ماذا نعرف عن الجيش المصري؟ وكيف يعجز جيش يصل تعداده إلى ٨٠٠ ألف جندي عن سحق تمرّد يقوم به بضع مئات (أو ألوف قليلة) من الإسلاميين في سيناء؟ ولماذا لا يلعب جيش أكبر دولة عربية دوراً عسكرياً حاسماً في المنطقة العربية؟ وأسئلة أخرى ربما تجيب عليها الدراسة التالية، التي تُعتَبَر بين الدراسات القليلة عن الجيش المصري!
الشفاف
*
ملخّص: كان العملاق المتمثّل في القوات المسلحة المصرية في سُبات عميق منذ أواخر السبعينيات، لكن يبدو أنه يستيقظ راهناً، مدفوعاً بكلٍّ من التهديدات المتصاعدة، والضغوط الأميركية، وثقة السيسي بقدراته على درء الإنقلابات.
بعد حوالى نصف قرن من الركود في قدراتها العملانية، يبدو أن القوات المسلحة المصرية باتت تشهد تطوراً ملحوظاً في هذا المجال في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي. ويعكس هذا اعتبارات عدة: التهديدات الأمنية المحلية والإقليمية المكثّفة، والضغط التي تبذله واشنطن من أجل إعادة توجيه وتحسين أداء الجيش، والدعم الخارجي الإضافي للجيش المصري، خاصة ذلك المقدّم من روسيا وفرنسا، والثقة الكبيرة للرئيس في قدراته على درء الانقلابات أكثر من جميع أسلافه (باستثناء جمال عبد الناصر). ونتيجةً لكل هذا، يعمل السيسي على الدفع لإدخال تغييرات طال انتظارها على عقيدة الجيش المصري، وعملية شرائه للأسلحة، وقابليته للعمل المشترك مع القوات المتحالف معها. وليس من الواضح ما إذا كانت هذه التغييرات مصحوبة بتحسينات في التدريب والصيانة والاستعداد العام أم لا.
تُعتبر التحسينات، التي جاءت متأخرة كثيراً وتُعد جزئية، شاهدة على التعقيدات والصعوبات التي تتضمّنها برامج المساعدة العسكرية، مهما كانت سخية أو طويلة الأجل. ويبدو أن توقيتها يوحي أيضاً بوجود مفارقة: فبينما باتت العلاقة العسكرية أقل أهمية عند الجانبين، أصبحت أكثر فعالية في مجملها. إن تقليل اعتماد مصر على الولايات المتحدة، إلى جانب حاجتها الماسة إلى قوات أكثر تنوعاً ومرونة، قد يقنع قادتها بالسماح بتوطيد علاقات العمل بل تسهيلها، خاصة في ظل ضروريتها لنجاح برامج المساعدة. التزام مصر المتنامي بالمهنية العسكرية، بغض النظر عن الأسباب والدوافع، يمكن أن يقلّل إلى حد كبير الإحباطات المتراكمة منذ فترة طويلة في أوساط الجيش الأميركي حول برنامج المساعدات، ناهيك عن الحاجة إلى تحسين القوات المسلحة المصرية وتطويرها.
إن الوعد بتقديم المساعدات الأميركية بهدف تحويل الجيش المصري، المكوّن من نصف مليون جندي، من جيش على النمط السوفيتي – الذي تم تنظيمه وتجهيزه لخوض معركة برية كبيرة ضد إسرائيل – إلى جيش أكثر تنوّعاً وقابلية للتنقّل، لم يتم تحقيقه خلال فترة حكم حسني مبارك الطويلة التي امتدّت من 1981 وحتى 2011.
شكّك مبارك، مثل سلفه أنور السادات الذي فتح خطوط التواصل من أجل إرساء علاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة، في الدعم الذي تقدّمه الولايات المتحدة بغاية تطوير القوات المصرية ونشرها لدعم الأهداف الأميركية في المنطقة. لا بل كان مبارك يخشى قيام ضباطه برفع سقف طموحاتهم السياسية عندما يصبحون أكثر مهنية واستقلالية. ففي ظل عدم الحاجة إلى جيش كبير لمواجهة إسرائيل، التي كانت في سلام مع مصر في تلك الفترة، وعدم الرغبة في تحويل الجيش المصري إلى قوة قتالية حديثة ومتكاملة قادرة على عرض قوتها في المنطقة، جعل مبارك جيشه يركّز فقط على النشاطات الاقتصادية. وهكذا، استرضى مبارك سلك الضباط عبر إعطائه أسلحة أميركية متطورة، غير أن تلك الأسلحة لم تترافق مع العناصر الخاصة بالتنظيم والتدريب والاستمرارية لجعل سلك الضباط فعّالاً، كما أنه لم يكن ملائماً أو مستعداً للتحديات الأمنية المحلية والإقليمية التي ظهرت مؤخراً.
ظاهرياً، تم تطوير الجيش المصري، لكن في الواقع تم تهميشه من خلال الموافقة الاستراتيجية للقاهرة على عدم تهديد إسرائيل، مقابل وصول المساعدات من الولايات المتحدة لدعم حكومة مبارك. وهكذا، بات برنامج المساعدة الأميركية يعمل في إطار سياسة تضعف فعالية الجيش، ما جعله بمثابة عملاق نائم ضمن الجيوش العربية.
