ترجمة “الشفاف”
باتت الحدود مجرّد أسلاك شائكة وطأتها أقدام كثيرة، واجتزناها بدون اكتراث. ها نحن في سوريا! إلى الشمال، يقع إقليم إسكندرون التركي وأغلب سكانه من العرب العلويين “المتترّكين”، والمؤيدين لنظام بشّار الأسد. ويقول لنا “توفيق”، وهو يشير إلى أشجار محترقة، أنهم “هم الذين يـأتون لحرق أشجار الغابة لكي يمنعونا من اجتياز الحدود”.
إلى الجنوب، “جبل التركمان” السوري، الذي يقطنه تركمان “متعرّبون”، مؤيدون للثورة التي يعتبرونها مناسبة لأخذ ثأرهم من النظام الذي يتّهمونه باضطهاد السنّة، و”التركمان” سنّة. إن هذا التعارض، على جانبي الحدود، يمكن أن يؤدي إلى جرّ دمشق وأنقرة إلى حرب بالوكالة، خصوصاً أن التوتّر بلغ ذروته في الأيام العشرة الأخيرة. أي منذ أن اجتازت القذائف السورية التي تستهدف الثوّار حدودّ سوريا لتسقط في الأراضي التركية، وتستتبع رداً من الجيش التركي.
وكان “جبل التركمان” قد ظلّ هادئاً نسبياً في بداية الثورةن ولكنه تحرّر في مطلع شهر حزيران/يونيو ٢٠١٢. ولم يستغرق الأمر أكثر من أربعة أيام من المعارك قبل أن يحتل الثوار مدينة “ربيعة””، وهي المدينة الرئيسية في الجبل. ويتذكر “أبو سامر، الذي يقوم بدور قائد الشرطة المحلي أنه “خلال الشهرين السابقين، كنا قد احتلينا القرى واحدة بعد الأخرى. ثم سقطت “ربيع” كثمرة حان
أوانها”.
في هذه القرية الجميلة التي تنسجم بيوتها مع منعطفات الجبل، فإن المبنى الوحيد الذي يحمل آثار القتال هو مركز “الإستخبارات العسكرية”. إن “ربيعة” حرة، ولكنها تعيش بوتيرة بطيئة: فقد حلّ الثوار محل السلطات المحلية عبر مجالس منتخبة، معبّرين بالمناسبة عن أحقادٍ قديمة. ويقول “أبو سامر”: “نحن أبناء المنطقة، ولكن في ظل نظام الأسد كانت جميع الوظائف الحكومية من نصيب العلويين. كل شيء كان لهم: السلطة، والماء، والمال. لم نفعل سوى استعادة ما هو من حقنا”.
ويروي “أبو سامر”، وهو “الدكنجي” الوحيد الذي ظلت أبواب محله مفتوحة أنه “حينما سقطت “ربيعة”، رحل جميع الموظفين. فأقفلت المدارس أبوابها، والمستوصف كذلك. وتوقّفت الحكومة عن دفع الرواتب، وقطعت الماء والكهرباء. أننا نعيش حالة حصار شبه كامل. ولشراء الأرز والمعلّبات، فإنا مصطر للإستعانة بالمهربين من “جسر الشاغور” (الخاضعة للحكومة).
وبدأت عمليات القصف في الوقت نفسه، وكانت متقطعة في البداية، من غير منطق أو هدف واضح، بغية ترويع من تبقّى من السكان. وحتى مطلع أيلول/سبتمبر، كانت “ربيعة” في مرمى مدافع الجيش الحكومي على قمة “برج القصب” المرتفعة جداً. لكن، منذ إستيلاء “الجيش الحر” على “برج القصب” بعد قتال مرير، فإن الخطر بات يتمثل في المرحيات. فكل يوم، تحلق هليكوبترات الناس عالياً جداً وهي تبحث عن طريدة، قبل أن تفرع حمولتها المميتة: وهي عبارة عن براميل مليئة بعشرات او مئات الكيلوغرامات من مادة “تي ان تي” مع قطع حديدية توقع أكبر عدد من الإصابات.
وما أن يسمع الناس هدير الحوامات حتى يفرّون إلى الغابة، بعيداً عن المساكن أو السيارات التي يمكن أن تشكل هدفا. ولا يستخدم النظام المقاتلات لقصف المنطقة لأنها مضطرة لدخول الأجواء التركية للعودة إلى قواعدها.
وبسبب ذعرهم من “البراميل” التي تلقيها الحوّامات، وكذلك الحصار، فقد فرّ أغلب سكان الجبل إلى تركيا. ولكن الحدود باتت مقفلة بوجه النازحين منذ شهر أيلول/سبتمبر. وينام المرشحون للهجرة في الغابات، على امتداد الحدود بانتظار اللحظة المناسبة للتسلل. ولم يبقَ في “ربيعة” سوى الرجال، إما للقتال مع الجيش الحر، او لحراسة منازلهم. وقد حلّ محل النازحين إلى تركيا نازحون آخرون من الداخل السوري، معظمهم من “تركمان” المناطق الساحلية التي ظلت تحت سيطرة الحكومة.
