السؤال هو: لماذا “تتهيّب” القوى الوازنة برلمانياً خوض معركة رئاسة الجمهورية، ولماذا تتهيّب الدعوة إلى “جبهة وطنية، برلمانية-شعبية”، لإيصال مرشح “سيادي” إلى قصر بعبدا؟ ولماذا يدعو بعضها لنظام جديد في لحظة الدفاع عن الجمهورية اللبنانية؟
*
انتصرت القوى المسمّاة “سيادية”، أي الكتلة “الجنبلاطية”، وكتلة “القوات اللبنانية”، في معركة الإنتخابات النيابية على أساس شعارات مواجهة حزب الله التي يعود “الفضل” في رفعها، باستمرار وبدون هوادة، إلى “مزايدات” (التعبير ليس مني، ولا أتبنّاه طبعاً!) “لقاء سيدة الجبل” و”المجلس الوطني لرفع الإحتلال”!
أدرك “وليد بك” أن الشعار “السيادي” هو الكفيل بتعبئة بيئة “الموحّدين (“السيادية “بالخِلقة”) حول تيمور جنبلاط! في حين التفَّ قسم كبير من الجمهور المسيحي حول “القوات اللبنانية” بصفتها “درعَ الطائفة” بعد مواجهة “عين الرمانة” ومحاولات حزب الله وميشال عون “تلبيس تهمة إطلاق النار” للدكتور سمير جعجع!
حسناً، المعركة الإنتخابية باتت وراءنا، فماذا نطالع اليوم؟
في ما يلي بعض النماذج.
“فيدرالية” ملحم رياشي
الإستاذ ملحم “أوعا خّيَّك” رياشي، “عرّاب” مشروع ترئيس ميشال عون، رد على “النشيد المهدوي” (نشيد “إيراني” مترجم إلى “اللبنانية”) بالدعوة إلى نظام “فيدرالي”! وحسب قوله “في حزب القوات نقاش كبير فيه حول موضوع الفيدراليّة، ونحن نحترم الدستور و”اتفاق الطائف” ولكن لا يوجد دستور مقدّس”! كلام الأستاذ رياشي هل يُلزِم “القوات” أم هو تعبير عن طموحٍه الخفي لبناء “زعامة كاثوليكية” خاصة به!
بعد كارثة “ترئيس عون”، يتجرّأ الأستاذ ملحم رياشي على الدعوة لكارثة لبنان “فيدرالي”، أو نظام “متصرفّية” مملوكي حسب قوله!! (مسيو رياشي: عهد “المماليك” انتهى في معركة مرج دابق في ١٤٥٣، نظام المتصرفية عثماني تأسّس في ١٨٦١ وانتهى في ١٩١٨!). الأخطر هو أن السيد رياشي “يتبرّع” بـ”كل الطائفة الشيعية” للحزب الإيراني!
اللحظة الآن هي لحظة الدفاع عن الجمهورية اللبنانية، بدستورها وقوانينها، وليست لحظة الدعوة لـ”نظام جديد” (“فيدرالي”) كما يرغب حزب الله.. والأستاذ ملحم رياشي!
عدوان: قادرون على منع وصول أيّ شخص غير سيادي إلى سدة الرئاسة
بعد تصريح الدكتور سمير جعجع بأنه ليس ضد وصول قائد الجيش إلى رئاسة الجمهورية (!)، أدلى نائب رئيس “القوات” ، الأستاذ جورج عدوان، بتصريحات مدهشّة في تخبّطها وخطورتها!
أكد نائب رئيس حزب القوات اللبنانية أن “القوات لم ترشح رئيسها سمير جعجع لرئاسة الجمهورية حتى الآن لكن اسم جعجع مطروح لأننا ببلد مكونات. فالمكون الشيعي بثنائيته اختار رئيس البرلمان نبيه بري وكذلك الأمر بالنسبة لبقية الطوائف يضاف الى ذلك أن جعجع يمتلك المواصفات اللازمة، وبالتالي فهو مرشح طبيعي لهذا الموقع”. وأوضح عدوان أن القوات لا تعتمد شعار “أنا أو لا أحد” ونضع المصلحة الوطنية أولوية وبدأنا التواصل مع الأطراف المعارضة والسيادية لاختيار شخصية تتناسب مع المواصفات”. وتابع “التصويت لشخص يقبل بهيمنة حزب الله وممارسته السابقة غير إصلاحية لرئاسة الجمهورية “مش واردة”!
وأشار الى أن “القوات بصدد وضع مجموعة من النقاط السيادية والإصلاحية كمشروع لرئيس الجمهورية ولن نرضى باتفاقات من تحت الطاولة والسلاح لا يمكن أن يبقى ومن واجبات الرئيس حماية الدستور وخلال السنوات الماضية قدم عون الغطاء السياسي للسلاح غير الشرعي”. وأضاف “ترشحنا للانتخابات متعهدين بعدم تكرار التجربة.. وأعيد وأتعهد اليوم أمام اللبنانيين بأننا لن نعيد التجربة”.
سنفترض أن كلام السيد جورج عدوان (صاحب “قانون جورج عدوان”، المِلّي، الأسوأ في باريخ لبنان) و”تعهّده أمام اللبىانيين” هو من نوع “النقد الذاتي” على تجربة “أوعا خيّك”!