الفرص الضائعة لتطوير الجيش
منذ نشأة علاقتها مع الولايات المتحدة، استفادت القوات المسلحة المصرية من “تمويل التدفق النقدي”، ما سمح لها بدفع ثمن مشتريات الأسلحة الرئيسة مع مرور الوقت. وهذا مكّنها بدوره من الاستحواذ على نظم أسلحة متطورة ومكلفة وتتمتع بقابلية للرؤية عالية جدّاً، وهي نظم حبّذها الجيش المصري كثيراً على الرغم من أنها لم تكن بالضرورة الخيار الأفضل بالنظر إلى طبيعة التهديدات المحتملة. وحتى بعدما باتت فرص وقوع أي أعمال عدائية مع إسرائيل ضئيلة جدّاً عقب اتفاقية السلام في كامب ديفيد، تمركز الإنفاق المصري بشكل كبير على بناء قدرات تقليدية على حساب قوات أكثر خفة ومرونة وأكثر قدرة على الحركة، وهي أشياء ضرورية من أجل عمليات مكافحة التمرّد ومكافحة الإرهاب.
استمر هذا التركيز العنيد على الوضع الملموس والقائم على الاستحواذ على الأسلحة المتقدّمة – في مقابل عدم إمكانية استخدامها العملي – على الأقل حتى واجه الجيش المصري اضطرابات في أعقاب انتفاضة العام 2011. وبينما طالب مسؤولون أميركيون بتقليص حجم القوة التقليدية واستثمار المزيد في العمليات الخاصة، والتنقّل الجوي، والاستطلاع، ومنصات المراقبة، والقيادة والسيطرة، اعترض مسؤولون مصريون على ذلك، ورفضوا فكرة احتمال ظهور تهديدات من متمرّدين، وأصرّوا على أن مهمتهم كانت “الدفاع عن حدود مصر”.
في الفترة ما بين عامي 1982 و2015، طلبت مصر شراء 240 طائرة من طراز F-16 ذات المهام القتالية المزدوجة والمتطورة بشكل مطّرد، علماً بأن آخر عشرين طائرة وصلت تكلفتها إلى 1.7 مليار دولار تقريباً. وبالمثل، قامت مصر منذ العام 1987 بتجميع 1200 دبابة قتالية أميركية رئيسة من طراز أبرامز M1A1، في إطار برنامج الإنتاج المشترك مع الولايات المتحدة، بتكلفة تبلغ حوالى 3 ملايين دولار لكل دبابة.
تمتلك مصر ما مجموعه 1700 دبابة من طراز M60 مقدّمة سابقاً من الولايات المتحدة، والعديد من الدبابات السوفيتية المتبقية أيضاً، بالإضافة إلى ما لا يقل عن 4000 دبابة قتال رئيسة، ما يجعلها بفارق كبير صاحبة أكبر أسطول من هذا النوع في المنطقة. فقد أظهر مكتب المحاسبة العام الأميركي أن “مصر أنفقت حوالى 3.8 مليارات دولار، أي مايقرب من نصف التمويل العسكري الخارجي الذي تلقّته والبالغ حوالى 7.8 مليارات دولار، على معدّات رئيسة، مثل الطائرات والصواريخ والسفن والمركبات”.
أدّى الإسراف على المعدات عالية التقنية وباهظة الثمن إلى تقليل الأموال المتاحة لأغراض الإدامة والتحديث. ويقول المسؤولون المصريون إنهم لاينفقون سوى 30 في المئة من المعونات الأميركية على عمليات الإدامة والتحديث، مقارنةً مع الحد الأدنى المُوصى به من قبل اللوجستيين العسكريين الأميركيين المقدّر بنسبة 50 في المئة، علماً بأنه من المشكوك فيه ما إذا كان قد تم إنفاق هذه النسبة الصغيرة على نحو جيّد وفعّال. قد يفسّر انخفاض مستويات تمويل الدعم، بالإضافة إلى عوامل أخرى، ضعف معدّل استخدام المعدات والأسلحة المصرية، مقارنةً مع معدل استخدام المعدات والأسلحة الأميركية. فعلى سبيل المثال، استناداً إلى الوقت المنقضي بين زيارات صيانة المستودع، فإن متوسط طلعات طائرات F-16 المصرية أقل من نصف عدد الطلعات الجوية لنظيراتها الأميركية في العام الواحد. دبابات M1A1 التي يتم إنتاجها بشكل مشترك بالقرب من القاهرة تبقى بصفة مستمرة خارج المصنع لأشهر عدة قبل تسليمها إلى وحدات العمليات. وكان المصريون أنتجوا أكثر من 850 دبابة حتى العام 2010، وفقاً لأحد المصادر، لكن 25 في المئة منها لم يتم تسليمها بعد إلى الوحدات الميدانية. كذلك، قضت فرقاطات نوكس وبيري، التي استلمتها مصر من الولايات المتحدة، معظم أوقاتها في ميناء الإسكندرية.
