حصانة المنازل وحرمتها وجدت مع وجود الإنسان، وكفلتها وحمتها الشعوب والأمم على مر التاريخ.
ولذلك حرصت المجتمعات المتطورة والمتقدمة على أن تنص على هذا الحق البديهي في دساتيرها، حتى أن بعضها أضفى على هذا الحق نوعاً من القدسية.
ولم يكن الدستور الكويتي بعيداً عن هذا المناخ الحاضن لحقوق الإنسان وصونها، حيث نص على حرمة المساكن، وعدم السماح بدخولها أو تفتيشها إلا وفقاً للحالات التي يذكرها القانون، وبالكيفية التي ينص عليها.
ولا يعد سراً أن صاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح، وسمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح بمثابة صمام أمان في حماية حقوق الإنسان، وتعزيز مكتسب أن الكويت بلد الإنسانية بكل معاني الكلمة، وذلك بتأكيدهما وحرصهما قولاً وفعلاً على صون الدستور وحقوق المواطنين.
ورغم ذلك لُحظ في الفترة الأخيرة بروز ممارسات غريبة على مجتمعنا من بعض مأموري الضبط القضائي، تجرف هذا الحق، بانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، تتعارض بشكل صريح مع عادات وتقاليد أهل الكويت، لما فيها من تعسف واضح في استخدام السلطة الممنوحة لهم، واستغلال هذه الأداة كبطاقة مرور لدخول البيوت بعد منتصف الليل، بذريعة تنفيذ أمر سلطة التحقيق.
فزائر الفجر، وباختياره هذا الوقت لتنفيذ مهمته، يشكل قفزاً على القوانين والأعراف والحقوق والشرائع، التي تمنع استخدام الإذن القضائي في ترويع أهل البيت وأطفالهم ونسائهم وبث الرعب في قلوبهم والخوف غير المبرر.
فاقتحام حرمات البيوت بحرية مطلقة بلا حسيب ولا رقيب تحت مبرر القبض على المتهمين في عقر دارهم! أمر مرفوض من الجميع فكما أنه يناقض أعرافنا وحقوق المواطنين هناك وسائل مشروعة وسهلة للتعقب دون المساس بعوائلهم.
وإذا كان القانون أعطى سلطة التحقيق الإذن في دخول المنازل ليلاً وفقاً لظروف الاستعجال التي تستوجب ذلك، إلا أن ذلك ليس مبرراً لسلطة مأموري الضبط القضائي بالتوسع باستخدام هذا الحق، والتراخي في التنفيذ والانتظار إلى ما بعد منتصف الليل ودخول المنازل بعد الساعة 2 ليلاً.
وإذا كان الإذن القضائي يعطي الحق بدخول البيوت بعد غياب الشمس إلى طلوع الفجر وإلا أنه يتعين أن يسبق تنفيذ هذا الحق مسؤولية التنفيذ بمهنية ونزاهة تؤكد احترام الأعراف وعادات أهل الكويت.
لذلك، حسناً فعل وزير الداخلية السابق الشيخ أحمد المنصور، بأن أصدر تعميماً ينظم عمل مأموري الضبط القضائي أثناء تنفيذهم لإذن سلطة التحقيق بمراعاة آداب دخول منازل الأسر، وعدم رفع الصوت داخلها، واصطحاب شرطة نسائية وغيرها من الاشتراطات التي تراعي عادات أهل الكويت ولا تخل بتنفيذ القانون.
وليست أحداث الأسبوع الماضي ببعيدة عن التعسف في استخدام هذا الحق، وما يزيد المفارقة مفارقة أن الواقعة الأخيرة تضمنت دخول مأموري الضبط القضائي لأحد المنازل بعد منتصف الليل ليس للقبض على قاتل أو تاجر مخدرات أو قضية تمس أمن البلد، بل للقبض على مغرّد يمكن استدعاؤه باتصال هاتفي واتخاذ الإجراءات القانونية كافة ضده بما يكفل حق الشاكي.
وما يزيد من كآبة المشهد أن دخول المنازل بعد منتصف الليل وترويع أهل البيت والجيران والسكينة العامة لا يتناسب مع جسامة الجريمة المرتكبة، وكان بإمكان مأمور الضبط القضائي القبض أو التفتيش نهارا أو بداية الليل.
زوار الفجر باتوا مصدر إزعاج لجميع المواطنين، خصوصاً إذا كان الإجراء دون مبرر، لأنه وببساطة ينال من أبسط حقوقهم المكفولة دستورياً.
فالأحكام والمبادئ في البلدان المتمدنة كافة استقرت على (أنه لا يجوز لرجل القانون أن يخطئ في سبيل مكافحة الخطأ ولا أن يجرم في سبيل مكافحة الجريمة والإجرام).
لذلك، من يمارس السلطة لا يفترض أن يعمل بمنأى عن أحكام القانون واللوائح ولزاماً عليه احترام اللوائح والتعاميم المنظمة لعمله.
ولقد أحسن أيضاً وزير الداخلية، الشيخ أحمد النواف، بالانتصار لحرمة البيوت وأهلها وأطفالها من تعسف بعض الأفراد لمخالفتهم لتعميم صادر لم يجف حبره.
الخلاصة:
حرمة البيوت وأهلها تعلو ولا يعلو عليها ولايجوز مسها، بل يتعين تحصينها بشروط وضمانات متساندة تكفل حفظ حقوق الجميع، وتضمن أن يذهب زوار الفجر إلى غير رجعة.
ولعل ما يزيد من خطورة التساهل في مداهمة البيوت بعد منتصف الليل أنها تعزز وجود الدولة الأمنية، وإطلاق يد الأجهزة في التعامل مع أصحاب الرأي المختلف، ما سيدفع ثمنه الوطن بكامله فضلاً عن مضار انعكاس هذا السلوك غير المقبول قانونياً ومجتمعياً على سمعة الدولة، وسط ما يرصده المراقبون والحقوقيون من انتهاكات تمارس للأسف باسم القانون.
حقيقة، ما أحوجنا لتعديل تشريعي بإسناد مباشرة تفتيش البيوت لسلطة التحقيق، باعتباره من إجراءات التحقيق، ولما تتسم به سلطة التحقيق من حيادية كما أن ذلك يسهم في تفادي طغيان نفوذ مأموري الضبطية القضائية على حقوق المواطنين، وانتهاك الحريات الأساسية.