في ذم الجهل

1

لقد نما إلى مسامع الشيخ سلمان بن صليبي آل مصالحة أنّ بعضًا من أيتام ابن تيميّة ومن لفّ لفّهم من أنسال الوهابيّة، قد تطاول بكلام فيه تقذيع وتكفير لبعض البريّة.

ولمّا كان الشيخ سلمان، ورغم عيشه في غربة وطنيّة بعيدًا عن مسقط رأسه في الحارة الغربيّة من بلدة المغار الجليليّة، لا ينسى أصوله العربيّة الأبيّة، بخلاف أولئك المُكفّرين من ذوي الأصول الأعرابيّة الغبيّة. وَلمّا كان أيضًا يأنف من الحديث بلغة سوقيّة كلغة هؤلاء الأذيّة، فقد وطّن النّفس أن يقول كلامًا بلغة يعربيّة أصيلة وجليّة، وبنبرة كثيفة ولطيفة في آن. فمن يدري؟ لعلّ كلامه هذا يُنظّف قلوب ذوي العقول التامّة من خاصّة الإنسان، ويشنّف آذان العامّة من رعاع العربان. ومن يدري؟ فلعلّ، وعسى أن يكون هذا الكلام مُحرّكًا لذهن من لا يزال يمتلك ذرّة من بصر أو بصيرة.


في ذمّ الجهل

(قصيدة بنبرة صوفية)

العَيْنُ تَقْطُـرُ وَالأَكْبَادُ تُعْتَصَـرُ

فِي مَشْرِقٍ عَاثَ فِيهِ البَدْوُ وَالمَدَرُ.

أَضْحَتْ مَرَابِعُهُ قَفْرَاءَ. وَانْبَعَثَتْ،

مِنْ جِيفَةِ الرَّمْلِ، أَفْكَارٌ بِهَا قَذَرُ.

يَا أُمَّةً جُبِلَتْ بِالحِقْدِ مُذْ دَرَجَتْ

وَبَايَعَتْ جَاهِلاً يُفْتِـي. وَيَحْتَقِـرُ

مَنْ بَارَكَ العَقْلَ، إذْ عَزَّ الأَنَامُ بِهِ

مُذْ أَنْ تَصَوَّرَ فِي الأَرْحَامِ، يَبْتَكِـرُ.

لَوْلا العُقُولُ، الَّتِي شَعَّتْ لِبَارِقِهِ،

لَمَا عَرَفْنَا قَدِيـمًا أَنَّنَا بَشَـرُ.

مَنْ كَانَ مِنْ أُمَّةِ الحَمْقَى الَّتِي رَسَمَتْ

إِمَامَهَا الحِقْدَ، فِي الإظْلامِ يَنْقَبِـرُ.

***

العَيْنُ تَنْظُـرُ حَتَّى صَارَ صَاحِبُهَا،

مِنْ شِدَّةِ الظُّلْمِ فِي العُرْبانِ، يَخْتَصِرُ

سَرْدَ الحَدِيثِ الَّذِي أَمْسَى بِهاجِسِهِ

ثِقْلاً عَلَى الرُّوحِ، فَاسْتَاحَتْ بِهِ الفِكَـرُ.

وَأَوْصَلَتْـهُ مَقَامًا، عَزَّ دَاخِلُـهُ

مُفَارِقًا أَرْضَ مَنْ سَبُّوا، وَمَنْ كَفَرُوا

بِنِعْمَةِ العَقْلِ. لا يَدْرُونَ مَا حَمَلَتْ

وَرْقاءُ هَاتِفَـةٌ يَحْيَى بِهَا السَّحَـرُ.

حِينًا تُوَزِّعُ مِنْ تَنْحابِهَا أَمَلاً،

حِينًا تُرَاقِبُ كَيْفَ الفَجْـرُ يَنْفَجِـرُ.