يشير معدل الاستخدام المنخفض للمعدات والأسلحة المصرية إلى مستوى منخفض من النشاط التدريبي. وبغض النظر عن المعدات والأسلحة الخاصة به، لايمكن لأي جيش أن ينجح بدون تدريب صارم وواقعي وثابت ومتكرر. ومايجعل المشكلة أكبر هو أن التدريب المصري غالباً ما يفتقر إلى مبدأ “اللعب الحر” لصالح سيناريوهات قاسية وغير مرنة وتم التخطيط لها مسبقاً، حيث تكون النتيجة واضحة ولا تسمح بالمفاجآت. وبالمثل، عمليات استخلاص المعلومات مرتّبة بإحكام ولا تعطي الفرصة لمعالجة الفشل وتطوير الدروس المستفادة. ثمة القليل من الأدلة على وجود تدريب مشترك واقعي، ولاتوجد جهود حقيقية لغرس درجة المرونة والتكيّف اللازمة والمحورية عند القادة وصانعي القرار حتى يكون لديهم القدرة على النجاح في أي صراع، وربما بشكل خاص في عمليات مكافحة التمرد، حيث يجب عليهم في مثل هذه الحالات مواجهة ظروف غامضة وسريعة التقلب في كثير من الأحيان.
على الرغم من كثافة برامج التدريب والتمارين التي أُجريت في مصر والولايات المتحدة على مدى السنين الماضية، ظلت العقيدة المصرية وسبل تنظيمها حتى وقت قريب تركّز بشكل كبير على العمليات التقليدية واسعة النطاق. كما اتّسم تسلسلها القيادي بعدم المرونة والثقل واكتظاظ الأعداد. عملت سلطة اتخاذ القرار على أعلى مستوى ممكن، لكنها نادراً ما أعطت فرصة إظهار المبادرة. كما أنه من النادر أيضاً أن يعمل ضباط الصف كمشرفين، وبدلاً من ذلك يتم إخضاعهم ليقوموا بواجبات روتينية ينفّذها عادةً صغار المجندين في الولايات المتحدة. وفي الواقع، حجم المسؤولية والسلطة التي تُعطى على أي مستوى في الجيش المصري أقل بشكل ملحوظ من نظيره الأميركي، ويواصل العديد من الضباط وضباط الصف القيام بالمهام ذاتها ويتم ترقيتهم داخل الوحدات لفترات طويلة، ما قد يكسبهم قدرات عالية من الخبرة الفنية في وظيفة معينة، لكن ذلك يقتصر على وظائف محدّدة ذات نطاق ضيق للغاية.
أسباب الصحوة المحتملة للقوات المسلحة المصرية
دفع خفض النفوذ الاقتصادي والاستراتيجي للولايات المتحدة على مصر إلى جعل العلاقة العسكرية أقل أهمية بالنسبة إلى القاهرة. وهناك عاملان إضافيان ساهما في صحوة القوات المسلحة المصرية من سباتها في عهد السيسي. أولاً، لم تتطلّب استراتيجيته حول تحصين انقلابه تحويل وتركيز طاقات الجيش إلى أنشطة اقتصادية إلى حد كبير. فبينما كان يقوم بتحسين الأدوار الاقتصادية والسياسية للجيش، سعى السيسي في الوقت نفسه إلى تعزيز قدرات الجيش على القيام بمهامه الأمنية. ويشمل ذلك إجراء بالغ الأهمية ألا وهو قابلية العمل البيني والتشغيلي للقوى المختلفة، مايتطلّب أن يكون لديه ثقة كبيرة بجيشه وقواته الجوية والبحرية ووحداتها المختلفة التابعة لها حتى يتسنى لهم العمل على نحو مشترك.
ويُشار إلى أن ثقة السيسي لاتستند في أساسها إلى الإحساس بالولاء المثالي أو المهنية المجرّدة، ولكن إلى خلفيته السابقة كمدير للاستخبارات العسكرية. كما أن لديه خبرة في مراقبة الضباط ودائرة واسعة من موظفين آخرين عملوا سابقاً في مناصب تشغيلية واستخباراتية. فهو كان في وضع جيد للغاية عندما جاءت فرصة ترقيته ليصبح وزيراً للدفاع في العام 2012، وكذلك عقب تولّيه سلطة الرئاسة بشكل غير رسمي في 2013، ليضع أعوانه والموالين له في مناصب محورية مثل الاستخبارات العسكرية، والمخابرات العامة، وفي مناصب تشغيلية في الجيش الأول والثاني والثالث، وأخيراً رئيس الأركان ورئيس الحرس الجمهوري للرئيس.
على النقيض من ذلك، كان مبارك ضابطاً في سلاح الطيران، ولم يكن له أي دور يذكر في الجيش الأكثر حيوية من الناحية السياسية. لذلك، لم يكن بمقدوره فرض سيطرة مباشرة عليه. أما السادات فكان في الأساس ضابطاً غير متفرغ، وخدم بشكل متقطع في الجيش لأنه سُجن مرتين بسبب أنشطته الوطنية قبل العام 1952. وبينما لم يكن للسادات ولا لمبارك خلفية أو روابط مؤسسية تجعلهما يثقان بقدرتهما على مراقبة الضباط، خاصة في جيش لديه طاقة كبيرة، فإن السيسي حائز على مثل هذه الأمور، لذلك هو أكثر استعداداً للمخاطرة بتمكين جيشه إلى درجة كبيرة، ليس فقط من الناحية السياسية والاقتصادية، بل أيضاً في مهامه الأمنية الحيوية.
