصار دام أسبوعين. وفي 24 شباط/فبراير، استحوذت القوات الموالية لصالح على “مخيم العرقوب”، وهو عبارة عن قاعدة عسكرية كبيرة تقع على بعد 40 كيلومتراً جنوب شرق صنعاء وتحيط العاصمة من الشرق.
وصول قوات هجومية جديدة: تُظهر المؤشرات الأخيرة أن قوات التحالف الخليجي تستعد لإعادة شن الهجوم، من خلال القيام بعمليات هجومية متزامنة في عدة محافظات. وفي تطور بارز، وصل فريق عمل إماراتي مؤلف من لواء مؤلل ترافقه دبابات من طراز “لوكلير” مؤخراً إلى مدينة عدن.
تقييم الحملة
كما أشار المحلل العسكري توم كوبر، استخفّ التحالف الخليجي بعدة عوامل تعمل ضده مثل: إبقاء الجيش اليمني على ولائه لصالح والحوثيين، وتأثير الأراضي وقدرات الحوثيين القتالية والمضاعفات الناتجة عن عمليات تنظيمي «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» و «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») في المناطق المحررة في جنوب اليمن. وفي ظل هذه التحديات، جمّد التحالف الخليجي خططه الهجومية الرئيسية ووسع نطاق قواته المتوفرة من خلال جهود كبيرة للتدريب والتجهيز، مدعومة بمساهمات لتوسيع نطاق القوات من قبل أعضاء التحالف. وبالرغم من تفوقها العددي الملحوظ، أُرغمت القوات الحوثية ووحدات الجيش اليمني على التراجع ببطء باتجاه صنعاء وشمال اليمن. وحققت الحملة البرية حتى الآن نجاحاً جديراً بالثناء، إذ أعادت حكومة هادي إلى عدن وحررت تعز من الحوثيين ومارست ضغوطاً على كل من صنعاء والموانئ التي يعتمد عليها الحوثيون على إعادة التجهيز.
ويكمن السؤال اليوم في معرفة ما إذا كان ممكناً تكرار النجاحات التي حققتها قوات التحالف الخليجي في محيط المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، في عقر دارهم، أي في مدينة صنعاء ومحافظة صعدة. وتُظهر عدة مؤشرات أن الحوثيين وقوات صالح قد أبقت أفضل وحداتها وقدراتها في هذه المناطق المركزية وأن الحملة كانت لغاية اليوم وإلى حد كبير بمثابة مقدمة وإجراء هدفه التأخير، تحضيراً للمعركة الأساسية في شمال اليمن. ويشير ذلك إلى أهمية إنهاء النزاع بوساطة دولية قبل أن يبدأ التحالف الخليجي هجومه على صنعاء أو معاقل الحوثيين في صعدة، الأمر الذي قد يكون معقداً للغاية على الصعيد العسكري وقد يؤدي إلى إطالة النزاع، ووقوع إصابات جسيمة في صفوف المدنيين.
الكسندر ميلو هو محلل أمني رائد في شركة “هورايزن كلاينت آكسس” للخدمات الاستشارية للطاقة.
مايكل نايتس هو زميل “ليفر” في معهد واشنطن.