مراجعة كتاب: خطوط عريضة للتعليم الديني للبروفسور كيه محمد أيرور

0

 

 

ملحق مراجعات عدد نوفمبر 2020

المؤلف الذي حصل على البكالوريوس والماجستير في الأدب العربي والتربية له خبرات طويلة في مجال إعداد المناهج الدراسية ومقررات الدراسة وتدريب المعلمين، وكان رئيس القسم العربي في مركز التربية والبحوث لتدريب المدرسين بولاية كيرالا. خلال فترة عمله هناك ترأس لجنة لإعداد منهج يختص بالفصول من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية العليا كما كان رئيسا في تأليف الكتب الدراسية وتدريب المعلمين.

 

أيضاً كان له دور مذكور في إعداد منهج دراسي جديد موحد للغات العربية والأردية والهندية بعد القيام بتعديلات في منهج كان يتبعه مركز تدريب مدرسي اللغات. وفي فترة 2009 – 2016 كان عميدا لكلية الأنصار للتدريب. وقد سبق له كتاب آخر تحت عنوان “الرؤية الإسلامية للتعليم”. وفي الكتاب الذي يُعرض هنا ينتقد بشدة الطريقة التقليدية التي تتشبث بها المدارس الدينية في كيرالا بدون استخدام الوسائل الجديدة والتقنيات العلمية الموجودة. ويتضح من مدخل الكتاب أن المؤلف إنما كتبه على خلفية التهمة المنسوبة للمدارس الدينية بعد حادثة 11 سبتمبر بأنها ماكينات لتفريخ الإرهاب. هذه التهمة الشائعة على مستوى العالم قد استفادت منها العناصر الفاشية في الهند أيضاً ضد المسلمين.

ولكن من يمسك زمام هذه المؤسسات، يقول المؤلف، غير واعين بما يستفحل حولهم من الخطر من قبل الأفاعي التي تنفث هذا السم. ما هي حالة المدارس والجامعات الإسلامية في كيرالا والولايات الأخرى في الهند؟ وما الفرق بين كل منها؟ وما هي نشاطاتها؟ كيف يتم تأسيسها وما هي مصادرها المالية؟ وما هي موادها الدراسية؟ وما هي عملية الدروس والتدريس فيها؟ أي طلاب يدْرسون فيها؟ أي نوع من المواطنين يتخرج منها؟ ومن المؤسف، حسب قول المؤلف، أنَّ المسؤولين لا يلقون بالاً لتلك الأسئلة التي تطرحها جهات معادية للإسلام من حين لآخر. وفي نفس الوقت، يشير الكاتب إلى أن الوسائل الإعلامية على نطاق واسع تحاول أن تثبت أن نشأة المدارس ذاتها كانت من رحم التطرف والإرهاب، وإنما استنهضت حركة الطابان من تلك المدارس.

إن المدارس الدينية والجامعات الإسلامية في الهند لها جذور تاريخية تعود إلى سنين مديدة. إن الجامعات مثل جامعة ديوبند في فاراناسي وجامعة ندوة العلماء في لكهنو وجامعة المسلمين في عليكرا وجامعة دار السلام في عمر آباد والجامعة الملية الإسلامية في دلهي كلها تأسست قبل استقلال البلاد، وقد أنجبت تلك الجامعات كثيراً من العلماء. ولجامعة ديوبند وقيادة جمعية العلماء التي قامت بتأسيسها دور بارز في نضال استقلال الهند. ولم يُوجّه لها أحد تهمة التطرف والأعمال الإرهابية إلا بعد حادثة الهجوم على المركز التجاري العالمي في أمريكا. يستغرب المؤلف من فشل مسؤولي المدارس والجامعات في الدفاع عن معاهدهم بتقديم صورتها الحقيقية بالوجه المطلوب لأوساط المجتمع المدني في الهند. لأن ما يجري وراء جدران تلك المباني لا يشغلهم، كما أنَّ تطوير مناهجها الدراسية اللازم عصرياً لا يعنيهم أبداً. يقول إنه يستهدف بهذا الكتاب أن يجعل هذه الحالة المأسوية موضوعا لمناقشة جادة وسط من يديرون هذه المؤسسات.

