خاضت “وحدات حماية الشعب” الكرديّة معارك دامية وشرسة ضدّ “داعش” عندما كان التنظيم الإرهابي في أوج قوّته عامي 2014 و2015، كما خاضت معارك عدّة ضدّ الجماعات السوريّة الإسلاميّة المتشدّدة مثل “جبهة النصرة” وغيرها، حين حاولت هذه التنظيمات السيطرة على المدن والمناطق الكرديّة في سوريا. ومع دخول الولايات المتّحدة الأميركيّة وغيرها من الدول الغربيّة عسكريّاً إلى سوريا بهدف القضاء على “داعش” بعدما شنّ عمليّات دامية في أوروبا وأميركا، وقطع رؤوس صحافيين ورهائن غربيين، كان المقاتلون الأكراد الطرف الوحيد المؤهل الذي قَبِلَ التعاون مع الجانب الأميركي لمحاربة التنظيم المتطرّف.
اليوم يقف كثيرون ضدّ الأكراد ويُريدون شطبهم من أرضهم وديارهم، بعدم استخدام لغة حازمة توقف المجزرة التركيّة بحقّ روجافا.
تتعالى بعض الأصوات النشاز من قبل المرتزقة الذين تستخدمهم تركيا في حربها ضدّ الأكراد، والذين يدعون إلى القضاء على الأكراد “الملحدين” بنظرهم. وطلبت رئاسة الشؤون الدينيّة التركيّة من أئمة المساجد في أنحاء البلاد كافة تلاوة سورة الفتح أمس من أجل نجاح عمليّة “نبع السلام”، التي بدأتها القوّات التركيّة ومرتزقة ما يُسمّى “الجيش الوطني السوري” (المعارضون المدعومون من أنقرة) ضدّ “وحدات حماية الشعب” الكرديّة. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يُريد أن يُعطي الطابع الإسلامي لهجومه على الأكراد، ويسعى إلى تحرير رهائن “داعش” لدى “قوّات سوريا الديموقراطيّة”، ليعودوا إلى إرهابهم وممارساتهم اللاإنسانيّة، حيث مارسوا العبوديّة على النساء الإيزيديّات، وقتلوا رجالهم بلا رحمة تحت ستار الدين. وتحتجز “قسد” 12000 مرتزق من “داعش”، وبحسب القائد العام لـ”قسد” مظلوم عبدي ومسؤولين في البنتاغون فإنّ من بين الـ 12000 شخص، هناك 2000 مرتزق أجنبي، ويُشكّل العراقيّون والسوريّون الـ 10000 المتبقين.
وفي كتابها “أبناء الجنّ”، تقول مارغريت كان: “منذ قرون خلت، ألقى النبي سليمان خمسمائة من الأرواح السحريّة التي تُدعى الجنّ خارج مملكته ونفاهم إلى جبال زاغروس. انطلق هؤلاء الجن في البداية إلى أوروبا لإختيار خمسمائة من العذراوات الجميلات كعرائس لهم، ومن ثمّ ذهبوا للاستقرار في ما عُرف بعد ذلك بكردستان!”. نحن لسنا ملحدين وسنُقاتل المحتلّ التركي كأبناء الجنّ، وسيبقى الأكراد بلغتهم وأمّتهم باقين إلى الأبد، لا تقهرهم ولا تمحوهم مدافع الزمان. نحن أبناء اللون الأحمر. أبناء الثورة. تمعّن بماضينا المخضّب بالدماء. نحن أبناء الميديين، نحن أبناء الشمس.
على الأكراد عدم الإنجرار نحو الصوت النشاز المرتزق من قبل التركي، الذي يكرهنا واستعمرنا معاً، أكراداً وعرباً. المعركة ليست مع العرب أو ضدّهم، المعركة هي مع التركي وقبله مع نظام الأسد. نحن والعرب سنعيش على هذه الأرض معاً شئنا أم أبينا. مباشرة بعد شروع تركيا في عمليّتها العسكريّة في شمال سوريا، كانت السعوديّة أوّل دولة خليجيّة تُدين العمليّة، التي وصفتها بـ”العدوان”. وحذّرت الرياض على لسان مسؤول في وزارة الخارجيّة من أن الهجوم يُهدّد أمن المنطقة ويُقوّض جهود محاربة تنظيم “داعش”. كذلك، ندّدت مصر والإمارات بالعدوان التركي.
