لم ترفع اقواس النصر في ديار الممانعة بعدما رشحت القوات اللبنانية مرشح 8 آذار الرسمي العماد ميشال عون. انطلاقا من ان الجواب الرسمي على تسمية الرئيس سعد الحريري النائب سليمان فرنجية كان، من كل قيادات 8 آذار، بمن فيهم فرنجية، ان العماد عون مرشحنا. هذا اذا تناسيينا كل الخطب والمواقف لهذه القوى منذ قرر هذا الفريق تعطيل نصاب جلسات الانتخاب منذ ايار 2014 بذريعة ان رئيس الجمهورية يجب ان يكون الأكثر تمثيلا في الشارع المسيحي.
من الواضح ان رمزي الممانعة اللبنانية، الرئيس السوري بشار الاسد والامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، لم يتلقفا هذه الهدية ببهجة وسرور. بل ان ملائكتهما في مجلس النواب لاذت بالصمت. حتى كتلة الوفاء للمقاومة اجّلت اجتماعها المقرر امس ولم تصدر اي بيان ولم تبرق لزميلتها كتلة التغيير والاصلاح مهنئة، بعد انجازها في كسب تأييد القوات اللبنانية للعماد عون. ذلك ان الجميع يعلم ان قدرة الرمزين المذكورين على جمع ما يمكن ان يتفلت من حلف الممانعة حاسمة ولا جدال فيها.
قد يكون هذا الكلام مستعجلا في الايحاء بأن حماسة الممانعة للعماد ميشال عون رئيساً غير متوفرة. فثمة اكثر من اسبوعين يفصلنا عن موعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 8 شباط المقبل، ويقتضي الامر التمهل في استنتاج المواقف او استقراء الوجوم على وجوه الكثيرين من عتات الممانعة واتباعهم. والى هؤلاء فإن تيار المستقبل ليس اقل وجوماً من قيام حليفه الدكتور سمير جعجع بترشيح عون، لكن ثمة نقطة ايجابية عبرت عنها كتلة المستقبل وعدد من مسؤولي هذا التيار هو في استعدادهم المستمر في المشاركة بجلسة 8 شباط، بمعنى ان تيار المستقبل لم يرفع حتى الآن سيف تعطيل النصاب، بل يبدي اصرارا على المشاركة في جلسة انتخاب الرئيس المقبلة.
وحتى يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود في جلسة 8 شباط، وربما قبل، تبقى الأعين مركزة على الموقف الذي سيعلنه حزب الله ومدى الحماسة والحزم الذي سيعتمدهما في مواجهة اسقاط مرشحه، لا سيما ان دوائره الاعلامية تركز كثيرا على الفيتو السعودي على الجنرال عون، بحيث انها تناقلت هذه “الخبرية” بشكل واسع عبر منابرها المتنوعة، والتي خلاصتها ان السعودية ترفض عون ومستاءة من ترشيح جعجع له مع عدم التفات هذه المنابر الى بقية الخبرية، غير المؤكدة، اي تأييد السعودية للمرشح فرنجية.
وفي محاولة لاستقراء المشهد الأولي لمواقف القوى المختلفة في الطرف السني والشيعي والدرزي حيال المرشحين عون وفرنجية، ثمة خيط جامع يمكن ملاحظته بين مختلف الفرقاء، وتحديدا تيار المستقبل وحزب الله والرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط… يمكن نسب هذا الخيط، بحسب سياسي مسيحي مخضرم، وكل لاسبابه، “الى عدم حماسة هذه القوى للاتيان برئيس قوي بالمعنى الذي ينتقل فيه موقع رئاسة الجمهورية من نماذج رؤساء بعد الطائف الى نموذج رئيس مختلف من جهة قوة التمثيل السياسي والنيابي والشعبي”. هذا التقاطع بين القوى الاسلامية، على اختلافها وتناقضها، يقوم بالضرورة ضمن منطق المحاصصة الذي يحكم البلاد، على انتزاع بعض ما اكتسبته هذه القوى بفعل تنامي قوتها وتوسع نفوذها، مع تراجع مسيحي سياسي وديمغرافي، وبفعل الدعم الخارجي من زمن الوصاية السورية الى ما بعدها. وبالتالي “فإن الاتيان برئيس للجمهورية بمواصفات تنتمي الى قوة التمثيل المسيحي، في ظل استمرار منطق المحاصصة، هو بالضرورة لن يكون له الأثر الايجابي على نفوذ القوى المسلمة”.
باختصار يريد حزب الله رئيسا يستطيع ان يمننه على طول ولايته بأنه هو من جاء به رئيسا وساهم في انتخابه ولا يريد رئيسا لا يستطيع المزاودة عليه في المواقف الاستراتيجية والوطنية. وتيار المستقبل يريد ان يضمن ما تبقى له من نفوذ في الدولة ومؤسساتها بعدما ضمر هذا الحضور بفعل سطوة حزب الله من جهة وبفعل تراجعه المضطرد على مستوى الشارع السني. فيما الرئيس نبيه بري لا يريد رئيسا يصدق انه اذ يتقدم عليه في الجلوس على المقعد الاول، انه يتقدم عليه في الامساك بمفاصل السلطة والموقع الذي رفع مداميكه داخل كل السلطات. اما جنبلاط فحكايته مع الرؤساء الموارنة طويلة، لا سيما في لحظة سياسية يستشعر قلق ان يكون موقعه السياسي والنيابي عرضة لرئيس نهم.
الجميع يريد رئيسا لا ينافس على الجبنة الانتخابية، رئيسا يعبر عن الطائف، بما هو هزيمة لفكرة الرئيس القوي.
alyalamine@gmail.com
البلد