 وفي الفصول الأولى يقوم الكاتب بتسليط الضوء على موضوعات مثل مبادئ التعليم وأهدافه التي يقدمها الإسلام، وتاريخ المدارس والجامعات الإسلامية في الهند وخاصة في كيرالا، وتعليم النساء والمشكال التي تواجهها المدارس الدينية. وفي الفصول الأخيرة يتناول الجوانب التطبيقية من التعليم الديني من منهج التعليم الإسلامي وطرقه والتخطيط اللازم له ومقايس التقييم التي يجب أن تتخذ فيه، وأخيرا يقدّم مقترحات ينبغي أن تُتَّبع في مجال التعليم الديني. وفي الفصل الأول يُوَضّح الكاتب أهمية التعليم في الإسلام. يمر عليه بمعلومات تحتويها بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. وحين يلتفت إلى تاريخ التعليم الإسلامي في بلاد العرب يكشف عن الحالات في العهد الجاهلي وفي العهد الإسلامي. يقول إن السبب الرئيسي في تخلف جزيرة العرب التعليمي قبل الإسلام يعود إلى عزلتها عن الروم والفرس، الدولتين العظيمتين في ذاك العهد. وأول من عرّف أهل مكة على القراءة والكتابة كان حرب بن أمية والد أبي سفيان. نقلا عن فتوح البلدان للبلادري يشير إلى أن أول من اتخذ تعليم القراءة والكتابة مهنة في العهد الجاهلي كان رجلا من وادي القرى. في شكل ما كانت توجد في مكة ودومة الجندل والأنبار مدارس قبل الإسلام. وأول مدرسة في الإسلام كانت دار الأرقم التي أهداها الصحابي الأرقم للرسول صلى الله عليه وسلم عام 614م. وفي المدينة المنورة كان المسجد النبوي هو المركز الرئيسي لتعليم أولاد المسلمين. كان كثير من القبائل يعتمدون على هذا المسجد لهذا الغرض. وفي قرون الإسلام الأولى كانت المساجد هي مراكز التعليم، و”الصفة” الملحقة بالمسجد النبوي خير دليل على ذلك. العلامة الهندي الدكتور حميد الله يصف “الصفة” أوّل جامعة سكنية في الإسلام كما يصف معاذ بن جبل الذي بعثه النبي إلى اليمن “بالمفتش العام للتعليم”. في البداية كانت ممارسة التعليم في عهد النبي شفويا، ثم تطورت تدريجيا إلى القراءة والكتابة. وفي القرون اللاحقة نجد في التاريخ صورا متطورة لتلك الجامعات في جامعات مثل جامعة القيروان وجامعة الزيتونة وجامعة القرويين وغيرها. أول مدرسة على شاكلة المدارس الدينية الحالية هي المدرسة التي تأسست في مسجد القروية في المغرب عام 859م. يَرد في هذا الفصل ذكر التفاصيل عن المدارس التاريخية مثل مدرسة فهر التي قامت بتأسيسها بنت الصناعي المصري فاطمة بنت محمد الفهر والمدارس النظامية في العهد العباسي وجامعة الأزهر وغيرها. و تُذكر أيضا المعاهد الدينية في الهند مثل جامعة ديوبند وجامعة الفلاح بأعظم كر وجامعة الصالحات للبنات في رام بور ودار العلوم ندوة العلماء في لكهنو. وللجنة التعليم الديني في أوتارا براديش دور بارز في إدارة المدارس الدينية في شمال الهند. وهنا يجدر ذكر مساهمة الأستاذ الراحل أفضل حسين أمين السر للجماعة الإسلامية السابق في إعداد الكتب الدراسية العصرية بالتوافق التام مع مبادئ الإسلام.

أمّا تعليم النساء فقد اهتم به الإسلام في نشأته الأولى. كان النبي يخصص يوم الخميس لتعليم النساء. كان يوصيهن أن يتعلمن أشغالا مثل الخياطة والحياكة. نقلاً عن البلاذري، يذكر الكاتب أنَّ الشفا بنت عبد الله العدوية وأم كلثم وعاشة بنت سعد وكريمة بنت المقداد وأم المؤمنين حفصة بنت عمر كن معلّمات تبوّأن مكانة بارزة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

