بينما لا تزال الحرائق السياسية تشتعل يومياً في الكويت هنا وهناك لسبب وآخر، يبدو أن لا أحد يلتفت بجدية إلى رأس النيران الاقتصادية التي نشبت منذ فترة، ولا تزال تتوسع دون أن نرى أو نسمع أن هناك خطة إنقاذ من أي مسؤول أو حتى رؤية واضحة لمعالجة الخفض الحاصل في تصنيف الكويت السيادي، ما يزيد حيرة الغيورين أكثر وأكثر، إلى الحدود التي تجعل السؤال مشروعاً هل تجاهل الإسراع بالمعالجة حكومياً ونيابياً مقصود؟
في أبريل الماضي أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز» التصنيف الائتماني السيادي لدولة الكويت عند المرتبة (+A) مع بقاء النظرة المستقبلية سلبية، فيما أوضحت الوكالة ضمن تقريرها أن النظرة السلبية للتصنيف تعكس المخاطر على مدى 12 إلى 24 شهراً مقبلاً، مع وجود إمكانية لخفض إضافي للتصنيف إذا لم يتم الاتفاق على ترتيبات تمويلية شاملة ومستدامة.
ولم تخفِ الوكالة مخاوفها من أن يقلل تصاعد التوترات بين الحكومة ومجلس الأمة احتمالية تنفيذ الإصلاحات المطلوبة في المستقبل القريب، ما يضيف مزيداً من الضغوط على التصنيف السيادي.
ويبدو أن كل الرسائل السلبية الواردة في تقارير «ستاندرد آند بورز» وقبلها «فيتش» و«موديز» المعنية بالتصنيف لم تستوقف المسؤولين، رغم مخاطرها الكبيرة، والمغزى هنا عدم ملاحظة أي «فزعة» حكومية أو نيابية، بإستراتيجية تضمن حماية التصنيف من التصدع مجدداً، ومواجهة تنامي أزمة التصنيف السيادي، خصوصاً أن هذه الوكالات لا تستبعد حدوث مزيد من التراجع مستقبلاً للتصنيف إذا استمر غياب الإصلاحات على حاله، المفارقة أن التوقع نفسه غير مستبعد حتى من الوزراء المعنيين.
بالطبع قد يرى البعض أن ارتفاع أسعار النفط زاد مستويات السيولة في صندوق الاحتياطي العام، ومن ثم لا يوجد ما يدعو للقلق من تقارير وكالات التصنيف المقبلة، التي ستغير اتجاهاتها ورأيها قريباً مع ملء الخزينة العامة بإيرادات النفط.
نظرياً هذا الحديث قد يكون صحيحاً لحد ما، فإيرادات النفط سترفع منسوب السيولة إلا أن استمرار غياب الإصلاحات يجعل وضع المالية العامة رهن التغيرات التي تطرأ على الأسواق من فترة لأخرى، ولا يضمن الاستدامة في تعزيز الميزانية العامة.
الخلاصة:
لا يمكن تجاهل خطورة الأسباب التي بنت عليها وكالات التصنيف خفض تصنيف الكويت، ولا يمكن تفادي حقيقة أن عدم الإسراع في تقديم حلول مستدامة للاقتصاد وللميزانية العامة قد يضمن توفير راحة موقتة، إلا أنها غير حقيقية ولا تعدو عن كونها مسكنا لألم مزمن.
ونتيجة لذلك يؤكد المنطق أن تكون هناك رؤية حكومية وأخرى نيابية يتم استمزاجهما في تعزيز مصادر دخل الدولة مستقبلاً، بما يضمن حماية التدفقات بمصدات حماية ضد أي هزات، ويدخل ضمن ذلك ضرورة وضع رؤية لاستغلال موجة الفوائض التي يمكن تسجيلها من العودة إلى الإيرادات النفطية التاريخية، وإلا سنكون عرضة مجدداً للهزات في حال عادت أسواق النفط إلى الاستقرار.