ثلاث لوحات ترمز إلى “النهضة الثقافية اللبنانية” عادت إلى متحف سرسق بعد ترميمها في باريس

0

(في متحف سرسق للفن التشكيلي، لوحة رسمها الهولندي كيس فان دونغن في ثلاثينات القرن العشرين وتمثل مؤسِس المتحف نقولا سرسق، لدى تسلمها مرممة من مركز بومبيدو الفرنسي في 20 نيسان/أبريل 2023)

 
 

(وكالة الصحافة الفرنسية)من بين عشرات اللوحات التي كانت في متحف سرسق للفن التشكيلي في بيروت وشوّهها انفجار مرفأ المدينة في 4 آب/أغسطس 2020، ثلاث مرتبطة بشخصيات “ساهمت في نهضة الحياة الثقافية اللبنانية”، عادت الثلاثاء إلى مكانها بعد عملية إنقاذ لها في مركز بومبيدو الفرنسي.

 

وتقول مديرة متحف سرسق للفن التشكيلي القديم والمعاصر كارينا الحلو لوكالة فرانس برس إن اللوحات الثلاث التي عُلقت الثلاثاء أرسلت إلى باريس لترميمها بعد الانفجار المروّع الذي طالت أضراره الأحياء القريبة من المرفأ، ويقع المتحف في أحدها، “لأن تصليحها كان صعبأ ومعقداً بالمقارنة مع القطع الفنية الأخرى المتضررة”.

 

وأضافت الحلو “خضعت هذه اللوحات لأشهر من العمل في قسم حفظ الأعمال الفنية في مركز بومبيدو”، أحد أكبر متاحف الفن الحديث والمعاصر في العالم، لتعود كما كانت.

بعناية فائقة، تولى مالك السطيف الذي يعمل في المتحف منذ نحو تسعة أعوام، إخراج اللوحات الموضبة في نهاية الأسبوع الفائت بدقة كبيرة من صناديقها الخشبية، وهو يضع قفازات.

وتمثّل القطعة الأولى التي رسمها الهولندي كيس فان دونغن في ثلاثينات القرن العشرين، مؤسِس المتحف نقولا سرسق جالسا على كرسي، وتعرّضت لتمزّق عميق افقي قرب العين. وستُثبّت اللوحة حيث كانت، في مكتب نقولا سرسق في الطبقة الثانية. ويقول السطيف “كأنها كانت مريضة وسافرت لتتعالج”.

وتروي الحلو أن دونغن الهولندي الأصل الذي كان يعيش في فرنسا، زار بيروت يومها ورسم بورتريهات عدة في العاصمة اللبنانية لعائلات من هذه المنطقة ولرجال دين. وتشدد على أنّ “لهذه اللوحة معنى مهماً في مجموعة المتحف اذ تؤكد انفتاح لبنان على الغرب ودور بيروت الريادي حيث كان الفنانون الاجانب يقصدونها”.

وحين فتح مالك السطيف الصندوق الثاني، أطلت منه لوحة زيتية للرسام اللبناني بول غيراغوسيان عنوانها “مواساة”، تنبض حناناً ويخيّم عليها اللون الأبيض، فخاطبها قائلاً “اشتقت إليكِ”، اذ هي من مجموعة المتحف الدائمة، وتمثّل طيف اسرة تحضن طفلها. وتوضح الحلو أن بول غيراغوسيان، أحد أبرز وجوه الفن التشكيلي اللبناني، “تأثر بالحرب وتميز برسم الأم التي تحمل إبنها”.

تُعتَبَر سويسرا بِحَق بلد التعاونيات. وهنا، لا يتخلل مبدأ التعاون قطاعها الاقتصادي فحسب، ولكنه يشكل جذور سياستها أيضا.

وتفحصت الحلو بإعجاب ترميم التشققات في اللوحة الثالثة ذات الألوان النارية، ولاحظت العمل الدقيق في نسج كل خيط من خيوط هذا الرسم الشخصي (بورتريه) العائد إلى العام 1967 بريشة سيسي تمازيو سرسق، ويمثّل الرسّامة أوديل مظلوم التي أسست صالة عرض فنية في بيروت، “وكانت منذ الستينات أحد أبرز الوجوه الثقافية البيروتية”.

وتكمن أهمية اللوحات الثلاث في كونها تعبّر عن “ذاكرة بيروت الثقافية والفنية”، بحسب الحلو التي تذكّر بـأن “نقولا سرسق و أوديل مظلوم وبول غيراغوسيان ساهموا في نهضة الحياة الثقافية في لبنان”.

 

لوحات أخرى متضررة

إلا أن هذه اللوحات لم تكن الوحيدة التي رسم انفجار بيروت آثار الكارثة عليها. فوقت الانفجار الذي أسفر عن أكثر من 200 قتيل وستة آلاف جريح، كان المتحف البيروتي يقيم معرضين، أحدهما ضمّ 26 لوحة انطباعية تعبيرية للفنان التشكيلي اللبناني الرائد جورج داود قرم (1896ـــ1971)، أما الثاني فجمع اكثر من 100 عمل فني لواحد وعشرين فناناً تشكيلياً، من بينها لوحات ضمن مجموعة المتحف الدائمة.

 

ولحقت بالطبقتين الأولى والثانية اللتين كانتا تحتضنان المعرضين أضرار كبيرة، فتصدعت الجدران وتحطمت الأبواب الخشبية المزخرفة وتفتفت زجاج النوافذ العالية الملوّن.

ومزق حطام الزجاج والأبواب غالبية هذه اللوحات وترك انهيار الأسقف المعلقة بقعا بيضاء عليها، فيما خسرت بعض اللوحات ألوانها.

وانتهى القيمون على المتحف في تشرين الأول/أكتوبر 2020 من إزالة الغبار عن أكثر من 1500 عمل فني كانت محفوظة بأمان في طبقات تحت الأرض ولم تلحق بها تالياً أية أضرار. وفي تشرين الثاني/نوفمبر، أزيل الغبار عن الكتب والوثائق التي تزين مكتبة المتحف.

وتولى فريق المتحف المتخصص في الترميم إعادة عدد كبير من القطع الست والستين التي تضررت، من لوحات ومنحوتات، إلى سابق عهدها “بشكل متقن بدعم من المعهد الوطني الفرنسي للتراث” ، على ما تؤكد الحلو، و”نجاحه في هذه المهمة عزز الثقة بدور المتحف”، وأثار “ارتياح أهالي الفنانين الراحلين الذين يقتني المتحف لوحاتهم”.

وتشدد الحلو على أن المتحف يسعى إلى تعزيز هذا القسم وتطويره، وهو الأبرز في لبنان في هذا المجال.

ويقع المتحف في حي سرسق في بيروت، في قصر بناه نقولا سرسق الشغوف بالفنون عام 1912. وفي وصيته قبل وفاته عام 1952، قدم سرسق قصره الى بلدية بيروت لتحويله متحفاً للفن. وافتتح للمرة الأولى في العام 1961.

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Share.