***

العَيْنُ تُبْصِرُ فِي الأَذْهَانِ، مَا بَصَرَتْ،

سِرًّا تَمَثَّـلَ فِيمَا فَاحَ يَنْتَثِـرُ.

لَيْسَتْ كَمَنْ عُصِبَتْ عَيْنَاهُ فِي نُطَفٍ

بِالْبَطْنِ، بِالفَخْذِ، بِالأَنْسَابِ يَفْتَخِـرُ.

مَنْ قُدَّ مِنْ حَلَكٍ يَبْقَى بِحُلْكَتِـهِ

حَتَّى وَإنْ سَطَعَتْ مِنْ فَوْقِهِ الدُّرَرُ

ذَاكُمْ قَضَاءُ الَّذِي، كَالْكَلْبِ قَدْ سُعِرَتْ

أَحْوَالُـهُ. بِعُواءِ الكَلْبِ يَحْتَضِـرُ.

***

العَيْنُ تَحْفِـرُ فِيمَا شَاعَ مِنْ حَلَكٍ

وَاللَّفْظُ يَذْكُـرُ بَعْضَ الحَقِّ، فَاصْطَبِرُوا!

لَمْ يَبْقَ مِنْ كَلِمٍ يُرْجَى لِمُجْتَـرَبٍ

مِنْ أُمَّةِ الحِقْدِ، أَصْفَى زَيْتِهَا العَكَـرُ.

مَاذَا أَقُولُ، وَقَدْ جَرَّبْـتُ كَابِرَهَا،

فَاسْتَكْبَرَتْ وَبَغَتْ وَاسْتَنْكَـرَتْ تَقِـرُ.

مِثْلَ الحِمَارِ الَّذِي تَنْوِي تُعَلِّمَـهُ،

يَرْتَدُّ فِي عَجَلٍ لِلْأَصْلِ، يَنْحَمِرُ.

مَهْمَا تَبَجَّحَ أَهْلُ الجَهْلِ، لَنْ يَصِلُوا

حَدَّ الشُّـرُوقِ الَّذِي يَسْمُو بِهِ البَصَـرُ.

حَيْثُ الأَنَامُ سَوَاءٌ فِي مَعَارِفِهِمْ

يَسْتَذْكِرُونَ عُلُومًا، آنَ أَنْ فُطِرُوا.

كُلُّ الكَلامِ، وَإنْ جَدَّتْ بِهِ صُوَرٌ

قَدْ كَانَ جَوْهَرُهُ فِي العَقْلِ يَزْدَهِرُ.

***

العَيْنُ تَصْبُـرُ عَنْ قَحْطٍ بِنَاظِرِهَا

وَتَسْتَعِينُ بِنُورٍ لَيْسَ يُبْتَصَـرُ

لَنْ يُدْرِكَ القَوْلَ مَنْ تَحْيَى بِهِ نُطَفٌ

مِنْ مَعْدِنِ الجَهْلِ. فِيهِ الشَّـرُّ يَخْتَمِرُ.

الخَيْرُ وَالشَّـرُّ مَخْلُوقَانِ فِي جَسَدٍ،

وَالعَقْلُ يَعْرِفُ مِنْ أَيٍّ لَـهُ خَطَـرُ.

هذا كَلامِي، فَمَنْ يَدْرِي، لَعَلَّ بِهِ

حَبْلاً لِمَنْ مُسِخَتْ أَجْدَادُهُ الحُمُـرُ.

وَإلاَّ، خَلَصْتُ، وَخَيْرُ القَوْلِ خَاتِمَةٌ:

نَاسٌ مَعَ العَقْلِ، وَنَسْلُ الجَهْلِ قَدْ فَشَرُوا.

*

والعقل وليّ التوفيق!

من جهة أخرى

1 تعليق
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
السلفي الحريزي المراكشي
السلفي الحريزي المراكشي
10 سنوات

في ذم الجهل
ليتك أبقيت القصيدة على القافية التي بدأت بها. قد أفسد علي ذلك التبديل متعة قراءة قصيدتك.

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading