بين الهجوم عليها بشدة والإشادة بقرارها بمغادرة البلاد إلى الولايات المتحدة لأنها غير مرغوب فيها، أو مطالبتها بالعودة من الولايات المتحدة والاعتذار أمام المحكمة والشعب عمّا غرّدت به، أو الرأي القائل بأنه كان من المفترض عليها ألّا تغادر الكويت وتبقى فيها وتتحدّي ردود الأفعال المناهضة لها وتدعم مساعي تغيير القوانين المناهضة للحريات، بين هذه الحالات الثلاث توزّعت ردود الأفعال السلبية على قرار دكتورة الحقوق في جامعة الكويتاللجوء إلى الولايات المتحدة برفقة ابنتها، ردّا على إحالتها إلى النيابة إثر تغريدة لها بتهمة الإساءة للذات الإلهية وازدراء الأديان وسوء استخدام الهاتف.
وقالت المطر عبر حسابها في تويتر “سعيدة جداً بأنني سأبدأ حياة جديدة في بلد جميل راقٍ، يؤمن بقيمة وكرامة الإنسان”. وأضافت “لم أعد أحتمل هذا المجتمع”. وبينت في تغريدات متتالية تفاصيل طلبها اللجوء، قائلة “رحلت للولايات المتحدة مع ابنتي، وطلبت اللجوء، تم وضعنا في مركز خاص للاجئين لمدة أسبوعين، وتم التعامل معنا بكل طيب واحترام وتقدير، لكن لم يكن مسموحاً لي باستخدام الهاتف أو اللاب توب إلى أن يتم البت بقرار أحقيتنا في اللجوء، وخصّصوا لي محامية ماهرة من دون أتعاب أو مقابل مادي”. وختمت المطر تغريداتها “سعيدة جداً أن ابنتي ستحصل على فرص أفضل في الحياة”.
وعلّق مراقبون على خطوة الدكتورة فاطمة باللجوء إلى الولايات المتحدة، بأنها تشبه خطوة الشابة السعودية رهف القنون التي حصلت على لجوء سياسي في كندا إثر هروبها من أسرتها، والتي قالت بأنها تعرضت للعنف والحبس لعدة أشهر (من قبل أسرتها) منذ أن كان عمرها 16 عاما، مما أجبرها على المخاطرة بحياتها والهرب. وقال مراقبون بأن الحادثتين تعكسان الظروف الحقوقية السيئة التي تواجهها المرأة بمنطقة الخليج. وجاء لجوء الدكتورة فاطمة إلى الولايات المتحدة بعد أيام من هجوم عنيف ورفع قضية أمام الحاكم تعرّضت له امرأة كويتية أخرى، هي الإعلامية فجر السعيد، بسبب رأي لها دعت فيه إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل. أي أن آراء الثلاث كانت سببا في تعرضهن لتهديدات ومضايقات أدت باثنتين منهن إلى مغادرة بلادهما.
وكان الانتقاد (والاستهزاء) الذي وجّهه العديد من المغرّدين والأكاديميين، وبينهم إسلاميون وعلمانيون، لتغريدات الدكتورة فاطمة، مبنيّا على عامل الدين والمجتمع، حيث أنها في تصوّرهم لم تراع الثوابت الدينية، ولا الظروف الاجتماعية، وأنها لا يمكن أن تساهم في إصلاح وتغيير هذه الظروف، ولا في معالجة القوانين المقيّدة للحريات، وظهر بين هؤلاء من طالب بعودتها وتقديم الاعتذار للشعب وأمام المحكمة. غير أنه لم يخطر في بال المطالبين باعتذارها بأن القانون حينما يعاقب شخصا بسبب رأيه، لا يعني في غالب الأحيان بأن الشخص قد “أخطأ” في هذا الرأي، إنما يجب أن يعني بأن الرأي يعكس اختلافا في الفهم مع الآخرين. لذا نتساءل: لماذا يصرّ هؤلاء على أن تقدّم الدكتورة فاطمة اعتذارا عما قالته باعتبار أن ذلك كان “خطأ”؟ فما قد يراه البعض بأنه رأي خاطئ، قد لا يراه الآخرون كذلك. لذا كيف يريد هؤلاء لحرية الرأي أن تسود، في ظل وجود مطالب تدعو لاعتذار المختلف؟ فالاعتذار قد يعني بأن رأيا من الآراء صحيح بالمطلق وأن أي رأي مخالف له هو باطل بالمطلق. وفي ظل وجود الفهم المطلق، لا يمكن لحرية الرأي أن تسود.
أما من فضّل بألّا تغادر الدكتورة فاطمة الكويت، وأن تتحدّى الواقع المناهض لحرية الرأي، وأن تساهم من خلال ذلك في تغيير القوانين المقيّدة للحريات، فهو في تصوّري كمن يطالب بالإصلاح السياسي من داخل مجلس الأمة، والذي مضى على مطالبته أكثر من خمسين عاما ولم يتحقق منه شيئا يمكن أن يشكّل تغيّرا استراتيجيا مهمّا. فالإصلاح من الداخل مكبّل بالأغلال، وتغيير القوانين المتعلّقة فيه بات مضيعة للوقت. وهذا الواقع المناهض للإصلاح والتغيير نعيشه منذ عشرات السنين. لكن هناك من يصرّ على عدم قراءة الواقع والتاريخ. لذلك، لا يمكن أن ننكر بأن آلية تغيير القوانين المقيّدة للحريات غير مضمونة، والسبب في ذلك قد يتعلّق بطبيعة النظام السياسي الذي نعيش في ظله، وقد يرتبط أيضا بهيمنة الصورة النمطية المحافظة على المجتمع.
إن رفض نشر الرأي المخالف، كرأي الدكتورة فاطمة، أو رأي الإعلامية فجر السعيد، يرسّخ لثقافة الرأي الواحد الملزم والنهائي، والذي لا يمكن أن يساهم في تطوّر المجتمع. لذا، لا يمكن للفرد الرافض لنشر الرأي المخالف، أن ينتقد الحكومة أو السلطة أو الجماعات المتشدّدة إن هي مارست نفس السلوك الذي هو مارسه، باعتبار أنه يقف معهم على أرضية واحدة.
إن المسألة ليست في موقفي وموقفك من الرأي الآخر أيّا كان هذا الرأي، بل في حق الفرد في التعبير عن آرائه وإن كانت تخالف مصالحي وذوقي وثوابتي. فإنْ كنت مدافعا بحق عن الحريات، ما كنت لتطالب بتفعيل القوانين وصولا إلى معاقبة أصحاب الرأي. ومن يطالب بالعقوبة فهو ينتمي إلى أيديولوجيا ترفض الرأي الآخر رغم ادعاءاته الواهية باحترام هذا الرأي، أي أنه يدافع عن فكر يقسّم الحياة إلى حق مطلق وباطل مطلق، لذلك من السهل عليه تخوين المختلف والدعوة لسجنه.