ما لا نفهمه هو أن السيد عدوان “يكز” عن زميله الرياشي و”يهدي” الشيعة كلهم لحسن نصرالله ونبيه بري (“المكون الشيعي بثنائيته اختار رئيس البرلمان نبيه بري”!!) ألم يلاحظ مسيو عدوان أن الشيعة “طائفة محتلة” مثلهم مثل بقية الطوائف؟ وانهم لم “يختاروا“؟ ألم يلاحظ، أيضاً، أن “احترام المكوّنات” هو كلام “عوني” بامتياز؟)
ماذا بعد؟
رأى السيد عدان أن “وضعية التواصل مع حزب الكتائب تغيرت والتقيت والنائب سامي الجميل وبالتوجه الوطني نحن “أكتر من قراب” ونحن نسعى بوضوح لتجميع كافة القوى السيادية والإصلاحية لتغيير الوضع الراهن من خلال وضع مواصفات لبناء الدولة”،. كذلك التواصل ممتاز مع النائب ميشال معوض والكتلة التي يسعى لتشكيلها واللواء ريفي والنائب فؤاد مخزومي وعدد كبير من النواب السياديين”. وذكر عدوان أن “كتلة الجمهورية القوية 19 نائباً يضاف إليها النواب المقربين إليها وعلينا احترام تمثيل بعضنا ومهمتنا الأساسية توحيد القوى الإصلاحية والسيادية لتحقيق التغيير المنتظر من قبل الناس”.
مفهوم أن “يركّز” صاحب “قانون جورج عدوان” على النائب “السيادي من ٣ أيام” فؤاد مخزومي! وعلى الأستاذ ميشال معوض الذي أعطاه “إتفاق أوعا خيّك” الغطاء الشرعي للإنتقال مباشرةً من “مكاتب ١٤ آذار بالأشرفية” إلى كتلة جبران باسيل!
كل القوى “الإصلاحية والسيادية” إلا.. الدكتور فارس سعيد! كلها، إلا “لقاء سيدة الجبل” و”المجلس الوطني لرفع الإحتلال الإيراني”! هل هذا المقصود بعبارة “علينا احترام تمثيل بعضنا”؟ يعني “جبهة بقيادة القوات”؟ من قال له أن “السياديين” يريدون الإنضواء تحت راية “القوات”؟
الحزب الإشتراكي: لا باسيل ولا فرنجية ولا جعجع!
في الكتلة الجنبلاطية، المنتصرة أيضاً، لاحظنا تصريح الأستاذ أكرم شهيب (المعروف بعلاقاته الودية مع زعيم “القوات”) الذي استبعد كلا من السادة جبران باسيل وسليمان فرنجية.. وسمير جعجع!
أين المواجهة؟
هل يعني ما سبق أن الدكتور سمير جعجع لم يعد مرشّحاً لرئاسة الجمهورية؟ هل “يهاب” الإستحقاق الذي يمكن أن يعدّل موازين “الشرعية” في البلاد؟ وهل يتبنى “فيدرالية” السيد ملحم رياشي، أم لا يتبنّاها؟
في الجهة المقابلة هنالك وكيل لنظام طهران يدير الأوركسترا ويعلن قدرته على فرض مرشّحه سواءً كان جبران باسيل أو سليمان فرنجية أو.. إميل رحمة! (“نتمنى” أن يقع اختيار خامنئي على طريد العدالة جبران باسيل، على طريقة اختيار بشار لإميل لحود!)
من يتصدّى للمشروع الإيراني بين القوى المسمّاة سيادية؟ الأستاذ وليد جنبلاط لن “يبادر”! وإذا بادر سيؤخذ عليه ترشيحه لماروني لرئاسة الجمهورية!
“القوات” تملك أكير كتلة نيابية في البرلمان الجديد، هل “ستستنكف” عن قيادة “المواجهة” مع حزب الله في اللحظة الحاسمة، لحظةالإنتخابات الرئاسية؟
وإلا، أين “الجبهة الوطنية” النيابية-الشعبية التي يمكن لـ”القوات”، بالتعاون مع شخصيات مثل وليد جنبلاط وفؤاد السنيورة وسامي الجميل ونديم الجميل وفارس سعيد، ومع هيئات مثل “لقاء سيدة الجبل” و”المجلس الوطني لرفع الإحتلال الإيراني”، أن تدعو إليها لإسقاط مرشح حزب الله، وإيصال مرشّح سيادي إلى قصر بعبدا؟
حتى الآن، لا نرى ملامح أي مواجهة “قواتية”، أو كتائبية، أو جنبلاطية، لمشروعات حسن نصرالله!
المشكلة هي أنه لا مفرّ من “المواجهة”، وإلا سقط النظام اللبناني، والكيان اللبناني نفسه! والمشكلة أن تجربة ترئيس قائد الجيش انتهت بكارثة في عهود إميل لحود، وميشال سليمان، وميشال عون! وليس ما يضمن أن تجربة وصول جوزيف عون إلى قصر بعبدا ستكون مختلفة!
أهون الحلول أن تلجأ القوى “السيادية” لرفع شعار ترئيس الجنرال جوزيف عون.. إذا وافق حسن نصرالله!
لكن ماذا سيتبقّى من القوى “السيادية”، “القوات” وغيرها، إذا “تهيّبت” خوض معركة الإستحقاق الرئاسي؟
وما سيتبقّى من “البلد” نفسه؟
ومن سيحول دون توريط لبنان في حرب مدمّرة جديدة، ببدو أنه لا مفرّ منها، قد لا يكون له قيامة بعدها؟
الوقت يداهم!
إما أن تبادر القوى النيابية للدعوة إلى “جبهة وطنية نيابية-شعبية” الآن، أو فليبادر “لقاء سيدة الجبل” و”المجلس الوطني لرفع الإحتلال الإيراني” (وهما “أم الصبي” بنظرنا!) للدعوة إلى اجتماع لإعلان “جبهة وطنية نيابية-شعبية” لخوض معركة رئاسة الجمهورية.. بمن حضر!
انتهت أيام الرجال التي كانت تقول ،قف على حدودك…
صاروا اليوم غنيلي تَ غنيلك