إيران بحاجة إلى منقذ لا إلى تسلط الميليشيات الشيعية الداخلية والخارجية، إنها في هذه اللحظة الحساسة الدقيقة من تاريخها بحاجة إلى قيادة وطنية منفتحة واقعية جريئة تخلص البلاد من أربعين عاما من الفشل الذريع والعزلة، وتعيد النظر في أسس هذه الجمهورية الإسلامية التي أساءت أيما إساءة إلى مبادئ الانتخاب الحر والنظام الجمهوري الحر.
ربما لم يطلب كل الإيرانيين عبر شهر من التظاهر والاحتجاج والاصطدام بقوى القمع تغيير النظام. وربما كان لكثير من الإيرانيين مخاوفهم من التغيير الشامل والفوري للأوضاع، وأن مثل هذه الثورة الواسعة قد تؤدي إلى تقسيم إيران واستقلال بعض الأقاليم، أو حدوث حالة دائمة من عدم الاستقرار الدائم في كل الأقاليم. وربما كذلك طالب بعض الإيرانيين بالاعتبار لما جرى في الدول العربية ومصاير الربيع العربي بعد 2011 وغير ذلك.
ومثل هذه الحسابات والمخاوف قد يكون لها ما يبررها، ولكن ما البديل الذي يقدمه نظام الولي الفقيه لحل مشاكل إيران؟ وماذا تحمل الجمهورية الإسلامية لشعبها بعد أكثر من أربعين سنة من القمع والتخلف الاقتصادي والتخبط السياسي؟ وإلى متى ينبغي للإيرانيين أن يصبروا ويتحملوا في حين الدول المجاورة لهم وبخاصة الدول الخليجية تقفز إلى مستويات من التقدم والرفاهية والدخول المالية والرواتب التي لا يلتقي بها الإيراني من الطبقة المتوسطة حتى في المنام؟ وما الآفاق التنموية التي بإمكان فقراء إيران توقعها في قراهم وحاراتهم وبيوتهم الكئيبة كي يتفاءلوا بالمستقبل، وينتظروا عهد الولي الفقيه الثالث؟!
قد تكون الجمهورية الإسلامية الإيرانية شرعية دينيا كما تحب أن تعتبر نفسها، وكما ينظر إليها أنصارها هنا وهناك، ولكنها بعد أربعين سنة من الفشل فقدت مشروعيتها السياسية ومبررات استمرار نظامها، حتى لو بقيت الجمهورية وولاية الفقيه في السلطة سنوات أخرى بالقمع والقوة، فقد انحصرت الدولة والثروة والامتيازات في إيران اليوم بشريحة ضيقة، وتقاسم بعض كبار الشخصيات والعائلات الخيرات، وتدمرت علاقات إيران العربية والدولية والإسلامية، وصارت البلاد تعاني كل أشكال المقاطعة والعزلة وسوء السمعة، وبلغ اليأس بالمواطن الإيراني مداه، فالشيعي من الغالبية الإيرانية ممن هو خارج جماعات النفوذ والامتيازات مغضوب عليه معزول حتى إن كان من رجال الدين، وأهل السنّة البلوش والجنوبيون ومن هم من الشمال والغرب بعيدون عن حقوق المواطنة والمساواة بعكس الامتيازات والحقوق الواسعة التي يتمتع بها شيعة الدول الخليجية والعراق.
إن إيران بحاجة إلى منقذ لا إلى تسلط الميليشيات الشيعية الداخلية والخارجية، إنها في هذه اللحظة الحساسة الدقيقة من تاريخها بحاجة إلى قيادة وطنية منفتحة واقعية جريئة تخلص البلاد من أربعين عاما من الفشل الذريع والعزلة، وتعيد النظر في أسس هذه الجمهورية الإسلامية التي أساءت أيما إساءة إلى مبادئ الانتخاب الحر والنظام الجمهوري الحر.
فهل تبرز في صفوف شعبها لجنة إنقاذ وطنية كما برزت هذه المسيرات والاحتجاجات التي فاجأت العالم بأسره؟