ارتفعت الأصوات التي تدعو الأكراد للتوجه إلى دمشق، ويقول هؤلاء إنّهم صوتُ العقلِ والحِكمةِ، معتبرين أنّ الحلّ في دمشق. الأكراد ليسوا وحدهم شرق الفرات وعلى الحدودِ، ولا هم معاندون رافضون للهويّة السوريّة، ولا دعوة لديهم إلى الانفصال أو الانقطاع عن سوريا، بل لديهم رؤية للحلّ السياسيّ تحتاج إلى نقاش. ويبقى السؤال: هل كانت المعارضة السوريّة أو النظام السوري جدّيَيْن ولو لمرّة واحدة بنقاش تلك المشكلات؟ لقد إختلف النظام السوري والمعارضة على كلّ شيء وتوحّدوا حول عدم إنصاف الأكراد. عندما أقول أكراد سوريا، فأنا لا أعني حصراً “وحدات حماية الشعب”، فهناك أكراد مع المعارضة المنضوية تحت سقف تركيا (المجلس الوطني الكردي السوري)، حتّى هؤلاء لم يتمّ إنصافهم، بالرغم من أن الشعار الأبرز للثورة السوريّة “واحد واحد واحد الشعب السوري واحد”، الذي أطلقه عميد شهداء الثورة السوريّة، وهو مشعل تمو، الكردي الأصل والسوري بإمتياز. هل فعلاً الشعب السوري واحد؟ وهل من الممكن أن نسمع صوتاً عاقلاً سواء في المعارضة أو في الموالاة يرفع الصوت عالياً ويدعو إلى وقف الدم ويُعلن بأعلى صوته أنّ الدم السوري واحد والشعب السوري واحد؟ منذ بدء المعارك، ارتقى عدد من الشهداء ووقعت إصابات كثيرة، ولم تنحصر بالأكراد، بل يمثلون أطياف سوريا الوطن، ففيهم العربي والكردي والآشوري. إن كان من حسنة لتلك الحرب، فهي قد أقنعت الأكراد كما يقول سكرتير الحزب الشيوعي الكردستاني الدكتور كاوا محمود، أن الأمن القومي الكردستاني في الأجزاء الأربعة لكردستان، واحد ولا يُمكن تجزئته. وعبّر الرئيس مسعود البارزاني لوزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف، الذي إلتقاه بسبب قلقه حول مستقبل الشعب الكردي في سوريا، ودعا إلى أن تلعب موسكو دورها من أجل منع تعميق آلام الشعب الكردي في سوريا بسبب أيّ أحداث أو تغييرات.
عبد الله مهتدي سكرتير حزب كومله الكردستاني الإيراني قال لي “إن موقف أحزاب إيران موحد من ناحية الوقوف مع “روج آفا”، وقال نضع كل قواتنا بتصرف القائد الأعلى للبشمركة الأخ الرئيس مسعود البارزاني، ليقرر كيفية إستخدامها للدفاع عن “روج آفا”، وقال نحن لا يمكن أن نترك أكراد سوريا وحيدين في هذه المعركة، فلسقوطهم إرتدادات سيصل صداها الى أجزاء كردستان الأربعة”.
عضو المكتب السياسي للإتحاد الوطني الكردستاني سعدي بيره، قال لي: “لن نترك روجافا وحيدة وسنُدافع عنها، كما دافعنا عن كوباني، وسنعمل على تطوير حلّ سياسي للأزمة في سوريا، ونحن نتواصل مع عواصم القرار لخلق آليّات تُساعد على التهدئة أوّلاً والوصول إلى الحلّ السياسي ثانياً”، فيما قال لي عضو المكتب السياسي للإتحاد الوطني الكردستاني عدنان مفتي: “في كلّ دول العالم هناك موالاة ومعارضة، ومن الطبيعي أن يكون هناك من هو مع ومن هو ضدّ عمليّة عسكريّة، كالتي تقوم بها تركيا ضدّ روجافا، إلّا أن أنقرة إستثناء القاعدة، في تركيا تجد أن الكلّ موحّد على موقف طوراني عنصري معاد للأكراد، موافق على الحرب، من دون أيّ إعتبارات إنسانيّة، حتّى شخص مثل رئيس بلديّة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الذي لولا أصوات الأكراد لما وصل إلى منصبه، تناسى كلّ خلافاته مع أردوغان ودعم عمليّته العسكريّة. الحلّ الوحيد أمامنا في هذه اللحظة هو توحيد الصفّ الكردي والسعي من خلال دول القرار، خصوصاً روسيا، إلى حلّ سياسي لتلافي كارثة إنسانيّة وتهجير جماعي للأكراد، وزرع مستوطنين عرب في مناطقهم بهدف تغيير ديموغرافيّة المنطقة الكرديّة، وجعلهم أقليّة.
نوزاد هادي، عضو اللجنة المركزيّة للحزب الديموقراطي الكردستاني العراقي، ومحافظ أربيل السابق، قال: “لسنا هواة حرب ولا نسعى إليها، ونُرحّب بالحلول السياسيّة ولا نُريد تدمير المدن الكرديّة السوريّة، مثل ما تمّ تدمير كوباني، والرئيس مسعود البارزاني ورئيس إقليم كردستان نيتشرفان بارزاني وكذلك حكومة الإقليم، أعلنوا وقوفهم مع روجافا، وتمّ التواصل مع الفرنسيين والروس، والقوى المؤثرة في المنطقة، لتدارك كارثة إنسانيّة، كانت نتائجها في الأيّام الأولى، نزوح آلاف العائلات الكرديّة إلى خارج منطقة العمليّات العسكريّة”.
لن تكون رحلة سهلة لتركيا نحو أراضي سوريا، وستُحاول أنقرة أن تضمّ كلّ الأراضي التي ستحتلّها، كما فعلت سابقاً ونجحت، ولم يسبق لتركيا أن احتلّت أرضاً وأعادتها إلى أصحابها، وشرق الفرات بداية الرحلة، وأنقرة تُريد إكمال مغامرتها بضمّ الموصل وكركوك، فهي تدّعي حقوقاً تاريخيّة لها فيها، وتدّعي أنّها تُريد حماية التركمان، لذلك لا يُمكن أن تُترك تركيا، ويُسهّل لها إستكمال مغامرتها. في الأزمة الحاليّة التي يمرّ بها الأكراد، هناك معادلة جديدة ومهمّة، وهي وحدة الموقف الكردي الرافض للهيمنة التركيّة والمصرّ على مواجهته بشكل موحّد، بالإستناد إلى جبالهم، وبعض الأصدقاء الأوفياء.