الشعب الكردي (بين 35 و40 مليون نسمة) هو أكبر شعب في العالم من دون دولة. ومع أنّ الحضور التاريخي للكرد يربو إلى نحو ثلاثة آلاف سنة، لم تكن الجغرافيا ولعبة الأمم إلى جانبهم، وهم يتوزعون اليوم بين تركيا وإيران والعراق وسوريا، ولهم تجمّعاتهم في لبنان وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق وأوروبا.
لم يكن للأكراد من أصدقاء إلا الجبال حسب الحكمة التي يُردّدها كبارهم، وقد دفعوا ثمَنَ الأجندة السياسية الدولية بعد سقوط الامبراطورية العثمانية، وما بين معاهدة سيفر (1920) ومعاهدة لوزان (1923) سقَطَ حلم الوطن القومي ووعد حق تقرير المصير تحت وطأة صعود أتاتورك.
لكنّ تقطيع الأوصال بين مناطق سكن الأكراد أو داخل كردستان، لم يؤثّر على تجذّر الانتماء الكردي وبرز ذلك بمقاومة للأمر الواقع لم تنقطع منذ 1920 في تركيا وإيران والعراق وسوريا، وغالباً ما حصلت الأحداث المهمة في تاريخ الأكراد في شهر آذار الذي يحلّ فيه عيدهم القومي (عيد النيروز في الحادي والعشرين منه) وفيهِ اندلعت ثورة الشيخ سعيد البيراني في تركيا عام 1921، وثورة ديرسم في إيران عام 1937، وانتفاضة مصطفى البارزاني في العراق عام 1932 و…انتفاضة القامشلي أو قامشلو في سوريا عام 2004.
لم ينتظر الكرد أن يتم إنصافهم وتلبية تطلعاتهم، ولولا نضالاتهم وتقاطع المصالح الإقليمية والدولية بعد حرب العراق عام 2003، لما تمكنوا من تدعيم حكم ذاتي في شمال العراق انتزعوه بشكل تدريجي منذ آذار 1970.
بيد أن التركيز على حصانة الحدود القائمة وديمومة مفاعيل اتفاقية سايكس – بيكو، جعل قيام الدولة الكردية من المحرمات، وأتى ذلك بعد الضربة التي تلقاها حزب العمال الكردستاني إثر تسليم دمشق زعيمه عبدالله اوجلان عام 1998 إلى أنقرة والحكم عليه بالإعدام وإيداعه سجن جزيرة اميرالي في عرض البحر.
لكنّ حركة التاريخ التي لا تتوقف يمكن أن تعدل مساره، فكما كانت نهايات المسألة العثمانية لغير صالح الأكراد، يمكن لتطورات المسألة السورية أن تكون مصيرية بالنسبة إلى مستقبلهم السياسي.
مع بدء موجة الانتفاضات العربية، وتحديداً مع الهبة السورية في درعا في الجنوب منذ عام، لفت النظر أن عامودا في أقصى الشمال كانت أول من هتَف لدعم انتفاضة الكرامة، ويومها تبيّن أنّ الشارع الكردي وخصوصاً شبابه لم يُعامل بالمثل مكوّنات الشعب السوري الأخرى وقياداتها على التقصير معه وعدم التضامن المبدئي مع انتفاضة آذار 2004. وفي موازاة هذا الاندماج بالمسار العام، برزت الخصوصية الكردية وإمكان لعب الكرد دوراً مهماً في تتمات الأمور.
بعد عامين من الجلجلة السورية ووصولها إلى منعطف مصيري، تحاول الأطراف المشاركة في الصراع، الإمعان في الاستخدام الاستنسابي للورقة الكردية لتعزيز مواقفها في اللعبة الدائرة.
في الأسبوع الماضي، كشف الرئيس السوري بشار الأسد، عن أن فرص إنشاء دولة كردية في المنطقة تزداد، لافتاً إلى أن الكرد باتوا يسيطرون على 25 بالمائة من الحدود السورية. ومن الواضح أن النظام السوري يلعب هذه الورقة ضد تركيا وضد معارضيه، وربما يستخدمها لاحقاً كذريعة لتبرير التقسيم والانسحاب نحو دولة في الساحل.
على الجانب الآخر، يتبيّن لرجل تركيا القوي رجب طيب أردوغان استعصاء الوضع السوري وإمكان انعكاسه على مستقبل تركيا كقوة إقليمية فاعلة. ويمكن للمراقب أن يستنتج أنّ تحريك الورقة الكردية ضد أنقرة من جبال قنديل إلى شمال سوريا، لعب دوراً في عدم تأمين الإجماع الوطني حول السياسة السورية لحكومة حزب “العدالة والتنمية”.
وهكذا فإنّ أردوغان، “السلطان العثماني الجديد”، المتمركز في الحكم منذ 2002، والمتفاخر بتطويع الجيش حارس الهيكل الكمالي، وبلعب دور “بطل العرب القومي” بعد حادثة “سفينة مرمرة”، يجد نفسه أمام خيار خطير من تداعيات المسألة السورية ألا وهو تمزّق النسيج التركي بين علماني وإسلامي وبين تركي وكردي وسنّي وعلوي… ولذا أسرع إلى المبادرة وأرسل رئيس مخابراته إلى سجن اميرالي للتفاوض مع أوجلان وبلورة إرهاصات تسوية تاريخية مع الأكراد.
سيكون هذا المسار التركي – الكردي محفوفاً بالألغام من نواحٍ عدة، ولا مصلحة لأطراف عدة بوصوله إلى النتيجة المتوخاة. لكن هذا الجهد سيستمر، لأنّ الأكراد (خصوصاً حزب السلام والديموقراطية) لهم مصلحة في المصالحة والمزيد من الاندماج والفعالية في دولة تعددية، وأنقرة التي تتمتع الآن بعلاقات مميزة مع كردستان العراق، لها كل المصلحة في جعل الأكراد من المساعدين في مدّ نفوذها الإقليمي. ستستغرق العملية وقتها لكنها ستسير بخطى أسرع لأن مصلحة أردوغان تقضي بعدم دفع ثمن ترتيبات المسألة السورية.
وسط هذا التنافس المحموم، يتوجب على المعارضة السورية والأكراد السوريين التفاهم على ثوابت تحفظ وحدة سوريا والاعتراف بحقوق المكون الكردي فيها من دون التباس. وعليهم التنبه إلى سعي جميع اللاعبين لكسب الكرد لأنّ أي إعادة تركيب للمنطقة تمر حكماً بكردستان.
khattarwahid@yahoo.fr
جامعي وإعلامي لبناني- باريس
الجمهورية
الورقة الكرديّة في المسألة السورية
هاهاهاهااههاهاهااه….جامعي وإعلامي لبناني- باريس، اما خطأ هو ثورة ديرسم في إيران عام 1937، ديرسم الان متتركة ب (تونجلى) وقع في شمال كردستان أى تركيا. ليس بايران، كما يقول الكاتب.