يستند الدافع الثاني للتغيير إلى تدهور الوضع الأمني في مصر. فعلى الصعيد المحلي، بدأت أعمال التطرف العنيف تظهر عقب اندلاع انتفاضة العام 2011، التي انطلقت في شبه جزيرة سيناء لتمتد إلى أماكن عديدة داخل مصر، بما في ذلك الحدود الغربية مع ليبيا. وأجبر هذا التحدي الجديد الجيش المصري على أن يرفع من مستوى قدراته في مكافحة الإرهاب والسيطرة على الحدود إلى حد كبير، علماً أن موضوع الحدود كان مدفوعاً أيضاً بمخاوف على الحدود السودانية نتيجة تدهور العلاقات الثنائية والمطالبات المعنية بمثلث حلايب المتنازع عليه بين البلدين.
وفي العمق الأفريقي، دق بناء إثيوبيا لسد النهضة على النيل الأزرق ناقوس الخطر في مصر، وباتت في حاجة إلى عرض قوتها بعيداً عن حدودها. كما تطلبت زيادة عمليات تهريب البشر عبر البحر المتوسط الارتقاء بمنظومة مراقبة البحار. واحتاجت أيضاً القدرات البحرية الضعيفة نسبياً أن تتطوّر كي تستطيع حماية حقول الغاز المُكتشفة حديثاً في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط وكذلك في البحر الأحمر وخليج عدن، وأن تستجيب للمنافسة المتنامية بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران والعديد من الدول الأفريقية، وهو ما يتضح جلياً من الحرب في اليمن والنزاعات حول حركة الدخول والخروج بالموانئ في الحديدة وجيبوتي وبربرة وعصب وأماكن أخرى.
تزامن تدهور البيئة الأمنية في المنطقة مع تدهور البيئة المحلية. فقد أصبح النزاع في ليبيا وغزة متوطّناً بعد العام 2011، بينما انزلقت سورية واليمن على الجانب الآخر إلى حروب أهلية استقطبت العديد من جيران مصر. وقد أعطى ازدياد نفوذ روسيا في جميع أنحاء المنطقة وظهور تحرك وتحالف بقيادة السعودية والإمارات بهدف مواجهة إيران على المسارح المختلفة، بما في ذلك في سورية واليمن، فرصة لمصر للاستفادة من تلك المواجهات بالرغم من المخاطر المرتبطة بذلك. نتيجةً لهذا، احتاجت مصر إلى تطوير قواتها، خاصة أن هذه المهمة باتت أكثر جدوى من الناحية المالية بسبب الدعم المقدّم من مختلف الأطراف المتنازعة، كروسيا والسعودية، أو الدول الغربية المتلهفة لدعم صناعاتها العسكرية المحلية، وعلى الأخص فرنسا.
تجلّت ردود الفعل المصرية، بل هذه التطورات، كانون الثاني/يناير 2018، حين وقّعت مصر على اتفاقية “مذكرة التفاهم في مجال الأمن وقابلية تبادل الاتصالات” والمعروفة بـ “سيزموا” (CISMOA) مع واشنطن. وتُعتبر هذه الاتفاقية شرطاً قانونياً من الولايات المتحدة لتزوّد الدولة الحليفة الموقّعة بأجهزة ونظم اتصالات مشفّرة، مايمكّنها من استخدام وسيلة الاتصال المباشر خلال الوقت الحقيقي والفعلي. ويتطلّب هذا الأمر من الدول الموقّعة أن تسمح بدخول أفراد وعناصر من الجيش الأميركي إلى مرافقها ونظم الاتصالات الخاصة بها. وكانت مصر قاومت سابقاً التوقيع على هذه الاتفاقية لمدة ثلاثين سنة، وتأخرت في الإعلان أنها قامت بذلك الأمر لمدة شهرين، على الأغلب بسبب خشيتها من ردود فعل سلبية محلياً، على الرغم من أن العديد من الدول العربية، بما في ذلك المغرب والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي الكبيرة، وقّعت في السابق على هذه الاتفاقية. وأفاد مصدر مطّلع في وزارة الدفاع بأن السيسي وافق في النهاية على التوقيع، ليس نتيجةً لضغط الولايات المتحدة وإنما استجابة لضغط السعودية لأن الطائرات المصرية على الساحة اليمنية لايمكنها الاتصال بنظيرتها السعودية، وبالتالي تعرّضها إلى الخطر.
يتمحور السبب الثالث حول الضغوط المتزايدة للولايات المتحدة، التي لاتزال المزوّد الرئيس للمساعدات العسكرية في مصر. وتأتي هذه الضغوط نتيجةً للآتي:
- قلقها المتزايد من تحديات الأمن الداخلي في مصر.
- قلقها من أن الارتقاء بقدرات القوات الجوية المصرية قد يهدّد إسرائيل أو أنها ستعارضه.
- رغبتها في أن تساهم مصر بفعالية أكبر في تأمين النظام الإقليمي القائم في المنطقة.
- أملها بأن علاقتها الأمنية الحيوية مع مصر لن يتم تقويضها من قبل روسيا أو فرنسا أو أي منافس آخر لها.
- إحباطها من فشل مصر في الاستفادة على نحو واف من الفرص التي يوفّرها برنامج المساعدات العسكرية الأميركية لما يقرب من أربعين عاماً.
