إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
“ضريح الإمام الرضا”أغنى إمبراطوية تجارية في إيران الإسلامية
تولى ابراهيم رئيسي مسؤولية “ساند العتبة الرضوية” لمدة أربع سنوات خلال الأعوام 2016 – 2019، بعد وفاة المسؤول السابق رجل الدين “عباس واعظ طبسي”. ودُفِن فيها يوم أمس
الطبري: في هذه السنة غضبَ المأمون على الشيعة ومات علي الرضا بالحُمّى!!!
نُشِرت هذه الدراسة على الشفاف لأول مرة يوم الثلاثاء 15 نيسان (أبريل) 2008
تحقيق: أندرو هيغنز، وترجمة بيار عقل
ضريح الإمام الرضا في مشهد، وهو عبارة عن مجموعة فخمة من المساجد والمآذن والساحات المبلّطة بالرخام، أكبر مساحةً من مدينة الفاتيكان. ويجتذب الضريح عدداً من الحجيج المسلمين يفوق حتى الأعداد التي تحجّ إلى مكّة.
ففي كل عام، يقصد ما يزيد على 12 مليوناً من الإيرانيين، والعراقيين، وغيرهم، ضريح “الشهيد” الإمام الرضا الواقع في شمال شرق إيران. ويأتي هولاء جميعاً للصلاة على الضريح- ويضع كثير منهم أوراقاً نقدية في القفص المصنوع من الذهب والفضة الذي يعلو قبره.
لقد مزج الضريح الإيمان مع النقود منذ قرون عدة، وجمع تقدمات من الأموال النقدية، والأراضي، والمجوهرات، والأعمال الفنّية. وحسب بعض التقديرات، فإن ضريح الإمام الرضا ليس المزار الديني الأكثر قدسية في إيران اليوم فحسب، بل وهو كذلك أكبر وأغنى إمبراطورية تجارية في جمهورية إيران الإسلامية.
إن الشركات التي تشملها “محفظة” الضريح تشمل كل شيء: من مصانع للباصات إلى معامل لمعجّنات البيتزا. وفي الوقت نفسه، فالضريح مسؤول عن إدارة مركز دراسات إسلامية ويقتني مجموعة كبيرة جداً من المصاحف. وتحمل ملصقات منع التدخين في الضريح العبارات التالية: “هنا تحلّق الملائكة. لا تلوّث المكان بالتدخين”.
ويقول مهدي عزيزيان، وهو المستشار الإقتصادي لمسؤول الضريح “آية الله عبّاس فائز- طبسي الذي يبلغ عمره 73 سنة (وشقيق زوجته، كذلك): “نحن مجموعة إسلامية. ونحن لا نتوقّع أن يفهم أحداً كلّ ما نقوم به، وذلك بسبب ضخامته”.
إن الدور المزدوج الذي يلعبه ضريح الإمام الرضا يفيد في فهم كيفية إستمرار سلطة النخبة الدينية الكهلة في إيران بعد مرور 30 سنة على ثورة 1979 الإسلامية. وبتعبير الباحث الفرنسي “تييري كوفيل”: “المال هو السلطة، والملات.. يسيطرون على كل الأجزاء المهمّة في الإقتصاد الإيراني“.
إن ضريح الإمام الرضا هو جزء من مجموعة من “البونياد”، وهي إسمياً مؤسسات خيرية تملك أملاكا ًهائلة بفضل أجيال من التبرّعات أو بفضل عمليات المصادرة التي تمّت بعد الثورة. ولا تنشر هذه “البونياد” أية حسابات كما إنها، في معظم الحالات، ليست مسؤولة أمام أحد باستثناء آية الله علي خامنئي.
هذه الوضعية تعطي “البونياد” سلطة مستقلة خارج بيروقراطية الدولة الرسمية وتكبح سلطة المسؤولين المنتَخبين، سواء منهم الإصلاحيون ذوو العقليات الغربية أو المتعصّبون الشعبويون مثل الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد.
