“حيطها واطي”: شكراً شيخ نعيم!

0

 ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بتعليقات على ما قاله نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم في شأن عدم كفاءة المرأة المطلِّقة تولي .وظيفة تربوية.

قاسم قال حرفياً: “اذا مدرّسة دايرة على افكار خاصة في كيفية الحياة، تَصوّرْ بدها تنظّرلهم عن الحياة كيف نعيشها، بتطلع هي مثلاً لنفترض معلّمة مطلّقة ومقضيّة مشاكل بحياتها ومن الخراب اللي وقعت فيه بدّها تعطي نصيحة للبنات حتى ما يوقعوا باللي وقعت فيه، شو حتكون نصيحة حدا وقع بمشكلة”.

 

كلمات قاسم تشير الى ان المرأة لا تزال حرفاً ناقصاً في وعي فئات واسعة من المجتمات العربية والإسلامية، لغياب القوانين التي تمنع التمييز ضدها. ليس بسبب التطبيق الدقيق لما ورد في النصوص الدينية، وانما بسبب التربية الذكورية التي تكرّس نظرة دونية إلى النساء وتسمح باستغلال مَثَل المطلّقة ككائن مضطرب وقع في الخراب، بالتالي هي غير جديرة بأن تكون مؤتمَنة على الأجيال الصاعدة.

أكثر من ذلك، المطلّقة وفق ما يُقرأ في كلام قاسم، هي مثال سيئ لأنها “صاحبة مشاكل”، بالتالي تتحمل مسؤولية فشل المؤسسة الزوجية، ونظراً الى ان فاقد الشيء لا يعطيه، لا يحق لها تقديم النصح الى البنات.

كأن الطلاق هو آخر الدنيا للنساء، والمطلّقة “حيطها واطي” كما يقال في العامية اللبنانية، في حين لا يُعاب الطلاق على الرجال القادرين أصلاً على الزواج مثنى وثلاث ورباع. العكس صحيح، اذ يتجدد فراشهم وفق الموروث الثقافي العربي، كما ان الردة الى استثمار المذهبية روّجت وسوّقت لهم زواج المتعة من “مطلّقات أو أرامل أو عوانس”، وبأسلوب يذكّرنا بزمن الاماء والجواري. وهذا لعمري، وإن بُني على كيفية التفسير الغرضي للنصوص الدينية، ممارسة ذكورية بامتياز.

السوابق لا تُعَدّ ولا تُحصى، فالأدلة تصفعنا يومياً. ونراها في السجالات المتعلقة بإقرار قوانين ترتبط بحقوق بديهية للمرأة، كمنحها ابنها جنسيتها او رفضها الزواج من مغتصبها او مقاضاة هذا المغتصب بما يناسب جريمته او الحصول على نفقة عادلة في حال الطلاق لها ولأولادها، والتي يعوق إقرارها او تنفيذها رجال، حتى لو كانوا رجال دين او قانون.

كلما تدهورت مجتمعاتنا مع حروب وأنظمة شمولية وتطرف ديني يجعل ارتداء الحجاب انجازاً يستحق التهنئة ويؤشر الى الانتصار مع انه خيار شخصي تحترم من ترتديه تماماً كما تحترم من لا تلتزمه…، نالت المرأة نصيبها من الظلم والقمع وسوء التقدير والاستخفاف، ما لم يتغير أساس التربية الذي لا يعتمد القانون الصارم والحازم لردع الاعتداءات التي يمارسها الرجال ضد المرأة، وما لم تتوقف محاسبة النساء معنوياً واجتماعياً اذا كن ضحايا هذه الاعتداءات.

الدين لا يردع فئة من الرجال يؤدون واجباتهم الدينية ظاهرياً، لكنهم يبيحون لأنفسهم الاستمتاع بمن تروق لهم وفق سلوكيات لا يردعها خوف من القوانين كما في المجتمعات المتطورة. فهم ذكور وممنوعةٌ ادانتهم لأن شراهتهم الجنسية تلبّى بالحلال او بالحرام، شرط ان تبقى طي الكتمان، والحق على مَن تغريهم، وغالباً ما يختارون المطلّقات لحلالهم الموقت.

ورغم التطور العملي والتقني، لا تزال المرأة محتقَرة حتى في الاستخدام اللغوي الذي يعتبرها أداة شتم للنيل من رجل بشرفه وعرضه مثلاً على أساس ان الشرف والعرض يكمنان في الأجهزة التناسلية للنساء، وتحديداً مع التدهور الذي تعيشه المجتمعات العربية، ما يجعل الافراط في الذكورة المتضخمة وتحجيم النساء واعتبارهن وسيلة لـ”فش الخلق” والتنفيس عن الغضب المكبوت رداً غرائزياً على القمع والظلم، عندما لا يترك للضعيف الا ان يستقوي على الأضعف.

اما القوي في مجتمع لا رقيب فيه ولا حسيب ولا قوانين مرعية الاجراء، فلا شيء يردعه عن اشباع نزواته، سواء تعلقت بالمرأة او السلطة او استغلال النفوذ.  ولا سيما عندما يقترن فائض القوة بمرجعية إلهية يمكن من خلالها اعتبار صوت المرأة عورة. و”إذا قرع بابها فينبغي أن لا تجيب بصوت رخيم بل تغلظ صوتها. حتى لا يتلذذ السّامع به، أو يخاف على نفسه فتنةً، ما يحرم عليه استماعه”. حينها يصبح الحكم بالاعدام نصيب امرأة قتلت رجلاً كان يعتدي عليها، فقط لأنه صاحب سلطة عسكرية في دولة دينية.

انطلاقاً من هذه الذكورية المتجذرة في الوعي الاجتماعي، يجب قراءة كلام قاسم، وليس انطلاقاً من موقعه الديني او الحزبي، كما تشي غالبية تعليقات التواصل الاجتماعي لمَن يبحث عن مآخذ يصيب بها “حزب الله” (والمآخذ أكثر من الهمّ على القلب، مع او من دون موقف “حزب الله” من المرأة وحقوقها المدنية). وليس جديداً ان الرجال يطوّعون الدين والسلطة والرتبة الوظيفية وما يستطيعون اليه سبيلاً للوصول الى مآربهم.

ليس كلام الشيخ نعيم قاسم هو العلة، لكنه يفتح الباب على علل لا تنتهي، وعلى موروثات من التمييز ضد المرأة بما تيسر من تسلط تغذيه المرأة بتربيتها المتحيزة للذكر على حساب الانثى لأنها تعودت وقبلت انها حرف ناقص وعورة و”حيطها واطي”، وعليها دون سواها تقع مسؤولية حماية نفسها من الطلاق وخلافه، في مجتمع لا يقبل ان تأتيه مدرِّسة بـ”افكار خاصة في كيفية الحياة”، ولا سيما اذا كانت مطلّقة، لأنها سترجَم بالكلام إن لم تُرجَم بالحجارة.

sanaa.aljack@gmail.com

“النهار”

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Share.