الضغط الأميركي على القوات المسلحة المصرية
في أعقاب مجزرتي رابعة العدوية والنهضة في القاهرة في العام 2013، قامت إدارة أوباما بتعليق الجزء الأكبر من التمويل العسكري الخارجي، وأوقفت العديد من عمليات نقل نظم أسلحة كبيرة كانت ضمن اتفاقيات مبرمة في السابق، بما في ذلك مقاتلات F-16، وطائرات الهليكوبتر أباتشي AH-64، ومجموعة من دبابات من طراز أبرامز M1A1. لكن تم تسليم الأباتشي في وقت لاحق من العام 2014 على أساس أنها ستكون مفيدة في حملة مكافحة التمرد في سيناء. وعندما قرّرت الإدارة نفسها إعادة عملية التمويل وأفرجت عن أنظمة الأسلحة المتبقية في العام 2015، تم الإعلان عن تغييرين في غاية الأهمية ضمن برنامج المساعدات: أولاً، تم إنهاء تمويل التدفق النقدي، مما حرم مصر من دفع تكاليف مشتريات العام الجاري بمرور الوقت باستخدام مخصصات مستقبلية. ثانياً، سيتم توجيه المساعدات العسكرية من تلك اللحظة وصاعداً إلى أربع فئات: مكافحة الإرهاب، وأمن الحدود، والأمن البحري، وأمن سيناء، أو سيتم استخدامها لدعم أنظمة الأسلحة المصرية القائمة.
ويشار إلى أن الأثر المشترك لهذه التغييرات، يحرم مصر من الوسائل اللازمة للقيام بمشتريات سنوية كبيرة من المعدات المتطورة، بل ويجبرها على استخدام الأموال التي أصبحت متاحة لعمليات الأمن/مكافحة التمرد، وما هو أهم، لأغراض الادامة. وتشير الدلائل إلى أن المسؤولين المصريين يشعرون بأنهم مقيدون بهذه القيود، علما بأن لهذه التغييرات قدرة على تحسين كفاءة الجيش المصري بشكل كبير في مواجهاته للتهديدات الحالية والمستقبلية الأكثر احتمالاً.
كما ستوفّر النهاية الوشيكة لبرنامج الإنتاج المشترك M1A1 على الجانب المصري فرصة لتحويل الموارد من الاستحواذ إلى أعمال التحديث والادامة، حيث يمكن استخدام الطاقة الإنتاجية الفائضة الناتجة عن ذلك لتحسين الدفعات السابقة من دبابات أبرامز التي يمتلكها الجيش المصري والبالغ عددها 1200 دبابة. ويمكن للولايات المتحدة أن تستغل حرص مصر على المشاركة في برامج الإنتاج المشترك، ورغبتها المعلنة في أن تصبح مُصدّراً مهمّاً للأسلحة، في المناقشات المتعلقة بمستقبل مصنع الدبابات. فعلى سبيل المثال، قد ترهن الولايات المتحدة موافقتها على برنامج إنتاج مشترك جديد على التقدم المصري المحرز في تحسين قدرتها في مكافحة التمرد.
خيارات مصر الأخرى
لطالما التزمت مصر الحذر والحيطّة في مراهاناتها وصفاقاتها عندما يتعلق الأمر بموردين أجانب، وكانت على استعداد لقبول التعقيدات اللوجيستية والمصروفات الأكثر كلفة التي تأتي مع تشغيل وصيانة أنظمة أسلحة متعددة، وهو ما بات أكثر وضوحاً في ظل المناخ الحالي. فانخفاض القوة الشرائية للولايات المتحدة في ما يخص التمويل العسكري الخارجي مع حالة عدم اليقين من استمرار التمويل الأميركي في السنوات الأخيرة والقيود المرتبطة بذلك، يشير إلى استمرار بل ونمو محتمل للمشتريات المصرية من مصادر أخرى. وقد تقدّمت مصر بطلب شحنات أسلحة رئيسة من فرنسا وروسيا وألمانيا منذ وصول نظام السيسي إلى سدة الحكم في العام 2013.
على الرغم من أن الموردين الآخرين، على الأرجح، سيحصلون على قدر من النفوذ على حساب الولايات المتحدة، إلا أن التأثير قد يكون ضئيلاً. وقد عمل المصريون دائماً على عدم الكشف عن أوراقهم لأحد، كما أن التأثير والنفوذ الأميركي لم يكن يوما بالقوة التي يعتقدها الكثيرون. وعلى الرغم من التنافس على مبيعات الأسلحة، فإن أهداف فرنسا وألمانيا في المنطقة تتماشى إلى حد كبير مع أهداف الولايات المتحدة. وفي حين أن التقارير التي تتحدث عن اتفاق يعطي روسيا حق استخدام القواعد الجوية المصرية (في حال كانت صحيحة) ستزيد من المرونة والقدرة على الاستجابة الروسية في المنطقة، إلا أن المصريين أذكياء بما فيه الكفاية لإدراك أن روسيا ليست في وضع يسمح لها بمضاهاة، ناهيك باستبدال، الوجود الأميركي في المنطقة.