وفي حين يعتقد الغربيون غالباً أن الصراعات الداخلية في إيران تدور بين المسلمين التقليديين والليبراليين العلمانيين، فإن بعض أهم الصراعات تدور حول المال، وليس الإيديولوجية. وقد عزّز السيد أحمدي نجاد مصالح “الباسداران”، وهم قوة شبه عسكرية تملك مصالح تجارية تتنافس أحياناً مع مؤسسات الأوقاف.
إن ” حضرة الروضة المقدسة ” (بالفارسية Astan-e Quds-e Razavi) تملك مناجم، ومصانع نسيج، ومصنع باصات، ومصنع منتجات طبية، وشركة هندسية، ومصفاة سكّر، ومزارع ألبان، ومزارع ماشية وجمال، وبساتين فواكه وعشرات الملكيات الأخرى. كما تملك ثلاثة أرباع الأراضي في “مشهد”، ثاني أكبر مدينة إيرانية، وأراضٍ شاسعة في أنحاء أخرى. وقامت “حضرة الروضة الشريفة” بمدّ أنابيب مياه في لبنان، كما بنت جسراً بين العراق وسوريا، وسعت للحصول على عقود لشق الطرقات في الجزائر.
ويقول السيد عزيزيان، وعمره 53 سنة، وهو مهندس مدني يرأس “بيزنس” الضريح منذ سنوات ويشرف على برنامج الإعمار الكبير: “نحن موجودون في كل الصناعات”. ورغم إمتعاض المؤسسة الحاكمة في إيران من الأزياء الأجنبية، فإنه يحب “الجينز” والبدلات الأنيقة. وقد سأل زواره، وهو يقود سيارة “نيسان إكسبلورر” في شوارع “مشهد” عن أسعار البورصة العالمية وامتدح الضريح بوصفه شريكاً تجارياً يمكن للمستثمرين الأجانب التعويل عليه.
وقد اعتبرت جريدة “سارمايه” الإقتصادية الإيرانية في مقال نشر في 2006 أن ضريح الإمام الرضا هو أكبر “البونياد” الإيرانية. وزعمت أن أعمال الضريح التجارية تمثّل 7،1 بالمئة من الناتج الداخلي القائم لإيران، الذي بلغ 188،5 بليون دولار في السنة المالية 2006 حسب أرقام صندوق النقد الدولي. ولكن الإقتصاديين الإيرانيين والأجانب يعتبرون هذه النسبة مبالغة. ويقول هؤلاء أن “البونياد” تواجه صعوبة في إدارة مصالحها المتنوعة بكفاءة وأنها أحياناً تتمسّك بشركات ضعيفة الإداء من أجل لتجنّب صرف موظفيها أو لاعتبارات النفوذ السياسي. مع ذلك، يتّفق الجميع على أن “هيئة حضرة الروضة المقدسة” تمثّل قوة إقتصادية يُحسَب حسابها في إيران.
يقارن سعيد ليلاز، وهو إقتصادي إيراني معروف تلقى دروسه في “مشهد”، وضع إيران الحالي بوضع أوروبا في القرون الوسطى، حيث أتاحت ثروة الكنيسة الكاثوليكية وزعمها النطق بإسم الله، للباباوات والكرادلة أن ينافسوا الملوك وأن يتفوّقوا عليهم أحياناً. ويقول: “الدين والإقتصاد يتعايشان معاً في كل مكان”، وبدون المال، فإن آيات الله يتحوّلون إلى “مجرّد نسّاك”.
وفقاً لتقرير صدر في 1996 عن “مركز الإحصاءات” الإيراني الرسمي، فإن حفنةًً فحسب من 79 ألف مسجد وضريح ومؤسسة دينية في إيران لا تملك أوقافا، علماً بأن تعبير الأوقاف يشمل أراضٍ في الغالب. وهذا الوضع مشابه للوضع الذي كان سائداً في أوروبا ما قبل الحديثة، حيث كانت الكنائس والأديرة تملك عقارات شاسعة- قبل أن ينتزعها ملوك مثل “هنري الثامن” في إنلكترا. وحسب الإقتصاديين الإيرانيين، فهيئة الإمام الرضا هي أكبر مالك للأراضي في إيران بعد الدولة.