ويوجد في الكتاب فصل خاص لحركة المدارس الدينية في كيرالا. قبل قرنين لم تكن في كيرالا مدارس دينية في صورتها الموجودة في مبان خاصة، إنِّما كانت كُتّاب مُلحقة بالمساجد. السبورات والطباشير كانت غير معروفة في تلك الفترة. حتى حين أتت تلك المدارس إلى حيز الوجود كان بعض العلماء المحافظون يجتنبون كتابة الآيات القرآنية على السبورات احترازا من سقوط ذرات الطباشير التي تُكتب بها حروف القرآن على الأرض. وفي ذاك العهد كان الأطفال يدرسون فن الكتابة وهم يكتبون الحروف على الرمال. وكذلك كان حراما تعليم البنات الكتابة. كان التعليم في تلك الفترة مقتصرا على تعلُّم قراءة القرآن الفرائض الدينية. الذين يدرسون اللغة العربية والفقه الإسلامي والعقائد كانوا محدودين جدا. والكثرة الكاثرة من المسلمين كانوا يبتعدون عن تعلم لغتهم الأم مالايالام قراءة وكتابة. اكتفوا بتعلم كتابة لغتهم الأم بالحروف العربية مضيفين إليها حروفا جديدة تُمثّل الحروف المالايالامية غير الموجودة في اللغة العربية أصلاً. كان من رواد حركة المدارس الدينية المصلحين في كيرالا الشريف ماكتي(1847-1912) والأستاذ سيد علوي (1856- 1912) ومولانا الحاج تشاليلاكاتو كونهي أحمد(1866-1919) والمولوي فاكام عبد القادر(1873- 1932) وغيرهم. والطريف في الأمر أن الذين خالفوا هؤلاء المصلحين تقدموا فيما بعد بتأسيس مدارسهم  تحت هيئة خاصة تسمى هيئة التعليم الديني لعموم كيرالا. والآن هناك أكثر من ستة آلاف مَدرسة وخمسين ألف مُدَرّس ومليون طالب تحت هذه الهيئة. فضلاً عن هذا، فقد أسسوا الكليات العامة بمناهج الدراسة العلمانية الحكومية كما قاموا بإصلاحات جذرية في مجال التعليم والمناهج الدراسية،  يرد  ذكرها تفصيلاً في الفصول التالية.

وفي الفصول الأخيرة يركز الكاتب على الجوانب التطبيقية في مُمارسة التعليم الديني مثل تدريب المدرسين على أساس مبادئ الإسلام والأصول العصرية، والتعديلات اللازمة في مناهج الدراسة الحالية، ووسائل التدريس وأساليبها. ويُناشد العاملين في هذا المجال أن تكون عملية التعليم مُتمركزة على الطفل أسوة بالمنهج التربوي النبوي؛ لأنَّ النبي كان يراعي خصائص كل شخص عندما يُلقي إليه تعليماته. وينقل الكاتب هنا النقاط الواردة في النظريات التعليمية لكل من ابن خلدون والغزالي والفارابي والماوردي من الفلاسفة القدماء. ويشير إلى أن هناك ثلاثة نطاقات يجب أن يُهتمّ بها في عمليات التعليم. أولها النطاق الإدراكي أو المعرفي، وثانيها النطاق السلوكي وثالثها النطاق الحركي النفسي (Psychomotor Domain)، النطاق الأول يتعلق بالمعرفة والفهم والتفكير والتفكر بتعمق في موضوع ما. ويقوم النظام التربوي بالتركيز على هذه المهارات في العمليات التعليمية، وبخاصة المستويات الدنيا منها. ولكل هذه النطاقات مستويات خاصة. على سبيل المثال قد صنف عالم علم النفس التربوي بنجامين بلوم ستة مستويات للنطاق الأول، وهي بالترتيب من المستوى الأدنى إلى المستوى الأعلى كما يلي: 1) المعرفة: هي إظهار المقدرة على تذكر وإعادة سرد معلومات دُرست من قبل. وهذا يشمل استرجاع حقائق ومفردات ومفاهيم وإجابات بسيطة. وهي تشمل أ: معرفة تفاصيل المعلومات مثل المصطلحات. بـ: معرفة التعامل بالتفاصيل وهي إدراك المفاهيم مثل ماهية المتعارف عليه والاتجاهات والتتابعات والتصنيف والتبويب والمعايير والمنهجيات. جـ: معرفة الشموليات والتجريد في مجال محدد، معرفة مفاهيم مثل النظريات والعموميات والمبادئ والتراكيب. 2) الفهم  (Comprehension): إظهار فهم للحقائق والأفكار والقدرة على التنظيم والمقارنة والترجمة والتفسير والتوصيف والسرد والاستخلاص. 3) التطبيق: استعمال معلومات ومعرفة جديدة، وحلّ مشاكل ومسائل جديدة بتطبيق المعرفة والحقائق والتقنيات المكتسبة بطرق مختلفة لتُلائم الوضع الجديد. 4 ) التحليل: تمحيص المعلومات وتفكيكها إلى أجزائها وتحديد الأسباب والدوافع. القيام باستنتاجات ودمغها بحقائق لدعم عمومياتها. تحليل العناصر والعلاقات والمبادئ التنظيمية فما بينها. 5 ) التركيب: تجميع المعلومات بتركيب عناصرها بطرق وتسلسلات مختلفة وطرح حلول بديلة. طرح طرق تواصل فريدة. طرح خطط وعمليات مختلفة واستخلاص علاقات تجريدية. 6 ) تقييم: طرح الأفكار والدفاع عنها، الاجتهاد بناء على أدلة داخلية ومعايير خارجية. ويلي هذه “المستويات” المستويات الخاصة بالنطاقات الأخرى المذكورة أعلاه.

