إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
ثار غضب الجمهور الفلسطيني لإمتناع المحكمة عن إصدار قرار صريح يطلب من إسرائيل وقف فوري للحرب. إنه غضب مشروع بعد كل ما شهد الفلسطيني من ويلات وأهوال، مازالت مستمرة.
لكن بعض النخب ذهبت في الاتجاه نفسه، واستحضرت قرار المحكمة الخاص بالحرب الأوكرانية، لتبني عليه دليل انحياز المحكمة في الحالة الفلسطينية. يما يعزز حالة اليأس والإحباط العام، في لحظة نشهد فيها انهيار منظومة القيّم الدولية وسيادة سياسة الكيل بمكيالين، خاصة عندما يتعلق الامر بدولة إسرائيل.
لكن يعتقد كاتبا هذه العجالة المتواضعة، أن الأمر مختلف هنا.
إذ أن القرار الذي جاء فيه (ضرورة أن تعلق روسيا العمليات العسكرية في أوكرانيا على الفور) (صحف 16/3/2022) صدر على خلفية حيثيتين:
– إن أوكرانيا تطالب المحكمة بإسقاط عنها تهمة ارتكاب جريمة إبادة جماعية بحق السكان من أصل روسي من مواطني المقاطعات الشرقية، بما هي التهمة – السبب والمبرر الذي من أجله نفذت روسيا عمليتها الخاصة، لكنها لم تنجح في إثبات الادعاء أمام المحكمة.
– وبما أن الدولتين موقعتان على اتفاقية “منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها” لعام 1948 فإن المحكمة لها حق الطلب بوقف العمليات العسكرية، ولم تطلب انهاء الحرب تاركة المجال للمبادرات السياسية والدبلوماسية.
هذا الوضع لا ينطبق على الحالة الفلسطينية، لأن حركة حماس ليس طرفاً في الدعوى وهي فصيل مسلح وليست دولة. وهنا يجب أن لا نغفل أيضاً أن المناخ الدولي العام الذي صاحب انطلاق عملية “طوفان الأقصى” حاضر أيضاً في خلفية المشهد، على الرغم من تجنب المحكمة الإشارة اليه، بعد رفضها الدفوع الإسرائيلية التي تستند على هذه العملية في تبرير الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين.
أما في لائحة التوصيات الثمانية بعد توصية وقف اطلاق النار السالفة الذكر، فإن مضمون التوصيتين لإثبات جريمة الإبادة، يحتاج لعمل المحكمة الطويل وفق الأصول والقواعد القانونية المعتمدة الإجراء حتى يتم إثبات الجريمة مع اثبات النيّة والتحريض عليها.
وهذا يحتاج وقت لتنهي المحكمة عملها وتتخذ القرار المناسب فيه.
وعليه فإن المحكمة قبلت الدعوى وأفشلت محاول إسرائيل اسقاطها، كما تبنّت بشكل واضح التوصيات الست الأخرى ذات المضمون الاحترازي، وأصدرت كذلك توصياتها الاحترازية، بما ينسجم ويلبي توصيات دولة جنوب افريقيا – صاحبة الدعوى.
وبهذه الحالة لا يمكن القول بأن المحكمة أمسكت العصا من وسطها، أو أنها تنحاز إلى إسرائيل، لأنها امتنعت عن الطلب الصريح لوقف الحرب أو لأنها أحالت التوصيات الاتهامية الأساسية للمداولة حسب الأصول المتبعة في إثبات التهمة المنصوص عليها بالقانون الدولي “ضرورة اثبات نيّة التدمير المتعمد والمنهجي للسكان”، و”إثبات النية والاتفاق على تدمير الجماعة لذاتها” وكلمة “ذاتها” هنا تشير لعرقها أو دينها أو جنسيتها.
أما في متابعة رد الفعل الإسرائيلي الرسمي والعام على قرارات المحكمة، فإنه يُجَسِّد الانفعالَ المفرط في الهجوم والإدانة، كما يعكس ادراك الطرف الإسرائيلي معنى ان يصبح في قفص الاتهام وتحديداً بهذا النوع من الجرائم، حيث لم تنفع مع احتجاجاته اتخاذ وضعية الضحية وروايتها مجدداً.
وتالياً أصبحت إسرائيل تحت المساءلة والمحاسبة أمام القانون الدولي وهذا تقدّم كبير وانجاز في مسار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي يرتب على الجانب الفلسطيني واجبات تشتق من توصيات المحكمة لرسم خريطة طريق لانجاز مهام متعددة، سياسية وإعلامية وقانونية، من أجل توثيق ما يثبت عدم امتثال إسرائيل لطلبات المحكمة باتخاذ الإجراءات التي تمنع حصول جريمة الإبادة الجماعية، بمعزل عن مطلبنا بوقف اطلاق النار.
ان معركتنا القانونية، تحتاج الى استراتيجية واضحة المعالم، وطاقات بشرية متخصصة وإدارة حداثية في الأداء السياسي والإعلامي. حتى نستطيع اختراق المحافل التي ما زالت تتبنى الرواية الإسرائيلي وتدعمها بشكل مطلق.
هشام دبسي
والمحامي مهدي عباس، تونسي بلجيكي
(اعد ملف الدعوة ضد رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون)
٣١/١/٢٠٢٤
Notre combat juridique dans la balance de la cour de justice internationale (CIJ).