يعيش لبنان على وقع التصعيد واختبار القوة الذي كان بدأه حزب الله من جهة، وبقايا جهاز الوصاية الامني السوري في لبنان، على خلفية تعطيل تشكيل الحكومة وسعي الجنرال الايراني قاسم سليماني الى ربط لبنان نهائيا بالقاطرة الايرانية.
استعراض القوة بدأ مع تصعيد امين عام حزب الله حسن نصرالله لهجته، وتهديده الرؤوساء الروحيين والزمنيين وصولا الى عموم المواطنين اللبنانيين، بضرورة توزير نائب سني من اتباعه. وهو الخطاب الذي رد عليه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بالرفض، متمسكا بالدستور والقوانين المرعية. ما دفع حزب الله لشن حملة افتراءات وشتائم عبر ابواقه الاعلامية التي احتلت مساحات واسعة من البرامج الحوارية السياسية، فضلا عن نواب الحزب وكل من يدور في فلكه السياسي.
ردة فعل الشارع السني جاءت خجولة في البداية إلا أنها تصاعدت تدريجيا، ما دفع بالحزب الى التراجع، عبر إيجاد مخرج له وللشارع السني المنتفض ردا على الاساءات والافتراءات التي طالت رئيس الحكومة ووالده الرئيس الشهيد، رفيق الحريري. وكان المخرج من خلال الايعاز لرئيس الجمهورية بدعوة المجلس الاعلى للدفاع الى عقد جلسة بذريعة “بحث الخطط الامنية المواكبة لفترة الاعياد”. وفي العادة يُعقد مثل ذلك الإجتماع قبل عشرة ايام من حلول موسم الاعياد، وليس قبل اكثر من شهر. ولا تستوجب الأعياد، عادةً، انعقاد المجلس الاعلى للدفاع بل اجتماعات تنسيقية بين الاجهزة الامنية تتوزع خلالها الادوار لحماية دور العبادة وتأمين سلامة المواطنين.
في سياق الحملات التي تعرضت لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، كان بارزا، تطاول رئيس ما يُسمى “حزب التوحيد العربي”، وئام وهاب على الرئيس الحريري، الامر الذي دفع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الى الوقوف الى جانب الرئيس الحريري، مستنكرا تطاول وهاب وإساءاته المتكررة.
موقف جنبلاط، استجر استعراض قوة ثانٍ تنطح وهاب للقيام به، على غرار ما يعرف في لبنان بـ”القمصان السود”! فأطلق موكبا سيّاراً تألّف من قرابة 75 سيارة محملة بمسلحين جابوا قرى الشوف مروروا ببلدة “المختارة”، مسقط رأس جنبلاط، مطلقين الاعيرة النارية في الهواء لترويع المواطنين وإرهابهم. فما كان من أنصار الحزب التقدمي الاشتراكي إلا أن عمدوا الى قطع الطرقات على الموكب السيّار، وحاصروهم في منطقة تعرف بـ”زبلون”، بين بلدتي المعاصر والباروك، وأرغموهم على العودة الى منازلهم عبر محافظة البقاع، حيث كان العديد من بينهم قد تخلص من سلاحه الفردي، ومن بقي مختفظا به اعتقله الجيش في محافظة البقاع، وبلغ عدد الموقوفين 57 شخصاً.
تزامنا كان فريق من المحامين من أنصار تيار المستقبل قد ادعى على وهاب بجرم القدح والذم، من خلال الفيديو الذي تسرب عن وهاب يشتم فيه الرئيس الحريري ووالده الرئيس الشهيد. فتحرك القضاء اللبناني، وأمر بابلاغ وهاب مذكرة استدعاء للمثول أمام المحقق، وهو الامر الذي تهرّب منه وهاب، حيث عمدت لاحقا فرقة من فرع المعلومات على التوجه الى منزل وهاب في “الجاهلية” لابلاغه مضمون المذمرة، وفي حال رفضه يتم سوقه الى المخفر.
وهاب الذي عرف بقدوم دورية من فرع المعلومات الى منزله في الجاهليه في الشوف، فر من منزله، واتصل بمختار البلدة ليستلم عنه المذكرة. إلا أن مرافقيه “ارتبكوا” حسب ما صرح المختار، وبدأ إطلاق نار يستهدف القوى الامنية التي انسحبت من محيط منزل وهاب، من دون ان تطلق النار، إلا أن ارتباك عناصر الحماية لوهاب ادى الى إصابة أحد مرافقيه محمد ابو دياب الذي توفي لاحقا متأثرا بجراحه.
وفيق صفا: وهّاب “خط أحمر”!
مع اشتداد الحصار على وهاب، تدخل حزب الله، وبدأ مسؤول ما يسمى”وحدة الارتباط والتنسيق” في الحزب وفيق صفا، حملة اتصالات وصف فيها وهاب بـ”الخط الاحمر”، إلا أنه في الوقت نفسه حرص على التأكيد ان الجميع تحت سقف القانون، وتاليا كان هناك تمنٍّ ان لا تتطور الامور الى ما هو أسوأ.
لم تنته قصة وهاب، رغم محاولته إغراق حزب اله معه في المستنقع الذي اوجد نفسه فيه، وهو حاليا أسير منزله في الجاهليه، ومن المرتقب ان تصدر مذكرة إحضار وجلب في حقه، ما لم يمثل أمام المحقق، وهو مسار قضائي لا يمكن لوهاب التهرب منه.
في المحصلة نجح جنبلاط، في الرد على اختبار القوة الثاني في الجبل. ورغم صراخ وهاب، إلا أنه اصبح معزولا في بيته، وحركته مقيدة، وهو سيمثل عاجلا أم آجلا، أمام المحقق او قاضي التحقيق، بعد أن اصدرت السلطات القضائية اللبنانية قرارا بمنعه من السفر.