كان ألورد ميكولا هو رائد نظام التعليم الحديث في الهند، كان هدفه بهذا النظام إنتاج موظفي المكاتب كي تستفيد منهم السلطة الكولونيالية. وبعد استقلال البلاد بات المنهج الدراسي لجميع المعاهد التعليمية مبنياً على المبادئ العلمانية. فكان لابد للمسلمين من المدارس الدينية لتعليم جيلهم الناشئ مبادئ الإسلام وتربيتهم على منهج سليم. كان آباؤهم يتمتعون ببُعْد النظر في هذا الشأن. في وقت جد مبكر كانت توجد مدارس دينية وجامعات إسلامية متوازية لمعاهد التعليم الحكومية في جميع أنحاء البلاد بفضل المؤسسات الوقفية التي وقفها المحسنون قبل زمان. هذه المدارس والجامعات لا تزال تُدار برُسومات زهيدة تتسلمها اللجان الخاصة بتلك المعاهد من سكان كل منطقة، بالإضافة إلى تبرعات شهرية أو سنوية تأتي إليهم من لجان في الدول الخليجية تابعة للجانهم المحلية في منطقتهم. هذه هي مصادرها المالية الرئيسية لإدارة تلك المدارس والجامعات. وثمَّة عدة مشاكل تواجه هذه المدارس الأهلية. على سبيل المثال كانت المدارس الابتدائية والثانوية تعمل حتى عهد قريب في الفترة الصباحية. ولكن لمّا بدأت بعض المدارس الحكومية تعمل في الصباح الباكر اضطرت المدارس الدينية إلى أن تُغيّر ساعات عملها لتكون في فترة مسائية أو في يومين في الأسبوع الموافقين بعطلة المدارس الحكومية. ومن المشاكل ما يتعلق بالمواد الدراسية في المعاهد الحكومية. لأنَّ الطالب المسلم، كما يقول سيد قطب في كتابه “العدالة الاجتماعية في الإسلام”، لا بأس في أن يتلقى العلوم البحته، كالكيمياء والطبيعة والأحياء والفلك والصناعة والزراعة وغيرها من أي مواد دراسية أو أي مُدرّس، مسلما كان أو غير مسلم. لأنها من الشؤون الداخلية في قول الرسول صلى الله عليه وسلم “وأنتم أعلم بأمور دنياكم”. وأما ما يتعلق بتكوين تصور المسلم عن الحياة والكون والإنسان وغاية وجوده وتاريخه، وبخالق الوجود كله، مثل العلوم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ودراسات النفس الإنسانية ونظرية الارتقاء فشأنها ليس شأن العلوم البحتة. الطالب المسلم الذي تلقى العلوم البسيطة في المدارس الدينية حين يبدأ يدرس تلك العلوم في الجامعات من الطبيعي أن تُشكّل التوتر والشكوك في نفسه. فلابد من مقاربتها بمنظور إسلامي مما يستوجب مشروع أسلمة تلك العلوم .

 ولمعهد الفكر الإسلامي بواشنطون الذي تبنى ذاك المشروع إنجازات قيمة بهذا الصدد. من صعب المنال حل هذه المشكلة في بلد مثل الهند. المخيّمات الصيفية التي تُعْقد للطلاب في إجازاتهم السنوية تساعد قدرا ما لإيجاد حل هذه الأزمة في الوعي الديني. “هناك نوعان من المناهج الدراسية، أحدهما ما في الكتب الدراسية وثانيهما ما في ذهن المُدرّس. المُدرّس الذي يُدرّس “الكتاب الهندوسي المقدس “جيتا” يمكنه من خلال تدريسه إياه أن يُدرّس القرآن أيضا إن كان ماهرا في فن التدريس”. هكذا اقترح مفكر الإسلام أبو الأعلى المودودي لبنته حميراء التي كانت مدرسة اللغة الإنجليزية في كلية البنات بجدة حين اشتكت له من الكتب الدراسية في كلّيتها التي قام بإعدادها التربويون الغربيون.

—————————————————–

اسم الكتاب: خطوط عريضة للتعليم الديني

 المؤلف: بروفوسور كيه. محمد أيرور

 اللغة: مالايالام.

عدد الصفحات: 160

 السنة : 2020

 الناشر: الكلمة، كوزيكود، كيرالا، الهند    

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Share.