وتجدر الإشارة إلى أن التحدي الاستراتيجي الأكثر أهمية للوضع الراهن قد يأتي من الصينيين، الذين ركّزوا حتى الآن في المقام الأول على المساعدات الاقتصادية. إن أهمية قناة السويس بالنسبة إلى الصين كجزء من مبادرة “الحزام والطريق” الخاصة بها، قد تجعل أهدافها في نهاية المطاف في حالة صراع مع أهداف الولايات المتحدة. ومع ذلك، لم يبد المصريون حتى الآن أي رغبة في الحد من دور أو أولوية استخدام الولايات المتحدة لقناة السويس، أو من التحليق السريع المسموح به للطائرات الأميركية فوقها، وهو أمر غاية في الأهمية بالنسبة إلى العمليات الأميركية في المنطقة. لطالما كان المصريون بارعين في التعامل مع قضايا عدة في الوقت نفسه مع لاعبين مختلفين (وقبول المال منهم)، وسيستمرون في القيام بذلك بلا أدنى شك.
من المحتمل أن تكون موجة الإنفاق العسكري الأخيرة لمصر مدفوعة جزئياً بطموح نظام السيسي لإعادة مصر إلى موقعها السابق كزعيم إقليمي. والجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف قد تشجّع الخطوات نحو قابلية تحقيق العمل البيني والتشغيلي على نحو متواضع على الأقل مع جيران مصر في الخليج، ما سيساعد بدوره على إحداث تغيير وتطوير إضافي في الجيش المصري. وبينما يبدو أنه من غير المحتمل أن يكون للتحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط، والمروج له كثيراً، قدراً كبيراً من الأهمية نظراً إلى تاريخ مثل هذه المبادرات في المنطقة، إلا أن المصريين أخذوا يزيدون من مشاركتهم في التدريبات متعددة الجنسيات. وقد تعطي رغبتهم في حفظ ماء الوجه أمام جيرانهم وأشقائهم العرب حافزاً إضافياً للتغلّب على العزوف التاريخي واتخاذ الخطوات اللازمة لمعالجة أوجه القصور التي قوّضت القدرات التشغيلية حتى وقت قريب.
التأثيرات على القوات المسلحة المصرية
ثمة مؤشرات تشير إلى أن “صحوة” القوات المسلحة المصرية ردّاً على هذه الضغوط الداخلية والخارجية، إلى جانب ثقة السيسي بقدراته على السيطرة على ضباط الصف، قد بدأت. أهم مؤشر على ذلك هو حملة مكافحة الإرهاب المكثفة في سيناء، ما يتجلّى بشكل خاص في العملية الشاملة “سيناء 2018”. وكانت القوات المسلحة المصرية قد أعلنت عن قتلهابحلول خريف 2018 نحو 450 “إرهابياً” وتدمير 900 سيارة وألف دراجة نارية تابعة لهم، واحتجازها لـ118 طناً من الحشيش و24 مليون قرص مخدّر، بينما قامت بتنفيذ مشاريع تنموية بقيمة 195 مليار جنيه مصري في المنطقة. واستمرّت العملية، إذ أعلنت القوات المسلحة المصرية عن مقتل 49 متمرّداً في أوائل العام 2019، بيد أنها خسرت سبعة من عناصرها أيضاً، ما يشي بأن العملية انطوت على عيوب عدة على الرغم من الدعم المتمثّل في أجهزة التصوير بالأقمار الصناعية الفرنسية والضربات الجوية الإسرائيلية. يُشار إلى أن السيسي استبدل مؤخراً مدير الاستخبارات العسكرية الذي تولّى قيادة العملية.
لم تكن مكافحة الإرهاب من مسؤوليات الجيش وإنما قوات وزارة الداخلية في عهد مبارك. لقد قاوم مبارك بثبات الضغط الأميركي لتحديث قدرات البلاد على مكافحة الإرهاب وإشراك الجيش مباشرة في مثل هذه الجهود. وحتى في عهد السيسي، استغرق الأمر مايقرب من أربع سنوات قبل أن يكون الجيش مستعدا لشن حملة من حجم عملية سيناء 2018، والتي لم يشارك فيها الجيش وقواته الخاصة وحسب، بل أيضاً القوات البحرية والجوية. في السابق، قام الجيش والقوات الجوية بتوفير الدعم لقوات وزارة الداخلية التي كانت تواجه المتطرفين في وسط وصعيد مصر في منتصف التسعينيات، وكانت مصر قد شاركت في العام 2016 في مناورات “رعد الشمال” في شمال السعودية، وهي تدريبات مشتركة لمكافحة الإرهاب ضمت قوات من عشرين دولة، لكن عملية سيناء كانت أول عملية مشتركة من هذا النوع تجري على الأراضي المصرية.
ونرى مؤشر ثان على استعداد الجيش المتزايد في القوة المتنامية للقوات البحرية، والتي كانت الحلقة الأضعف في القوات المسلحة المصرية مع معداتها القديمة التي تعود إلى العام 2000. وقد مكّنت عملية استحواذ من فرنسا في العام 2015 القوات البحرية من وضع حاملة طائرات من طراز ميسترال، والتي تستطيع استيعاب ست عشرة طائرة هليكوبتر، قبالة سيناء على ساحل البحر الأبيض المتوسط وأخرى على البحر الأحمر. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تصنيع ثلاثة سفن حربية فرنسية في حوض بناء السفن بالإسكندرية، وبدأ تصنيع أول سفينة منها في أيلول/سبتمبر 2018. وبعد توقيع الاتفاق مع فرنسا بوقت قصير، أعلنت مصر عن شراء خمسين مروحية هجومية روسية من طراز KA-52، كانت غاية موسكو في الأصل توفيرها من أجل ناقلات الطائرات من طراز ميسترال، لكنها لم تتمكن من ذلك بسبب حظر تصدير الأسلحة المفروض على مصر من قبل الاتحاد الأوروبي. في الوقت نفسه التي قامت مصر بمشترياتها من فرنسا وروسيا، استحوذت أيضاً على أربع غواصات جديدة من ألمانيا. وكان الجيش المصري قد استحوذ على حوض السفن في الإسكندرية من القطاع العام في العام 2003، واستثمر 280 مليون دولار في تحديثه منذ العام 2014. وقد عزز ذلك من قدرات صيانة القوات البحرية التي كانت تعتمد في السابق بكثرة على مقاولين أميركيين.
