ليس الإمام المغيب #موسى_الصدر هو القضية. وليست ليبيا ما بعد معمر القذافي، وحدها، من يجب ان تعرف حدود مؤامرة تغييبه، فالقائمون على أحوالها لا يعرفون مصير بلادهم الغارقة في حربها الأهلية.
بغية الحصول على الجواب الشافي، ربما يجب ان يبدأ البحث من زنقة “إيران الخميني”، على أن يمتد الى “زنقة سوريا الأسد”، قبل الوصول الى طرابلس الغرب للتنقيب عن مصير الإمام في زنقاتها.
… وإلا كيف يمكن تفسير سكوت نظام ولاية الفقيه والنظام الأسدي عن الجريمة في حينه، عندما كانت نار المصالح المتقاطعة حامية.
الأهم ان هذه المصالح لم تفسد في الولاء لأصحاب المحور قضية لأصحاب القضية.
فالعنترة على خلفية دعوة الليبيين الى القمة الاقتصادية، ليست في القمصان السود او الخضر او البرتقالية، وليست في قميص عثمان. هي فقط في القميص الوسخ الذي يحتفظ به فريق ليعود اليه عقداً بعد عقد. وبيروت تعرف ان جسم هذا الفريق لبّيس.
فما حصل منذ إخفاء الإمام، وصولاً الى تشكيل الثنائية الشيعية التي تكحل عيوننا وتشنف آذاننا بكل هذه العنتريات، لإحكام السيطرة على لبنان، سواء لجهة تعطيل تشكيل الحكومة الى أبد الآبدين، او لجهة تفجير استقرار الجبل وإعلان انتصار بشار الأسد في سوريا الذي يجب ان يصرف في لبنان.
أخيراً وليس آخراً، العمل على ضرب استضافة لبنان للقمة العربية الاقتصادية، وإظهاره بمظهر القاصر، ما يسمح بتشكيل رافعة للنظام الأسدي الممزق والباحث عمّن هو أكثر تمزقاً منه ليعنتر عليه.
ليس خافياً على أصحاب القضية ان من يعطلون البلد لأجل توزيرهم، غرفوا من أموال القذافي ولم يشبعوا، ولم يحل تغييب الإمام دون استمرار العلاقات الودية مع هذا النظام حتى آخر قرش. لكن الالتزام بهم لا يلحظ هذا التفصيل، ما داموا أوفياء للانتماء الى محور الممانعة، وغاية في الكرم لأجل هذا المحور الذي لا يغصّ بالأموال الليبية. وما دام الإصرار على توزيرهم حجة نافعة للعودة بالبلاد الى الفراغ المدمر المطلوب لغاية تفرضها متطلبات المرحلة.
لا يهم ضرب “العهد القوي” الذي استغرق سنتين ونصف السنة من تقويم أبد الآبدين تعطيلاً ليستوي على كرسي بعبدا. ربما المطلوب إفهام هذا العهد بأنه “وظيفة” وليس أكثر. الوظيفة لا تخرج عن المطلوب منها، وممنوع الاجتهاد لإدّعاء الإنجازات.
وأي عنتر غير عناتر الثنائية الشيعية يجرؤ على لجم الغاضبين الحاضرين لتجاوز حرية التعبير، عندما يذكِّرون من نسي ان البلد منتهك ومطاره منتهك ومكان انعقاد القمة منتهك.
كل الأقوياء يقفون عاجزين ولا يملكون حتى إصدار الأوامر للسلطات الأمنية لإلقاء القبض على من يغزو الشارع بالصوت والصورة، ومن يهدد جدياً باقتحام المطار والتعرض للوفد الليبي، ولكل من يشد على مشدّه.
لا فرق بين 6 شباط 1984 و7 أيار 2008، فالشارع لا يزال ملك من يبرع في لعبته وليس ملك غيره. الخطوات مدروسة لكل ما يتحرك ومن يتحرك في هذه المرحلة الحرجة من إعادة ترتيب الوضع الإقليمي على حساب لبنان.
اما 6 شباط مار مخايل 2006 فقد قبض أصحابه الثمن ولا حقوق عينية لهم بعد ذلك. ولا ينفع الغزل الموجه الى “حزب الله”، وكأن التمييز بين الثنائية الشيعية قد يعطي ثماره. فمن يراهن على هذا التمييز يجهل بديهيات توزيع الأدوار، ويعميه حلم الوصول الى القصر كتتويج لعائلة الأقوياء وتكريس للوراثة التي يعتبرها تحصيلا حاصلا. هناك غلط في الحسابات. وليس صحيحاً ان التكتيك مفصول عن الاستراتيجيا.
بالتالي، العنتريات التي نشهدها عشية القمة، هي لإفهام من يرفض ان يفهم او يرفض الاقرار بأنه يفهم، ان فريقاً واحداً يمسك البلد ويلعب بالاستقرار عندما تستدعي مصالح محرّكه الإقليمي ذلك.
غيره، ممنوعٌ عليه صرف شعارات القوة التي يتغنى بها.
لا تنفع العنتريات، لأن المقاييس متباينة. فمن يحسب ان تَشاطُره سيؤمن له القوطبة على الوظيفة المكلف بها، لن تتجاوز عنترياته حدود المساحة الموجود ضمنها. ولن ينفعه اللعب على أوتار القضايا الغرائزية والمذهبية، او شحن قاعدته الشعبية. فما يجري، يظهره بمظهر المبتدئ مقابل من يعرف كيف يلعب اللعبة، ويقلب الطاولة من دون حرج، بإثارة ملفات يعرف يقيناً المسؤولين عنها ومدى استفادته منها ليستثمر خيرات استثماره من الذكرى التي لا تبهت مع تراكم السنوات.
ويا مستعجل وقِّف حتى أقول لك…
sanaa.aljack@gmail.com