إن أكبر فنادق “مشهد” ومعظم مصانعها ومزارعها مُقامة على أراضي الضريح وتدفع الإيجارات لـ”البونياد”. كما أن “منطقة التجارة الحرّة” على حدود تركمانستان تقع في أراضي الضريح، وتشمل مطاراً قامت ببنائه شركة الإنشاءات في الضريح. ويقدّر “محمود نوري”، وهو مسؤول وحدة التطوير الدولية في الضريح، وقد تلقّى دروسه في إنكلترا، أن الضريح يملك حوالي 25 بالمئة من الأراضي المملوكة ملكية خاصة في إيران.
وقد أصيبت جهود واشنطن لفهم نوايا طهران بالإرتباك بسبب هذا الإختلاط بين مراكز القوى. فقد جهد المسؤولون الأميركيون، مثلاً، لمعرفة ما إذا كانت القيادة في طهران قد وافقت على توريد أسلحة إيرانية للميليشيات الشيعية في العراق. كما أحاطت طهران برنامجها النووي بالغموض، وزعمت أنها تريد التفاوض مع المجتمع الدولي أحياناً، ثم رفضت التفاوض في أحيان أخرى.
وقد سُلّطت الأضواء على علاقة ضريح “مشهد” الملتبسة مع السلطة الإيرانية بعد حرب لبنان في العام 2006، حينما شنّت إسرائيل حملة فاشلة لتدمير ميليشيا حزب الله الشيعية. وبعد الحرب، ظهرت عشرات الملايين من الدولارات من مصادر مجهولة بغية تمويل أعمال إعادة الإعمار والإغاثة التي يقوم بها حزب الله. وفي مقابلة في بيروت، في العام 2006، قال مستشار حزب الله المالي الأبرز، “حسين الشامي”، أن المال جاء من ضريح الرضا.
ولكن السيد عزيزيان ينفي ذلك ويقول أن حزب الله والجماعات الشيعية الأخرى ترغب في إضفاء قدسية مقام الإمام الرضا على نفسها. ويقول أن الضريح يموّل الأعمال الخيرية ومشروعات التنمية داخل إيران. ويشمل ذلك إعادة إعمار ضريح الإمام الرضا التي استهلكت 30 مليون دولار في العام الماضي وحده. كما استفاد من مشروعات الضريح “مستشفى الرضا” في “مشهد”، وهو مستشفى حديث جداً بلغت كلفته 100 مليون دولار، وتمّ تجهيزه بأجهزة من “جنرال إلكتريك” ومن “سيمنز” الألمانية.
إن زعيم الضريح هو “آية الله فائز – طَبَسي”، الذي يُعتَبَر واحداً من أقوى ملات إيران. وتُنسب إليه الدعوة إلى “الجهاد الدائم”، وأن مايكل جاكسون مبعوث إبليس. ولكن السيّد عزيزيان، وشقيقته هي زوجة آية الله، يقول أن السيد طَبَسي “متديّن جدّاً” ولكنه منفتح للأفكار الجديدة وعلى العالم الخارجي. ويملك آية الله موقعاً على الإنترنيت يشمل رسوماً متطورة وفيديو عن حياته في السجن في عهد الشاه. ولكن آية الله رفض إجراء مقابلة صحفية.
تسعى البيروقراطية الحكومية في إيران لتأكيد سلطتها على “البونياد” وغيرها من مراكز السلطة، ولكنها أحرزت نجاحات متقطّعة. ويقول السيد عزيزيان: “النقطة الأساسية هي ما يلي: أن أحداً لا يستطيع أن يفرض سلطته على ضريح الإمام الرضا”.