ويظهر مؤشر ثالث على القوة المتنامية للقوات المسلحة المصرية، حتى وإن كان بطريقة غير مباشرة، من عمليات نشر القوات والعمليات المشتركة. كمثال أول، عملت القوات الجوية والقوات الخاصة للجيش بشكل متقطع في ليبيا منذ سقوط الزعيم القوي معمر القذافي وقامت بتدريبات رئيسة على طول الحدود. كما أجريت عمليات جوية مشتركة مع الإمارات العربية المتحدة على شرق ليبيا بداية منذ العام 2014 على الأقل، وشاركت البحرية المصرية في عمليات مشتركة مع القوات البحرية السعودية والإماراتية والأميركية قبالة الساحل اليمني في البحر الأحمر. وهناك تقارير عن مشاركة القوات الخاصة المصرية أيضاً.
بالنسبة إلى التدريبات، انضمّت وحدات البحرية المصرية إلى نظرائها الأميركيين والسعوديين في تمرين “تحية النسر- استجابة النسر 2018” في مياه البحر الأحمر في تموز/يوليو الماضي. وأُجرت تدريبات مشتركة عديدة منذ العام 2014، بما في ذلك استئناف عملية مناورات “النجم الساطع” خلال العام 2017، وهو التمرين السنوي الذي تقوده القوات المصرية والأميركية والذي تم تعليقه العام 2010. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2018، شارك الجيش في تدريبات “تبوك 4” مع القوات السعودية في “المنطقة العسكرية الجنوبية” في مصر، وتابعت القوات الإماراتية والعمانية والبحرينية التدريبات. كما قامت القوات المسلحة المصرية في الوقت نفسه بتدريبات للمظليين مع القوات الروسية، وبعد ذلك بشهر، استضافت مصر جيوش ثماني دول عربية لتشارك في التدريبات “درع العرب – 1” في مرسى مطروح. وفي تموز/يوليو 2018، أفيد بأن السودان أعاد دورية مصرية مفقودة كانت تعمل في المنطقة الحدودية السودانية – الليبية – المصرية.
لايمكن الجزم بوضوح ما إذا كانت هذه المؤشرات بزيادة نشاط القوات المسلحة المصرية تترافق مع تحسينات تنظيمية وتدريبية، وأيذاً مع توافر الأسلحة والمعدات اللازمة للنجاح في ساحة المعركة. قد تشير التحولات في القيادة العليا منذ العام 2017، بما في ذلك وزير الدفاع ورئيس الأركان ورؤساء الجيوش الثلاثة الرئيسية، إما إلى أن السيسي يسعى إلى قيادة عسكرية أكثر تفانياً وكفاءة، أو أنه يغيّر القيادات عن قصد لمنع أي انقلاب.وفي حين أن قابلية التشغيل البيني لمصر مع الجيوش الأخرى تحسّنت وتم تطويرها من خلال وصولها إلى أحدث معدات الاتصالات الناتجة عن مؤتمر “سيزموا”(CISMOA) 2018، من غير المعروف ما إذا كانت هذه التحسينات تمتد إلى فروع القوات المسلحة المصرية الأخرى والعلاقات في ما بينها. أحد المؤشرات المحتملة على أن هذا لم يحدث بعد هو أن الدفاع الجوي لايزال يشكّل قيادة منفصلة بدلاً من دمجها مع القوات الجوية، وهو ما يعد خطوة منطقية. وتجدر الإشارة إلى أن نسبة المساعدات العسكرية الأميركية المخصّصة لأعمال الاستدامة، ومن أجل أنظمة الأسلحة الرئيسي بشكل أساسي، لم تشهد ارتفاعاً إلا نتيجةً للضغط الأميركي.