وبينهم مثلاً الدكتور محمد أحواله، الذي فرّ من اللاذقية حيث كان أجهزة الأمن تبحث عنه، ومعه إبنتاه، “نسمة” وهي طبيبة”، وصفا” وهي صيدلانية. وهو الطبيب الوحيد في قطر ١٥ كلم، ويعنى بالجميع من الأطفال المصابين بالإسهال إلى المقاتلين المصابين أثناء القتال أو المدنيين المصابين بسبب القصف. وهو يعطي كل أنواع الروشتات والأدوية، ولكن ليس لديه سيارة إسعاف، او معدات طبية متقدمة، أو وقود لتشغيل مثل هذه المعدات.
ويقع المستشفى الوحيد في المنطقة في “يامادية”، وهي على الحدود تماماً. ويقول المساعد الطبي، والمقاتل، “أحمد كاراجان”، “نحن قريبين جداً من الحدود بحيث يستحيل على بشار الأسد أن يرسل طائراته أو حواماته قصفنا. هنا، نحن عملياً داخل تركيا. وإذا جاء بشّار لمطاردتنا، فإن إردوغان يحمينا. عاش إردوغان. لولا تركيا، لكنا جميعنا في عداد الاموات”.
إن أعداد مقاتلي الجيش الحر تتزايد كل يوم، ومقاتلوه يزدادون مراساً. وبعد أن قطعوا طريق “اللاذقية-حلب في مطلع أيلول/سبتمبر، فقد باتوا يهاجمون القرى العلوية الواقعة تحتهم، ويتقدمون ببطء نحو مدينة “اللاذقية”. وتدور حالياً معارك قرب “بحيرة بلوران” (تقع بحيرة بلوران في قلب جبال اللاذقية في سوريا وتبعد ٢٥ كلم عن مدينة اللاذقية).
لكن هذا التطوّر الجديد يهدّد بإقحام جبل التركمان، الذي يذكّر جماله بجمال جزيرة كورسيكا الفرنسية، بحرب طائفية دامية. قرية ضد قرية. “ويؤكد المقاتل التركماني “أبو مصطفى” أنه “كلما دخلنا في قرية علوية، فإننا نحرص على عدم التعرّض لأحد بسوء. ولكن، مع الأسف، فإن العلويين يفضلون الفرار نحو اللاذقية للإحتماء في أحضان النظام”.
إن كلاً من النظام والثوار يتّهم الآخر بغحراق قرية “قندسيةط العلوية بعد سقوطها بيد الجيش الحر. إن جيش بشار الأسد لا يستطيع أن يسمح للثوار باختراق المنطقة العلوية، التي تشكل الملاذ الأخير للنظام، ولذلك فإنه ينظر إلى التهديد بجدية ويعزز مواقعه. ويقول “أبو مصطفى” : “بفضل مقاتلي الجبل التركمانيين، فإن مشروع دولة بشار الأسد العلوية سيسقط. نحن نمنعه من إقامة صلة مع العلويين الأتراك”.
وإلى الشمال، يستعد الثوار لمهاجمة قرية “كسب” على الحدود مع تركيا، ويقطنها تركمان وأرمن، وهي ما تزال بيد الجيش السوري. ويضيف “أبو مصطفى”: إذا استولينا عليها، فسيكون لنا منفذ إلى البحر، ومنفذ رسمي إلى تركيا. وسيسمح لنا ذلك بجلب السلاح من تركيا”. ويضيف: “أحذر إخواننا الأرمن في “كسب”: ليرحلوا قبل هجوم الجيش الحر، وإلا فستقع إصابات بين المدنيين وسيتحدثون مرة أخرى عن مجزرة ارتكبها الأتراك بحقهم”.
ويثير مثل هذا التحذير الخوف وسط المعمعة الطائفية التي تعيشها سوريا حالياً.
لويس روث، مراسل “لوموند”
“جبل التركمان”: مقاتلوه يتقدمون نحو “اللاذقية” لمنع قيام “الدولة العلوية”فلسفة الندم اجتمعت بطبيب من حوران ـ من بصرى الحرير ـ يعمل في جنوب المملكة فكان أول سؤالي له من ثلاثة أجزاء: ما الأخبار داخل سوريا؟ كيف معنويات الناس في هذه الأيام العصيبة؟ والأهم هل هناك من (ندم) لِمَ آلت الأمور إلى ما هي عليه من دمار مليوني منزل ونزوح خمسة ملايين ومقتل أكثر من ثلاثين ألفاً ومائة ألف من المفقودين وأرقام لا يعلمها إلا الله من المعتقلين والمعذَّبين والمعطوبين والمشوهين والمعاقين! سؤالي هل من ندم على هذه المخاضة؟ أجابني الرجل بجملة أدهشتني! قال نعم ثمة ندم؟ ثمة ندم؟ كررت سؤالي؟… قراءة المزيد ..