إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
كان من المتوقع أن تتسلل مسألة الشرف إلى النزاع الجماعي بين اصحاب المدارس الخاصة و#نقابة المعلمين في التعليم الخاص، حول قانونين صدرا عن المجلس النيابي وردّتهما الحكومة دون توقيع وللمراجعة.
فالشرف ابن الأخلاق والأخلاق ابنة عم الدين، وقد تعرضت #المدارس الكاثوليكية للنقد الأخلاقي- الديني بسبب موقفها المعارض للقانونين، لا سيّما ما يتعلق بتمويل صندوق التقاعد، ورفضها زيادة حصتها في تمويل الصندوق، كما جاء في احد القانونين، إضافة الى اعتراضها على مواد أخرى. وقد مارست هذه المدارس ضغوطاً على الحكومة، شارك فيها البطريرك الراعي، كما نشطت لهذا الهدف في اوساط الكُتَل النيابية المسيحية، ودعَمت مواقفها بالتأكيد انها تتكلم باسم كافة المدارس الخاصة الطائفية الأخرى.
وهكذا، وربما بسبب تعرّض “شرفها” الاخلاقي-الديني للتشكيك، أحبّت توقيع “ميثاق شرف”، مع نقابة المعلمين برعاية وزير التربية كبديل عن إقرار القانونين. لكن السبب العميق لذلك يكمن في مكان آخر.
فلنلاحظ أولاً، انه لولا تهديد النقابة بالإضراب لما كان بالإمكان الوصول إلى “الميثاق”، نظرا لاستقواء المدارس الخاصة بالمراجع الدينية والسياسية. والتهديد بالإضراب ليس بالمسألة السهلة، من قبل نقابة، معظم قياداتها تعمل في المدارس الخاصة الطائفية، فضلاً عن انتمائها، باستثناء اقلية، إلى أحزاب الطبقة السياسية. وربما هذا ما يفسّر حذرَ النقابة من الاقدام على الاضراب، رغم ان ما نص عليه “الميثاق” من مكاسب، هو دون ما تضمّنه القانونان اللذان كانت النقابة تطالب بتطبيقهما.
فالاتفاق ليس الزامياً بعد، وسيُرفع الى مجلس الوزراء لجعله الزامياً. كما انه “اتفاق حبّي” كما وصفه نقيب المعلمين. أضف إلى ذلك ان القانونين كانا يضعان أسساً لضمان الشفافية لناحية الذمة المالية، ويفرضان دفع مساهمات بالدولار الأميركي على رواتب المعلمين بالدولار.
وهذا ما لم يتضمنه “الميثاق” الذي اقتصر إنجازه الابرز على إقرار المدارس الخاصة الالتزام ” تأمين مبلغ 60 مليار ليرة لبنانيّة شهرياً لدفعها لأساتذة التعليم الخاص الذين تقاعدوا ليستمروا في تأمين مُقَوّمات العيش الكريم بالحد الأدنى المقبول، أي بإضافة ستة رواتب على راتب تقاعدهم، ما يستدعي سداد المدارس الخاصة غير المجانية مبلغ تسع مئة ألف ليرة عن كل تلميذ فيها.”
بسبب الخلل الكبير في موازين القوى، والظروف المالية والاقتصادية الصعبة في البلاد، مضافاً اليها عدم تشابه المدارس الخاصة في امكانياتها المالية، يمكن تفهم قبول نقابة المعلمين بـ”إنجازات الميثاق”، وتعويلها على إقرار القانونين لاحقاً، أو على إقرار سلسلة رتب ورواتب جديدة كما صرّح نقيبها مباشرة بعد الإعلان عن “الميثاق”.
لكن ما حصل، يتجاوز بخطورته النتائج التي توصل اليها “الميثاق”. فهناك انزلاق، على مستوى مرجعية ضمان الحقوق، من القانون إلى “الميثاق”، الذي يُعتبر كمرجعية، حتى، دون مفعول “عقد العمل الجماعي”، الذي ينص عليه القانون، كمكمّل له في نزاعات العمل الجماعية، والذي له مفاعيل إلزامية قانونية. وهو يتضمن عادة مكاسب تتجاوز ما نص عليه القانون.
وزير التربية استعاض عن غياب ما تضمَنه القوانين من الزامية التنفيذ بإنه دعا “جميع المؤسسات التربوية الخاصة غير المجانية إلى الالتزام حرفياً بالدفع كما ورد في هذا البروتوكول، وحذّر من أنّ مَن يتخلّف عن المساهمة المادية التي نص عليها البروتوكول، فهناك من الإجراءات القانونية الرادعة تحت سلطة وزارة التربية، أقلها رفض موازنات هذه المدارس، عدا عن سائر الإجراءات التي يمكن اتخاذها”. تهديدات الوزير لا معنى لها طالما لا ينص عليها “الميثاق” نفسه، ويمكن التبرؤ منها بسهولة، كما ان الوزير يصرّح وكأنه باق في وزارة التربية إلى الأبد، رابطا تعهداته بالتزامات شخصية.
الرهان الأكبر في هذا “الميثاق” على ما يبدو، هو على شرف المدارس الخاصة، الذي من المفترض ان يكون دافعها الاول إلى تطبيق ما نص عليه “الميثاق”. لا يمكن التعويل على شرف المدارس الخاصة وعلى شرف أي صاحب عمل لضمان حقوق العاملين، فوحده القانون كفيل بذلك. لاسيما أن المدارس الخاصة لم تبرهن تاريخياً، عن تحسس ملموس، لا لحقوق المعلمين ولا للأوضاع المعيشية لأهالي التلاميذ.
الانزلاق من القانون إلى “الميثاق”، لا سيّما في علاقات العمل، هو عودة إلى ما قبل دولة القانون، وتعميم شريعة الغاب، او تقاليد العشائر، على نزاعات العمل، بعد أن تحكمتا بالنزاعات السياسية.
عندما يحل “الشرف” مكان القانون، تعم جرائم الشرف، الذي يذهب ضحيتها عادة الأضعف، أو الذي يقبل أن يضع نفسه في موقع أضعف.