وأخيرا، فإن التنظيم والتجنيد العام للقوات المسلحة المصرية لم يتحسّنا بشكل لافت. لكن على الجانب الآخر، لايزال الضباط يتعلّمون بشكل شبه حصري في المؤسسات العسكرية، لذا فهم غير معرضين للآثار الواسعة التي تنتج من التفاعل مع الأكاديميين والطلاب المدنيين، كما هو الحال في الجيوش الغربية. كما يجب أن يعمل ضباط الصف لمدة ثمانية عشر عاماً قبل أن تتاح لهم الفرصة ليصبحوا ضباطاً مكلّفين، لكن معظمهم لا يحصل على هذا المركز إلا عقب التقاعد وشرفياً فقط، ولا يوجد دليل على أن مساهمتها الحيوية في الفعالية العسكرية يتم تقديرها حتى الآن، بينما يقضي الضباط وقتاً طويلاً في المهمة نفسها، وبالتالي لاتتوفّر لديهم فرص كافية لتعلم مهارات وتطلعات جديدة مرتبطة بتجارب متنوعة. أما المجنّدون، فإنهم يعاملون كطعمة مدافع – كما يتضح من معدل إصاباتهم المرتفع نسبياً في سيناء – وخدمتهم كعمل مجاني للمؤسسات التابعة للجيش. معظم الشباب المثقفين في الجامعات يكرهون الخدمة في الجيش، وبدلاً من اعتبارها خطوة مهنية، فإنهم يرون أن الخدمة العسكرية هي بمثابة خطوة إلى الخلف تعوّق حياتهم المهنية، لابل يقوم الكثير من الشباب بكل ما هو ممكن لتجنّب التجنيد، بما في ذلك دفع الرشاوى. ويشكّل المجندون ذوو المستوى التعليمي الضعيف الأغلبية الساحقة من العدد الإجمالي لأفراد الخدمة الفعلية والاحتياطيين والبالغ عددهم 850 ألفاً.
خاتمة
كان العملاق المتمثّل في القوات المسلحة المصرية دخل في مرحلة نوم عميق منذ أواخر السبعينيات، لكن يبدو أنه يستيقظ. وتعد هذه العملية مدفوعة بدرجة أقل من المساعدة العسكرية الأميركية السخية، والتي تم تجاهلها إلى حد كبير لسنوات عديدة، وأكثر من الضغط العلني من واشنطن مع تزايد التهديدات الداخلية والخارجية. كما أن ثقة السيسي الواضحة في وضعه أفراداً يتمتعون بثقته بهدف تحصينه من أية انقلابات تلعب أيضاً دوراً محورياً.
إن قبول تغيّر استراتيجية مصر لتعيد تركيز قدراتها ومهامها العسكرية مع تطوير رفع مستواها، يوفّر فرصة للاستفادة أخيراً من المساعدات العسكرية الأميركية، التي لم تُستغل بعد ولا تُحظى بالتقدير الكافي. لكن إيقاظ عملاق من سباته شيء، وتقويته شيء آخر. وسيتطلّب ذلك مزيداً من الوقت، هذا مع فرضية استمرار التزامات الولايات المتحدة تجاه مصر، ما يُعد الآن موضع تساؤل لنرى أي طريق سيسلكه الجيش حتى يحظى بنجاح مهني حقيقي.
في الوقت الحالي، تظل أعداد أفراد القوات المسلحة المصرية كبيرة بشكل مفرط، ولا تتمتع باحترافية كبيرة، كما تعتمد بدرجة كبيرة على عسكريين ذوي مستوى تعليمي ضعيف وغير مقدّرين ولا تتم مكافأتهم بالقدر الكافي في المستويات الدنيا. وترتبط هذه الخصائص بثقافة تنظيمية لا تقبل التغيير، وعلى الرغم من أنها تعد عقبة ذاتية وليست موضوعية عند رفع المستويات المهنية، إلا أنه من الصعب التغلب عليها. ولا يمكن لمقدّمي المساعدات الخارجية، بما في ذلك الولايات المتحدة، أن يشترطوا إصلاحات بالجملة في الثقافة التنظيمية نفسها، لكن من الممكن تحفيز القوات المسلحة المصرية للسير في هذا الاتجاه. فعلى سبيل المثال، يمكن الاستفادة من حملة سيناء كتجربة تعليمية، ومن الممكن أن يشمل ذلك مساعدة القوات المسلحة المصرية على تبني تكتيكات وتقنيات وإجراءات وعمليات تخطيطية أميركية على هذا المسرح المحدود، ومن المأمول بالتالي إظهار فوائدها قبل دعم عمليات تبني مشابه في جزء آخر من القوات المسلحة المصرية.
سيعتمد المسار الذي ستسلكه العلاقات العسكرية الثنائية جزئياً على نجاح القوات المسلحة المصرية في تبني الأساليب الأميركية وعلى نسبة ذلك النجاح. ويعود هذا الاستيقاظ إلى حسابات السيسي الذي يقود هذه الحملات، ولا يتوقف على مصالح الولايات المتحدة. لكن ذلك يقدّم فرصة لتركيز المساعدات في مجالات تحتاج إلى مساعدات بشكل فعلي، ليُنظر إليها على أنها دولة صديقة خلال الأوقات المحفوفة بالمخاطر، وربط المساعدات بشكل مباشر وصارم بالتقدم نحو تحقيق أهداف متفق عليها.
باختصار، توفّر الأنشطة الجديدة للقوات المسلحة المصرية، بالإضافة إلى الدعم المستمر للولايات المتحدة، السياقات التي ممكن من خلالها في نهاية الأمر معالجة أوجه القصور التي عانت منها العلاقات العسكرية الثنائية، وذلك بعد أربعين سنة من بدايتها.
نبذة عن المؤلّفين
روبرت سبرنغبورغ أستاذ متقاعد في شؤون الأمن القومي في كليّة الدراسات العليا البحرية، وحالياً زميل باحث في المعهد الإيطالي للشؤون الدولية في روما.
أف. سي. “بينك” وليامز لواء متقاعد عمل كمسؤول دفاعي بارز، ورئيس مكتب التعاون العسكري، وملحق عسكري في السفارة الأميركية في القاهرة من 2008 إلى 2011.