وكانت السلالة الصفوية في القران السادس عشر قد اعتمدت الإسلام الشيعي ديناً للدولة الإيرانية، وقامت بجهود كبيرة لتعزيز مكانة “مشهد” وثروتها. وسعى الحكام الصفويّون إلى فرض سيطرة مركزية على الأوقاف ولكنها أعطوا ضريح “مشهد” إستقلالية كاملة.
وتعرّضت إستقلالية رجال الدين الشيعة لتحدّيات كثيرة إبان القرن العشرين. إن رضا بهلوي، الجندي السابق الذي أصبح شاه إيران من العام 1925 إلى العام 1941، كان حاكماً تحديثياً. وفي العام 1935، خرج المصلون في “مشهد” في مظاهرات ضد اللباس الغربي الذي حاول الشاه فرضه، بما فيه القبعة الغربية التي تعيق الصلاة. وحينما اندلعت أعمال شغب، أطلق جنود الشاه النار. وتفيد بعض الروايات أن الشاه أعدم مسؤول ضريح الإمام الرضا.
وفي العام 1953، تسلّم إبنه محمد رضا بهلوي السلطة في إنقلاب دبّره الأميركيون، وعمل لاقتلاع سلطة رجال الدين. وشرعت الدولة في مراقبة التبرّعات الدينية، وعيّنت جنرالاً في الجيش مسؤولاً عن ضريح الإمام الرضا.
في تلك الفترة كان السيد فائزي- طَبَسي، أي رجل الدين الذي يدير الضريح الآن، طالباً شاباً في الحوزة الدينية. وقام فائزي – طَبَسي، وهو إبن رجل دين محترم، بإلقاء خطب مناوئة للحكومة وتعرّض للسجن خمس مرّات. ونشأت صداقة بينه والسيد خامنئي، الذي بات الآن القائد الأعلى للجمهورية الإسلامية. وعند الإطاحة بالشاه في العام 1979، قام آية الله روح الله الخميني على الفور بتعيين السيد فائزي- طَبَسي وصيّاً أعلى على ضريح الإمام الرضا (“هيئة حضرة الروضة المقدسة “). وبذلك، عادت السلطة الدينية على الضريح وممتلكاته.
وقامت الحكومة الإسلامية بنزع أملاك الشاه وأنصاره وأعطتها للمؤسّسات الإسلامية الجديدة (“البونياد”). وكان أكبر هذه “البونياد” هو “بونياد مستضعفين” (“مؤسسة المستضعفين”) التي تولّت أعمال الرعاية الإجتماعية وتحوّلت إلى شركة عملاقة. وكان بين الأملاك التي استولت عليها معمل تعبئة قناني “بيبسي كولا”، وفندق “هيلتون” السابق، ونوادي رياضية في “دبي”. وقامت مجموعة أطلقت على نفسها تسمية “مؤسسة المستضعفين- نيويورك” بوضع يدها على ناطحة سحاب تضمّ مكاتب في حي “نانهاتن” بنيويورك كان الشاه المخلوع قد شيّدها في السبعينات (ما تزال هذه المؤسسة النيويوركية، بعد أن غيّرت إسمها، تملك حصة الأكثرية في هذا البرج الواقع في “الجادة الخامسة”، ولكنها تنفي أن يكون لها أية صلة مع “بونياد مستضعفين” الإيرانية).
أثارت قوة “البونياد” قلق أوّل رئيس إيراني بعد الثورة، وهو عبد الحسن بني صدر، الذي يعيش الآن في المنفى في باريس. ويقول “بني صدر” أنه احتجّ لدى آية الله الخميني في العم 1980 على الفساد المستشري في “البونياد”، التي كان معفاة من الضرائب، وطالبه بإخضاعها لسيطرة الحكومة. ويضيف أن النظام الإيراني لم يقم بأية عملية تطهير جدية. ويضيف بني صدر أن الحرية المطلقة التي منحها النظام لهذه المؤسسات أتاحت “للملات أن يقيموا دولةً موازية للدولة”. ويقول: “الإسلام، كقوة إستقطاب للناس، انتهى منذ زمن بعيد. الموضوع الآن هو المال”. لكن السيد عزيزيان يردّ بأن “بني صدر” شخص من الماضي، وبأنه خائن.
عزّزت حرب 1980-1988 بين إيران والعراق قوة “البونياد”، ووضعتها في واجهة أعمال الإعانة وإعادة الإعمار. وأسهمت الشركات التي يملكها ضريح الإمام الرضا في إعادة إعمار المدن التي دمّرت في الحرب، كما وفرت الطعام للقوات المسلحة.
ولكن الضغوط الرامية إلى إخضاع “البونياد” للرقابة تصاعدت بعد موت الخميني في العام 1989. وبعد إنتخاب الرئيس الليبرالي نسبياً، محمد خاتمي، في 1979 صادق البرلمان على قاون ينصّ على أن “البونياد” تخضع “لإشراف الرئيس ولرعاية القائد الأعلى”. ووُجّهت إلى شقيق رئيس “مؤسسة المستضفعين” إتهامات إختلاس.
في الوقت نفسه، تعرّضت هيئة ضريح الإمام الرضا للإنتقاد. وشرعت بعض الصحف في نشر مزاعم حول فساد “ناصر”، إبن آية الله فائز- طَبَسي، الذي كان مدير “منطقة تجارة حرة” قرب الحدود مع تركمانستان تابعة لهيئة الضريح. وتراوحت الإتهامات ضده بين صفقات نفط إحتيالية وعمليات إختلاس في شركة تجارية يقع مركزها في “دبي”. ولكن التحقيقات لم تسفر عن نتيجة.
لكن السيد عزيزيان، وهو عمّ “ناصر”، يقول أن مزاعم الفساد كانت محاولة قام بها علمانيون متطرّفون لتقويض سمعة آية الله فائز- طَبَسي، وسمعة المؤؤسة الدينية، والجمهورية الإسلامية نفسها. ويضيف: “إذا هاجمت الإبهام، فإنك تهاجم الجسم كله”.
في تلك الأثناء، كان الضريح يستخدم قوّته. فقد رفع دعاوى قانونية لتاكيد ملكيته لأراضي متنازع عليها في أحياء طهران الغنية. ويقول السيد عزيزيان أن الضريح لم يكن ينوي مصادرة الأملاك وإنما مجرّد تذكير سكان طهران “بأنكم تعيشون على أرض الإمام الرضا”.
وفي أواخر ولاية خاتمي الثانية، صادق البرلمان على قانون يطالب “البونياد” بدفع قسم من الضرائب. ومع ذلك، تمّ إعفاء عدد من “البونياد” من القانون الجديد، بما فيها ضريح الإمام الرضا.
ليس معروفاً مقدار الأرباح التي يجنيها الضريح من مشاريعه التجارية كل عام. ويقول السيد عزيزيان أن الرقم لا يقل عن 50 مليون دولار، ولكن ليست هنالك حسابات موحّدة منشورة. وكان مختّصون إيرانيون قد نشروا، قبل سنوات، تقديرات بأن ميزانية الضريح السنوية تبلغ 2 بليون دولار. وتأتي معظم المداخيل من إيجارات لأراضي تم تقديمها للضريح خلال القرون الماضية. وقد تناقصت تقدمات الأراضي حالياً، ولكن الحجّاج ما يزالون يضعون تقدمات نقدية على ضريح الإمام.
ويقول “غلامالي عظيمي”، وهو موظف في مركز صحي عمره 28 سنة يقدّم قسماً من وقته لضبط الجموع في الضريح: “نحن نؤمن بأن كل ما نملكه هو بفضل الإمام الرضا. أن أعطي شيئاً بالمقابل هو أقلّ ما يمكن أن أقوم به”. ويضيف أن “قائمة إنتظار” المتطوعين تشمل 20 ألف شخص.
إن رئيس إيران الحالي، السيد أحمدي نجاد، أكثر إنسجاماً من سلفه مع النظرة المحافظة لآيات الله. ولكنه، بدوره، اصطدم بالمؤسسة الدينية.
وفي العام الماضي (2006) أعرب أحد كبار مستشاري أحمدي نجاد عن إستيائه من تدخّل هيئة ضريح الإمام الرضا في “بناء ناطحات السحاب وصناعة السيارات”، وقال أن مثل هذه النشاطات ينبغي أن تُترك لجهات أخرى. وقد دعمت حكومة نجاد المصالح الإقتصادية لأنصارها خارج النخبة الدينية. والمستفيد الأكبر في هذه الحالة هو: الباسداران. فقد فازت الوحدات التجارية في الباسداران بعقود إدارة مطار طهران الجديد، وبعقود لتطوير حقول الغاز ولأشعال عامة هندسية كبرى- وهذه جميعاً ميادين تنافس فيها مع هيئة حرم الإمام الرضا.
ويقول السيد عزيزيان، الذي يعمل في الدائرة المالية لهيئة الضريح منذ العام 1983 أنه لا يشعر بالقلق. فالقادة السياسيون يأتون ويرحلون ولكنها كلهم، بما فيها السيد أحمدي نجاد، “خدم للإمام الرضا… وعليهم أن يطيعوا الإمام”. ويتطلّع الحرم الآن للتوسع خارج إيران ويرغب في التعامل مع شركاء أجانب لتأسيس مشروعات مشتركة. ويضيف السيد عزيزيان: “لندهب إلى دبي ونؤسس شركة فيها، أو إلى كندا، أو إلى سنغافورة، أو حتى أفغانستان. من جانبنا نحن مستعدون”. ولا ينسى أن يضيف أن الوضع الخاص الذي يتمتع به الضريح يوفر “حماية 100 بالمئة”.
في مشهد نفسها، يقوم الضريح بإنشاء مصنع إسمنت للإستفادة من فورة البناء الحالية. وقامت المخابر التابعة له، وتسمى “شركة خبز الرضا”، بتركيب معدات ألمانية جديدة لإنتاج معجّنات الخبر و”البيتزا” التي يذهب معظمها للتصدير. وتحصل هذه المخابز على الخميرة التي تحتاجها من “شركة خميرة الرضا”، والسكّر من “شركة سكر الرضا”، كما تأتي بالتفاح والفواكه الاخرى من البساتين التي تملكها. وأحد أكبر زبائنها هو “مستشفى الرضا”!
ويقول مدير مخابز الرضا، قاسميان مقدم، أنه يدفع أسعار السوق للسلع التي يشتريها “ولكننا نعمل معاً كأعضاء في جسم واحد”. ويضيف أن ملكية الضريح للشركات تسهّل العلاقات مع العمّال: حينما تعمل للإمام الرضا، فكيف يمكن أن تفكّر بالإضراب؟“، مضيفاً أن المخابر حققت ربحاً قدره 1،2 مليون ولار في العام الماضي.
وعلى مسافة غير بعيدة يقع “مصنع سامن للمنتجات الطبية، حيث رفع الضريح حصّته مؤخراً من 40 إلى 70 بالمئة، عبر شراء حصّة شركة مملوكة من الدولة. وبفضل عملية الشراء هذه، فإن مدير المصنع، سعيد أحمد ككي، يقول أن المصنع بات الآن يدفع ضرائب على نسبة 30 بالمئة من أرباحه فحسب! ويضيف السيد ككي، الذي تحمل جبهته ندبة سوداء من الصلاة، أن العمل للإمام الرضا “شرف”.
لكن شركات الضريح ليست جميعاً ناجحة. فقد باع الضريح، مؤخراً، حصّته في شركة تصنيع الباصات التي عانت من متاعب مالية، كما أن مصنع الباصات الذي يملكه في طهران يُعرَف بعدم كفاءته. مع ذلك، يقول السيد عزيزيان أن المستقبل التجاري للضريح مؤمّن.
ويضيف: “حينما يكون الإمام الرضا معنا فإننا لا نخاف. نحن نشعر أننا نتمتّع بالحماية. الله معنا”.